عن جريدة الدي تسايت
تقرير سنوي يعده مركز أبحاث النزاعات والعنف في جامعة بيلفيلد ، بالتعاون مع مؤسسات أخرى، منذ العام 2002 ، يدرس حالة المجتمع الألماني ، واتجاهات تطوره ، بالارتباط مع الأزمة الاقتصادية ، وارتفاع نسبة البطالة ، والإصلاحات التي تجريها الحكومة ، والتي تتم في الواقع على حساب الفئات الفقيرة والمتوسطة، والتي تؤدي إلى تقليص دور الدولة الاجتماعي ، وإعادة توزيع جديدة للناتج الاجتماعي ، من الأسفل نحو الأعلى.
المترجم .
موضوعين رئيسيين، يطبعان الحياة اليومية في المجتمع الألماني، المشاكل المستديمة، كنتيجة للبطالة وإعادة هيكلة دور الدولة، يضاف إليها النقاشات والحملات حول موضوع الهوية الجماعية وتعدد الثقافات.
المتابعة الدقيقة للتفاصيل التقنية ، لما سمي بالإصلاحات ، وحملات تعزيز الـــهوية الجــماعية، تلقي نظرة مباشرة على التطورات الدراماتيكية في المجتمع ، وآثارها السلبية.
والتي تم رصدها منذ البدء بمشروعنا البحثي في العام 2002 ، وبشكل خاص في بعض البلدات والمدن الصغيرة ، والمناطق ، حيث تظهر هذه المشاكل وتصبح اكثر قسوة، وتولد مناطق إشكالية جديدة أو تتعمق في مناطق أخرى ، هناك حيث يزداد الخوف من الانحدار الاجتماعي، ويزداد العداء التقليدي للغرباء والآخرين.
تقريرنا الحالي يظهر بأن العداء التقليدي للمجموعات الضعيفة في المجتمع، والذي وصفناه في تقاريرنا السابقة، يتخذ ثلاثة مسارات أساسية:
– العداء للغرباء، والذي يزداد نسبته بشكل واضح ومتصاعد من سنة لأخرى، من خلال مقولة، أن عددا كبيرا من الأجانب يقيمون في البلاد، وانه يجب إعادتهم من حيث أتوا ، عندما تصبح فرص العمل نادرة.
– العداء للإسلام، والذي يزداد أيضا ويتمظهر مثلا من خلال الإنكار العام لفكرة إن الإسلام قد قدم خلال تاريخه، ثقافة حضارية راقية.
– العداء للسامية، حيث يمكن ملاحظة ، انه ما بين العام 2002 – 2006 هناك عودة واضحة للأشكال الكلاسيكية للعداء لليهود.
والذي يظهر من خلال مقولة، إن اليهود يملكون يد طولى في تقرير الأمور، وظهر ذلك جليا أثناء الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله ، لكن ذلك لا يرقى إلى درجة مقارنتها مع الأجواء قبل العام 1933 .
عام صعود النازية إلى الحكم.
إن الحالة التقليدية للمجتمع الألماني تظهر ، بأن من يلعب دورا رئيسيا، في تقرير الاتجاهات، ليست هي الفئات التي تصطف تقليديا ، على أطراف اليمين أو اليسار، وإنما الفئات المتوسطة في المجتمع، بما تحمله من أفكار وقيم ، هذه الفئات التي تعد رمزا للتضامن ، والعيش المشترك والإنتاج ، ولاتجاهات الصعود الاجتماعي وأيضا للأفكار والقيم الغير راديكالية، باختصار ضمانة الحياة العادية والاستقرار السياسي.
حيث تظهر الآن هذه الفئة بأنها غير مرتاحة، وغير مريحة ، وتبدو وكأنها فقدت القدرة على التحكم في تخطيط حياتها ، ويتناقص مخزون الثقة الذاتية لديها ويضيع في مسارات الخوف من الانحدار الاجتماعي، لينتشر بدلا عنها مشاعر العداء التقليدية.
يمكن للمرء القول بان هذه نتيجة عامة، يمكن ملاحظتها في معظم البلاد ، ولا تقتصر على مناطق محددة، حيث إن صعوبات إيجاد موقع في سوق العمل، والفرص الجديدة تتبادل المواقع بشكل ما فيما بينها.
التحليل يظهر بأن التمايز الاجتماعي ، بالارتباط مع فقدان الثقة والتوجه، ينتج شعور العداء التقليدي.
ولكن بأي مقدار وأين يظهر ذلك جليا؟.
