إتفاقية هولير، مقدمات ونتائج

خالص مسور

إن إتفاقية هولير وماتمخض عنها ما سمي بالهيئة الكردية العليا شكلت نقطة انعطاف حاسمة في توحيد الرؤيا المشتركة للأحزاب والتنظيمات الكردية المختلفة في كردستان سوريا، وهي انعطافة أخرى في تاريخ المساهمة الكردية في الربيع السوري، وبداية لتغلغل مظاهر حداثية في السياسات الحزبية لمختلف التنظيمات الكردية في سورية.

وسرعان ما ظهرت نتائجها الإيجابية على أرض الواقع تمثلت في الزخم الجماهيري المشارك في المظاهرات الموحدة والتي تنطلق عادة من أمام جامع قاسمو، فيما كانت تبدو للمتأمل بشائر الإرتياح على وجوه المتظاهرين ولسان حالهم يقول: هذا يوم كنا نريده ونتمناه.
لكن بالمقابل توفرت لدى المشاركين في المظاهرات بأطيافهم الحزبية المختلفة شيء من الحذر والإمتعاض والوجه الممتقع المقلوب (Madê tirş )  لدى بعض القيادات المشاركة من أحزاب المجلس الوطني الكردي تجاه زملائهم من مجلس غربي كردستان، وذلك أثناء المظاهرات الموحدة والتي سادت فيها رغم ذلك مظاهر التضامن والوحدة الوطنية، حيث كانت الجماهير تهتف فيها للبيشمركة والكريلا معاً، وتشيد بإنجازات اتفاقية هولير على الصعيد الواقعي والسيكولوجي الإنفعالي، ومن مشهدية الحدث كان بإمكان المرء الإستدلال على وجود شيء من التفاؤول الحذر وشروخات في الطوابق العليا من البنية السياسية الكردية في نفس الوقت، وشيء من الشعور بعدم الإرتياح وتعكير النية تجاه الآخر المختلف، وبروز سيمات وعلائم مصالح شخصية لمسؤولين حزبيين بدت كأنها تتعرض لشيء من الإستلاب في ركائزها البنيوية والإعتبارية معاً.
لكن ما نحذر منه الأكراد في كل مكان، هو تلك الزيارات المكوكية المشبوهة لثعالب المراوغة والمكر في كل من طهران وأنقرة، زيارات تدل على نية مبيتة ومحاولة لتوريط الكرد في سياسات فرق تسد القديمة الجديدة، لكن أنتم أيها الكرد لستم اليوم في عهد الثورات الكردية في العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي، فلا يغرنكم مشهد الوداعة في الشوارب العثمانلية لداوود اوغلو ولا اللحية الصفوية الصفراء لصالحي، وهما يخبئان تحت الشارب واللحية سماً زؤام، وبين جوانحهما ومن في حكمهما قلوباً متوحشة تفوق قلوب هولاكو والتاتار، وأرجو ألا نسمح للتاريخ بأن يكرر نفسه، حتى لا يضيع حقوق الكرد بين شارب أوغلو ولحية الصالحي العفنتان وقد جرت تحتهما المجازر المروعة التي نفذها بحق الكرد يوماً كل من أحفاد أزدهاك وأتاتورك هؤلاء، مرة أخرى نقول، أنتم أيها الساسة الكرد ومن معكم من الجماهير الكردية، وقد أضناكم السهر والكرى وتعلمتم من فن السياسة ما تعلمتم، وتتماوج أذهانكم بالوعي وحسن السياسة والتدبير، فلا يفرقنكم ثعالب الغدر أويشتت هؤلاء شملكم بعد التئام، وحذار من اللعب على وتر عواطف الشبان الذين مدوا لهيب الثورة السورية التحررية إلى المناطق الكردية، كما نحذر الأحزاب المتواجدة على الساحة السياسية الكردية من الشروخات السياسية والإجتماعية التي كانت تستفحل قبل اتفاقية هولير المجيدة، والتي كانت ستؤدي اليوم وغداً إلى عداوات مستحكمة في بنيان المجتمع الكردي ذاته، وحذار من الطعن في إتفاقية هولير وتجربة الوحدة الوطنية الرائدة مهما كانت الأسباب والمبررات، لأن في اتحاد الكرد قوتهم وحقوقهم وكرامتهم أيضاً.
نقول هذا، لأن أخشى ما نخشاه هو أن لمعظم الساسة الكرد تاريخ حافل بتوجيه التهم الباطلة إلى بعضهم، ومعظمهم يجيدون لعبة الشقلبة وعدم الثبات أو الإستمرارية على موقف موحد ولا تنقصهم الحجاج ولا التهم الجاهزة لبعضهم، ناهيك عن أتباع يجيدون عبادة الفرد تنقصهم الجرأة في النقد، في وقت يتم فيه اختزال الحزب بسكرتيره، وفي غياب القراءة النقدية التحليلية لمشهدية الحدث الكردي وفق صوابية الرؤية السياسية الواقعية، أو نسيان أن الحزب والسكرتير وكل مسؤول حزبي قد خلقوا جميعاً لخدمة أهداف ومباديء الشعب فقط، وليس لتقديسهم أو التضرع إليهم على طريقة الرهبان البوذيين، ومن جانب آخر يجب عدم التفريط بحبهم وتقديرهم إلى أقصى حد، هذا إن بدوا وهم يتفانون فعلاً  في خدمة شعوبهم.

لكننا نقول للساسة الكرد لايجوز الوقوف بين الجنة والجحيم، في وقت ليس فيه مجال للتردد بين الطرفين المتصارعين في الصراع الدائر في سوريا الآن، فيجب التعامل مع المعارضة بعيون منفتحة وخارطة طريق آمنة المسالك والدروب، وعدم طرح مطالب تعجيزية والتي قد تضر أكثر مما تنفع.
كما نود القول، بأن على جميع الأطياف الحزبية الكردية وبدون استثناء قبول الآخر بصدر رحب وبعقلانية منفتحة على الحدث، ووضع مصلحة الشعب فوق أي اعتبار آخر، كما أن ما نتمناه ونريده هو الإستمرارية لإتفاقية هولير وتماسك الهيئة الكردية العليا حتى النهاية، ونبذ العقل الكردي القديم ونمطية التفكير، والعمل على بذل الجهد للإستفادة من تراكم التجارب الثورية سواء في المنطقة الكردية أو في منطقة الربيع العربي ضمن دائرة الإنبناء على رؤية سياسية موحدة ومتماسكة الأركان والركائز، وعلينا أن نتعلم بأن في الإتحاد قوة وفي التفرقة ضعف وضياع حقوق ومآسي شعوب.
…………………………………………………………………    
      

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…