نحو تحالف وطني سوري جديد

صلاح بدرالدين

 

  في
مراجعة سريعة للأسابيع القليلة الماضية ولراهنية الحراك الثوري العام نصطدم بحقائق
قد تكون مرة للوهلة الأولى ولكنها لن تكون قادرة على ازالة الصورة الجميلة للجوهر
وهو الثورة المستمرة التي كانت حصيلة سيرورة الفعل الشعبي لمدة تجاوزت العام ونصف
العام بالانتقال من حالة الى أخرى أي من فعل الاحتجاجات والاعتصامات السلمية
والمطالب الاصلاحية عبر الحوار من أجل الانتقال السلمي للسلطة الى التظاهرات على
المستوى الوطني ثم الانتفاضة الثورية السلمية انتهاء بالثورة المندلعة حيث نعيش
لحظاتها الآن مع كل تضحياتها من دماء الشهداء الأبرار والجرحى والمعتقلين
والمشردين وكل أنواع الدمار من قوى نظام الاستبداد 
هذا الفعل الشعبي الأصيل ليس منقطع الجذور عن تاريخ يمتد عقودا في النضال
الوطني الديموقراطي المعارض حسب قوانين التطور والانتقال التدريجي نحو الأمثل واذا
كانت الثورة بطبيعتها كما يعلمنا التاريخ وسفر الشعوب كفيلة بتجديد نفسها ونفض
غبار الأخطاء الماضية عن كاهلها وتصحيح مسارها وتطوير برنامجها السياسي والعسكري
الدفاعي والاجتماعي في غالبية نماذجها المنتصرة فما علينا جميعا الا رفع الغطاء عن
كل الأخطاء والخطايا والانحرافات التي لازمت قوى الثورة بالداخل أساسا وبالخارج
بدرجة تالية وكشف جميع الملابسات التي رافقت ظهور – المعارضات – وخاصة منها ”
المجلس الوطني السوري ” الطرف الخارجي الأكثر بروزا أمام أنظار المجتمع
الدولي الباحث أبدا عن ممثل ما للشعب السوري الثائر ولايهم في النهاية ان كان وجهه
ملتحيا ولونه أسودا أو أحمرا أو رماديا ومدى تمثيله الحقيقي على الأرض وتعبيره
الدقيق عن المجتمع السوري المتعدد الأقوام والديانات والمذاهب لأن المسألة وكما
يراها هو لاتهمه بتفاصيلها وتعقيداتها بقدر تلبية ماهو مطلوب من جهة معارضة في
الخارج لتكون شاهدة زور مقبولة اقليميا لازالة العوائق أمام توازنات مصالح الدول وسبل
تفاهماتها بمجلس الأمن أو تفرعاته (العنانية والابراهيمية) حتى لو كان ذلك مجرد
عنوان أو معارضة من ورق.
  لايخفى أن الشهور الأخيرة شهدت
انخفاضا ملحوظا لأسهم المجلس السوري وأصيب بتفكك داخلي وانقسامات في صفوفه قد يكون
جزءا منه نتيجة لصراعات الدول الاقليمية المعنية بالملف السوري ومما زاد في
انهياره المرتقب اصرار جماعة الاخوان المسلمين على خطف ماتبقى من هذا المجلس
واستثمار أمواله المنقولة والاغاثية لمصلحة بناء قواها العسكرية الخاصة بها تحت
مسميات استفزازية انقسامية متعددة بمعزل عن الجيش الحر الذي هو جيش الثورة الوطني
الجامع لكافة أطياف الشعب السوري أما هيئة التنسيق فليس له عمل يذكر سوى التسويق
لمشاريع روسيا وايران بالتشاور والتنسيق مع نظام الاستبداد وكان آخر بياناته دعوة
صريحة الى المساواة بين الضحية والجلاد والاستعداد للانقضاض على الثورة ومكاسبها
والايحاء بالتجاوب مع مشاريع انقاذ النظام كمحاور باسم المعارضة الى جانب هذين
الطرفين هناك أطراف أقل شأنا وتأثيرا بينها مايسمى بالمنبر الديموقراطي وجماعات
كردية (سنفرد لها بحثا خاصا) تتواصل مع قنوات أمنية وبعض مساعدي رأس النظام وأوساط
بعثية حاكمة تساهم في محاولات وأد الثورة وحرف الحراك الوطني عن مساره ودعم تواجد
السلطة ومؤسساتها لقطع الطريق على عملية التحرير الوطني الشامل كأحد أهم وأنبل
أهداف الثورة السورية .