في الوقت الذي تتيح فيه المدن الكبرى ، إمكانية نمو وانبثاق مجموعات وفئات متعددة ومتنوعة ، فان هذه الإمكانية تكون بالطبع محدودة في المدن الصغيرة والبلدات، بناء على ذلك تكون إمكانية التمايز والتفارق عن الرؤية الجماعية في هذه المدن وخاصة في البلدات الريفية، حيث إن التركيبة السكانية متجانسة، بسبب المحددات الاجتماعية الموحدة صعباً .هنا تكمن خطورة أن تحل رؤية أحادية للأحداث بين السكان ، من مثل كيفية تقييم المسائل السياسية.
إن التحليل يظهر بان مستوى الشعور العدواني ، يختلف بين المدينة والريف ، حيث نجد الموافقة العالية على العبارات العدوانية الموجهة ضد الفئات الضعيفة ، أعلى ما تكون في بـــلـدات شرق ألمانيا، والتي تشكل البنية الأساسية للتجمعات السكانية هناك.
إضافة إلى ذلك فان هجرة أصحاب الكفاءات الشابة ،من هذه المناطق، يؤدي بدوره إلى خفض السوية الاجتماعية والثقافية ، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة حالة التجانس ووحدة الرؤى بين من يتبقى من السكان هناك.
في مناطق الهجرة الكثيفة، يوجد مستوى منخفض من الكفاءات ، ومستوى مرتفع من الخوف من البطالة ، وشعور عالي بعدم إمكانية التأثير في المسار السياسي ، ومستوى منخفض من الإعانات الاجتماعية منه في مناطق الهجرة المنخفضة.
إن تأثير الهجرة واضح على مستوى الشعور العدواني، إن زيادة هجرة العائلات ، أماكن العمل، أماكن التدريب والتأهيل، من منطقة معينة ، يؤدي إلى انخفاض المستوى المهني ، وزيادة الانحدار الاجتماعي ، و النتيجة: ارتفاع مستوى الشعور العدواني .
إذا ما اخذ المرء ، نتائج البحث مجتمعة، فأنه يحصل على صورة منذرة بالخطر، حيث تسيطر في الريف بشكل متزايد الضغوط القوية، باتجاه تكوين نظرة جمــعية موحدة ، بسبــب التبعية العالية للمجموعة، وضــعف البدائل المــمكنة ، هذا من
جهة ، أما من الجهة الأخرى، فإنه يجب التفكير مليا بتأثيرات الهجرة السلبية، وهذا يعني بأنه يجب مضاعفة الجهود في مواجهة العداء تجاه الغرباء والفئات الضعيفة.
إن البحث في مدى تباين المشاعر العدائية لدى السكان، باختلاف المناطق ، والتي يمكن تقسيمها إلى مناطق متنامية، على حالها، متراجعة.
فإن الإحصائيات تؤكد بأن بان شعورالخوف من الانحدار الاجتماعي ومن البطالة بالترافق مع فقدان الخيارات، يزداد في المناطق المتراجعة، ويصبح الغرباء من سكانها عرضة للتمييز، وبالنظر إلى قلة عدد الغرباء ، وكثرة المناطق المتأزمة اقتصاديا و اجتماعيا في شرق ألمانيا، يخشى المرء من إن التمييز ومخاطر العنف، تزداد ويزداد معها، عدد المناطق المخيفة ، بالنسبة للاقليات ، ويقيد حركتها.
غرب ألمانيا: 45،9 بالمئة.
شرق ألمانيا: 60,2 بالمئه.
المتوسط : 48,5 بالمئه.
من الملاحظ بان أعمال العنف ذات الطابع اليميني ، تنامت بشكل مضطرد بعد انخفاض بسيط في العام 2004 ، كما تنامت وتصاعدت البروبغندا اليمينية وتهييج المشاعر الشعبية ، والتي تقف خلفها مجموعات سياسية نشطة.
إن زيادة أعمال العنف و البروبغندا ، إضافة إلى النجاحات الانتخابية على مستوى البلدان والمناطق ، تؤكد على ضرورة زيادة مراقبة النازية الجديدة.
في الواقع لا توجد إحصائيات تحليله عن مدى ارتباط العنف المحلي ، وتهييج المشاعر، والنجاحات الانتخابية ، لليمين المتطرف بالمواصفات النموذجية للمشاعر العدائية الفئوية.
لكن وكما العادة عندما ينظر المرء من زاوية أخرى ، وحيث انه لا يجوز للمرء عدم رؤية المسالة وأبعادها في غرب ألمانيا، فإن تكاثف وتراكب أو اندماج هذه العناصر ، ملفت للنظر في شرق ألمانيا.
النتائج تظهر بأنه حيثما تكثر مناطق الأزمات هذه ، فان هذا يلقي بظله على جوهر النظام الديمقراطي ، وإفراغ محتوى الديمقراطية.
أكثر من ذلك : المشاكل هذه يمكن أن تتطور إلى علاقات بنيوية طويلة الأمد ، والتي لا يمكن إعادتها بسهولة إلى وضعها الطبيعي، لذا يطرح نفسه السؤال المحوري التالي:كيف سترد الطبقة السياسية والاقتصادية على هذه التحديات ؟.
