بين هذين المسارين وبالترافق مع سير الاحداث المتلاحقة , اعتقد ان التردد سيكون سيد الموقف بالنسبة الى الكثير من القوى وخاصة بعض اطراف اعلان دمشق بسبب البنية الاشكالية لمبادئ الاعلان التي تحمل الكثير من الجدل واللغط والاختلاف بين الاطراف الموقعة عليها وبسبب الاشكالية التي تصل الى حد التناقض بين توجهها القائم على الانطلاق من الداخل وعدم الاستقواء بالخارج او مد الجسور معها وبين الخارج الضاغط عليها بكل قوة كما على النظام والمنطقة والعالم ووفق سياسة بعيدة المدى تتضمن ادق التفاصيل ومعلنة بشكل صريح وواضح .
بين هاتين المسالتين الهامتين , مسالة الاشكالية النصية لمبادئ اعلان دمشق ومسالة عدم الانسجام بين توجهها والسياسة الدولية , يبدو ان اطراف الاعلان مدعوة الى التحرك بجدية وواقعية اكثروالانفتاح على العالم الخارجي بصورة واضحة وشفافة والتخلي عن سلوك الانغلاق والانكماش على الذات , كما يفعله النظام تماما , والدخول في اللعبة السياسية كما هي لا كما يتخيل بعض اطرافها , وانهاء حالة التردد , والتعاون مع قوى المعاضة في الخارج , ومع المجتمع الدولي , و التخلي عن الرؤية الايديولوجية للاحداث الجارية والى مستقبل سوريا والقضية الكوردية وتحديدا الاطراف العربية التي يبدو انها لم تتحرر بعد من قضيتين طالما عانت منهما ودفعت ضريبتمها كثيرا خلال سنين عملها , وهي مسالة الفكر القومي العروبي , بالمعنى الشوفيني , ومسالة النظرة الايديولوجية للغرب والولايات المتحدة الامريكية الداعمة الاساسية لمشروع التغيير الديمقراطي في المنطقة لابل انها القوة المبادرة والفاعلة الرئيسية في ذلك , ولولاها , فان التخلص من الانظمة الاستبداية في المنطقة كان قد تحول بفعل موازين القوى المختلة لصالح الانظمة الى ضرب من الخيال, .
اذا كانت اطراف اعلان دمشق قد حاولت نسبيا , تجنب النظرة الايديولوجية في تناول المبادئ الواردة في بيان الاعلان التاسيسي الاول بالرغم من احتوائها على عدة عبارات حملت او تضمنت تلك النزعة بشكل واضح : ( التاكيد على انتماء سوريا الى المنظومة العربية ….التي تؤدي بالامة الى طريق التوحيد ) و ( الاسلام هو المكون الثقافي الابرز في حياة الامة والشعب ) و ( شكلت حضارتنا العربية …) واذا كانت قد تجنبت الاشارة الى القوى الضاغطة على سوريا والانظمة الاستبدادية الاخرى في المنطقة سلبا او ايجابا , الا انها عادت سريعا الى اصدار بيان توضيحي نسفت بموجبها كل ما كان يفسر ايجابا لصالحها من اشكالات نصية وردت في البيان الاول , وما كان يفسر على انه تحول ايجابي في نظرتها الى الاحداث بصورة واقعية ومنطقية بعيدا عن النظرة الايديولوجية القديمة , لتعيد تكرار كل تلك الشعارت المفعمة بالفكر الشوفيني العربي و بالايديولوجية المعادية للغرب , مع ان الكثير من اطرافها كوردية , وقد تضمن البيان التوضيحي بهذا الصدد تراجعا واضحا ومن اهم ما ورد فيها : ( ان الاخطار التي تتعرض لها سوريا … تتمثل اساسا في مشاريع الهيمنة والسيطرة الامريكية والصهيونية على المنطقة.
