إن المقصود من هؤلاء – هو النخبة الواعية من الأكاديميين والمثقفين والساسة والصحفيين…الخ ، من فئات الشعب العربي في العراق الجديد، لأنه لايمكن بشكل من الأشكال تجاهل دور النخبة في المجتمعات البشرية، قديماً وحديثاً، أمثلة كثيرة تؤيد هذا الرأي، بل أن المجتمعات العربية قد شهدت هذا الدور في مراحل انعطاف تاريخي، ولم تكن بمنأى عن هذه التجربة، فحركة اليقظة العربية تشكل رافداً مهماً في هذا المجال، من خلال إطروحاتهم الفكرية وتوجهاتهم السديدة في طرح مبادئ وأفكار تخدم مستقبل العالم العربي آنذاك، من قبيل التسامح الديني وغرس الإتجاه العلماني والتأييد المطلق للمبادئ الدستورية والوقوف ضد الظلم وبث العدالة والمساواة بين الجميع، وبرزت أسماء لامعة كالطهطاوي والشدياق واليازجي والكواكبي وغيرهم، هؤلاء الذين تشبعوا بأفكار فولتير ومونتسكيه وروسو..الخ بهدف تنوير الشعب في حينه.
أولاً: لابد لهذه النخبة أن تتعامل مع العراق الجديد بمنطق التاريخ والجغرافيا، فيما يتعلق بتأييد القوانين الداعمة للتعددية القومية والمذهبية والاختلافات الجيو-سياسية، وتكريس هذا المبدأ وتطبيقه على ارض الواقع بدءاً من الذات، وهذا يحتاج اولاً وأخيراً الى تغيير في بنية العقل العربي فيما يتعلق بالتعامل مع الآخر.
ثانياً: المطلوب من النخبة العربية في العراق تنوير ابناء الشعب وخاصة العامة من خلال التجمعات الصغيرة داخل الاسرة وفي مكتب العمل وفي المعمل والمصنع بالمبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الآخرين والتعددية الاثنية والمذهبية وخاصة بين الجيل الطالع.
ثالثاً: عقد ندوات جماهيرية لحشد التأييد الشعبي لمبادئ الجمهورية الثانية التي تم دشنها في أعقاب سقوط الدكتاتورية.
رابعاً: ان المرحلة الراهنة تتطلب من الاعلاميين والكتاب العرب – الصحافة الملتزمة والتركيز في كتاباتهم الصحفية على المبادئ السامية الديمقراطية ووضع النقاط على الحروف، راسماً خطاً مستقيماً واضحاً، بهدف تأمين حياة حرة سعيدة لجميع أطفال العراق مستقبلاً عربا وكورداً وتركماناً وكلد – آشوريين وغيرهم، لدرء المعاناة عنهم ورفع الغبن عنهم ووضعهم في مرتبة تليق بالقرن الجديد- الواحد والعشرين.
خامساً: العمل من أجل نبذ ثقافة على المستويين القومي والديني.
سادساً: الاكثار من البرامج التوجيهية في الاذاعة والتلفزة وفي مجالي السياسة والثقافة وعرض القضايا المحورية ذات الشأن بكل جرأة وفضح الممارسات اللاديمقراطية والاجراءات الشوفينية وعرض الأفكار التي من خلالها يمكن انقاذ البلاد.
سابعاً: الاكثار من الاصدارات كالكراسات التثقيفية العلمانية والبدء بتغيير المناهج الدراسية واعلان ثورة ثقافية على القاعدة الفكرية البالية من العهد البائد ومن التطرف الديني والمذهبي ونشر ثقافة التسامح والاخاء والمساواة والتعددية مركزاً في نشر مثل هذه الأفكار على صفوف تلاميذ وطلبة المدارس والجامعات من أجل بناء جيل جديد يتبنى أفكاراً جديدة ويملك بنية عقل جديد.
وبطبيعة الحال فإن الدولة تتحمل الدور الأول في ذلك من خلال حماية النخبة ودعمها وتقديم التسهيلات والامتيازات لها وتشجيع النشر وطباعة الكتب وايجاد فرص العمل للشباب.
تمكنت نخب كثيرة في التاريخ العالمي من ان تنقذ مجتمعاتها وتلعب دوراً ريادياً، والتي لولاها لما تحققت الوحدة الايطالية والوحدة الالمانية، والتي لولاها لما نجحت الثورة الفرنسية ومبادئها الديمقراطية، والتي لولاها لما انفصل الدين عن الدولة في أوربا في اعقاب الحرب الدينية.
النخب المجتمعاتية هي ضمير وعقل المرحلة، فعليها يعتمد الكثير وبها ترتبط الأمور، إستسلامها يعني الهزيمة والانهيار والتراجع والتزامها بالقضية يعني الانتصار والتقدم والبناء، وعليه فأن مسؤولية جسيمة تقع على عاتق النخب العربية العراقية في داخل البلاد وخارجها، وعليها البدء بممارسة مسؤولياتها التاريخية، لرسم المعالم الجديدة للجمهورية الجديدة، العراق التعددي الديمقراطي الفيدرالي الحر.