   الى جانب ذلك وبموازاته يتعاظم
دور الداخل الثوري وتتوسع صفوف الجيش الحر مع انتصارات نوعية في مختلف المناطق
وخاصة العاصمة وريفها اضافة الى محاولات جادة في تعزيز وحدة المقاتلين الأحرار وتنظيم
صفوفهم تحت راية القيادات المشتركة الموحدة للجيش الحر واعلان المبادىء والتعليمات
حول التصرف والسلوك وبعض الممارسات الخاطئة مثل اختطاف المدنيين الأبرياء في اطار
احترام حقوق الانسان والأسرى وكانت خطوة الاعلان عن توحيد مجموعات تحت راية ”
فرقة المقاومة الشعبية ” في دمشق وريفها أحدى تجلياتها المباركة والتسمية
المعبرة بحد ذاتها تذكرنا بأيام الوحدة الوطنية الذهبية ضد المعتدين والدفاع عن
حرية وسيادة الوطن نقول أن مايجري بالداخل بدأ بالتمايز الجوهري عن ممارسات الخارج
سياسيا على وجه الخصوص مما يضاعف من أعباء ومهام الحراك الثوري العام من نشطاء
التظاهرات الاحتجاجية السلمية والتنسيقيات الشبابية والعصب الأهم تشكيلات الجيش
الحر انها جميعا تتحمل المسؤولية التاريخية في هذا الظرف الدقيق والخطير ليس على
الصعيد الميداني من مظاهرات واحتجاجات ومقاومة دفاعية ومواجهات عسكرية فحسب بل على
صعيد توفير المصدر السياسي المؤسساتي المنظم للقرار كتعبير موضوعي عن الواقع
الراهن المعاش الجديد واعفاء كل من كان يتكلم باسم الثورة في الخارج ورفع الغطاء
الشرعي الثوري عنه مجالس كانوا أم هيئات أم جماعات أم أفرادا أم محاولات مجاميع لتشكيل
حكومات بالمنفى بالوان طائفية مذهبية مقيتة أو عبر شخصيات بعثية وعسكرية منشقة
هدفها صيانة نظام الاستبداد من التفكك والانهيار وقطع الطريق على استكمال أهداف
الثورة والاعلان الواضح والصريح عن أن جماعات الاسلام السياسي وخاصة الاخوان
المسلمون لاتمثل الثورة الوطنية الديموقراطية وخارجة على الاجماع الوطني واذا كان
من حقها التعبير عن مواقفها فليس من حقها الاستئثار بموارد المجلس السوري في ظل
سكوت الموالين لها بقيادته وعلى رأسه أو الظهور كعنوان للثورة بدفع وتمويل من دول
اقليمية معينة بذريعة ” هلال اخواني ” في مواجهة ” هلال شيعي
” حسب وصف كاتب صحفي مصري معروف أي معالجة الشر بأسوأ منه.
   الأحداث تتسارع والمشاريع
تتوالى والتحضيرات على قدم وساق لنحر الثورة الوطنية السورية واجهاضها وافراغها من
أي محتوى نضالي ديموقراطي ويعتقد الكثير من المراقبين أن تعيين – الأخضر
الابراهيمي – وهو الابن البار للمؤسسة الرسمية العربية والوفي لنظمها والحريص على
بقائها جاء من أجل استكمال خطوط التآمر على الثورة السورية بتحقيق ” طائف
” سوري يدشن مقولة التعادل بين الضحية والجلاد ويعيد الاعتبار الى منظومة
القتل والاجرام ولايتجاوز حدود المقترحات الايرانية – الروسية في صيانة النظام
وترسيخه مع بعض الرتوش وعمليات التجميل والترقيع الذي سيزيد الأزمة تفاقما كما حصل
في التجربة اليمنية غير السعيدة ولذلك نقول أن الكرة الآن بملعب الحراك الثوري
بالداخل والأمل الوحيد هو المعقود على الداخل.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…