… و في الاحتلال الأمريكي للعراق و النتائج المترتبة عليه ) وفي البند الثاني : ( ان سوريا هي جزء عضوي من الامة العربية وسيمكنها التغيير الديمقراطي من القيام بكل ما يترتب على انتمائها من مهام وقضايا قومية )
اذا كانت الاطراف العربية قد انطلقت من نزعتها القومية العروبية في ذلك فما هي تفسيرالاطراف الكوردية الموقعة على البيان من تبني تلك المواقف وذاك التوجه العروبي الشوفيني الذي لاناقة لهم فيها ولاجمل بل انها تنسف كل كيانهم القومي جملة وتفصيلا وتنزع عنهم حتى انتمائهم الى بني جلدتهم , ناهيكم عن تناقضها مع كل زعم بالديمقراطية والحرية والراي والراي الاخر والتنوع والتعددية وما الى ذلك من ادعاءات وزعم .
بين اعلان دمشق والبيانات التي صدرت في اعقاب المؤتمرات العديدة التي عقدت في عواصم العالم المختلفة , ثمة فجوة حقيقية واختلافات عميقة لاتقبل الاستمرار طويلا , لسببين رئيسيين وهما :
اولهما : ان المعارضة تحتاج الى برنامج سياسي موحد لمعالجة قضايا البلاد الحيوية مستقبلا ووفق رؤية سياسية جديدة واضحة وشفافة ومحددة لاتقبل كل هذا الخلاف الحاصل بين توجه المعارضة في الداخل والخارج , كما ان وجود توجهين مختلفين بهذا القدر لايشكل الارضية المناسبة لعمل المعارضة ووحدتها ودورها وفاعليتها والمهام الملقاة على عاتقها مما سيؤثر سلبا على الجميع ولايستفاد منها سوى النظام الذي يدفع بالامور بهذا الاتجاه .
ثانيهما : ان المجتمع الدولي جاد في مشروع التغيير في المنطقة وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي لذا فانه لن يقف مكتوف الايدي تجاه التردد والبطئ الذي تبديه المعارضة في التعامل مع النظام ناهيك عن تقبل المواقف والشعارات المعادية لها كما هو وارد في البيان التوضيحي لقوى “اعلان دمشق” وهي لابد ستسعى الى تقوية المعارضة المؤيدة للتغيير في الداخل والخارج ماديا ومعنويا كما بدأ يحصل الآن .
لاشك ان اعلان دمشق , في تشخيص شامل لها , اتسمت بجوانب ايجابية ايضا اضافة الى المآخذ ومواضع الخلل التي اشرنا اليها وخاصة النسخة الاولى من الاعلان ومن اهم تلك الايجابيات اتفاق معظم اطراف المعارضة في الداخل ومعها شخصيات ثقافية واكاديمية وسياسية مستقلة على مبدأ نفاذ فرص اصلاح النظام والاتفاق على خيار التغيير والاتفاق على جملة مبادئ اساسية حول العملية الديمقراطية مستقبلا و تبني مبدأ حل القضية الكوردية في سوريا , وكونها صدرت في الداخل بالرغم من ظروف الاستبداد , لذلك حاز الاعلان على ترحيب وتأييد اوساط واسعة من الشعب السوري والمنطقة والعالم فور صدوره بما فيها الولايات المتحدة حيث وجدت في الاعلان خطوة الى الامام حتى قبل المواقف الاخيرة لها – البيان التوضيحي ورفض المساعدة الامريكية – وعلى الجانب الآخر فان المسافة بين المسارين , مسار اعلان دمشق ومسار توجه المجتمع الدولي وما صدرت عنه من مواقف و بيانات سيتباعدان شيئا فشيئا الى ان يلتقيا , اما على التعاون غير المشروط بينهما لتغيير النظام , واما بعد حصول التغيير, وبين ان يلتقيا الآن وان يلتقيا بعد , هناك فجوة لابد من ردمها درءا لحالة تشتت وضياع تضر بوضع المعارضة ومصلحة البلاد مستقبلا وتخدم فقط اوساط السلطة التي تجد في ذلك فسحة من الوقت للحركة والعمل والتلاعب للاستمرار في الحكم اطول فترة ممكنة .