هذا الانقسام والتفتت الاجتماعي لم يصبح بعد من المواضيع التي تشغل بال الرأي العام الألماني .
ولذلك فإن الحملات الإعلامية من مثل : أنت ألمانيا*، تزيد في ارتفاع المشاعر الوطنية ، والرضا عن الذات القومية.
هل هذه محاولة فردية لتوظيف ذلك في تكوين دفاعات ذاتية في مواجهة الانحدار، والخوف، وفقدان الثقة بالمستقبل ؟.
وكم هو كبير المردود الإيجابي لمثل هذه الحملات؟.
هل تزيد الميول السلبية بالحط من قيمة وتجريم الفئات الضعيفة؟.
رؤيتنا هي : هذا الشكل من المزج والتركيب ، بين هذه العناصر من خلال مثل هذه الحملات قد تكون خطيرة، حيث تتفاعل بسهوله هذه الدغدغات القومية مع المشاعر العنصرية .
هنا يمكن ملاحظة مؤشرين، فمن جهة مشاعر الرضا والتماهي مع الهوية والثقافة القومية ، ومن جهة أخرى حزمة الأفكار التي تحط من قيمة الغرباء.
في نفس الوقت الذي يتم فيه التعبير عن أفكار ثقافية خاصة، مثلا في مواجهة المسلمين، أو التقييم المبالغ فيه للتجانس، أثناء الحوارات حول تعدد الثقافات ورفض الغير متجانس أو متعدد الألوان.
إن الحدود بين الاثنتين ضعيفة ، لذا فان مثل هذه الحملات في ظروف الأزمات ، يمكن أن تاخذ بسرعة ألوانا خطيرة ، وتزيد في موجة المشاعر العدوانية.
بدقة يمكننا القول ، بأن مشكلة التمايز الاجتماعي تسير بالترافق مع ضعف الثقة بالمستقبل، لذا فإنه ليس مفاجأً في مثل هذه الحالات ، أن تتحول مثل هذه الحملات إلى شرارة الانفجار، اذ تلعب دور التعويض الاجتماعي .
في الواقع تبين نتائج الدراسة ، إن الناس الذين فقدوا السيطرة على اتجاهاتهم المستقبلية ، ويعانون من جرائه ، يجدون في مقولة :أنا ألماني ، نوعاً من إعادة التوازن والثبات الذاتي.
لكن وبقدر ما كان الشعور القومي مرتفعاً لدى الأشخاص الذين تم استطلاعهم ، بقدر ما كان مستوى تقديرهم لقيم الديمقراطية منخفضاً.
هذه الخطورة من تمازج الخوف من الانحدار الاجتماعي، مع شعور الرضا القومي ، ظهرت مرة أخرى أثناء المونديال الأخير، حيث كانت المشاعر الملونة بالأسود والأصفر والأحمر – ألوان العلم الألماني – تستقبل بترحاب كبير، وهذا ما أكدته تقاريرنا السابقة، فمقدار ما تكون مشاعر الإعجاب القومية عالية، بمقدار ما تلعب دورا في مشاعر العداء للغرباء، وبمقدار ما يكون التماهي مع ألمانيا قويا، يكون مثلها الاعتزاز بالمجموعة القومية، ويكون الحط من قيمة المجموعات الأخرى.
هذه مسألة إشكاليه أخرى، تظهر بأن الاستعداد عند الأكثرية، لدمج الآخرين، مثلا المسلمين ينخفض باستمرار.
هذا التمازج بين هذه العناصر تفضي إلى نتائج خطيرة، وهي إن هذه الحملات لا تولد فقط شعور الانتماء إلى الأقوياء ، وإنما أيضا: ألمانيا قوية لا تحتاج إلى الضعفاء.
في الاتجاه المعاكس فإن المبادرات السياسية الموجهة تكون بالكاد مؤثرة، مثل سياسة التوزيع السكاني، الموجهة للحد من الهجرة الداخلية، وكذلك بالنسبة للمساكن والتي تعمد البلديات إلى خصخصتها باستمرار، والتي يتحكم فيها فيما بعد، فقط آليات السوق وحده، وهذا ما يزيد في تشكيل المجموعات الاجتماعية المنعزلة عن بعضها البعض.
باختصار: السياسة يجب ألا تعتمد على الحملات الإعلامية في معالجة هذه الأمور، وإنما يجب أن تعطي أجوبة صحيحة وعملية، هناك حيث الإملاق والتمييز، وحيث الأرياف والبلدات المظلومة، وهناك، حيث خـــوف الفئات المتوسطة من الانحدار الطبقي والاجتماعي.
* أنت ألمانيا، حملة اعلامية قامت بها الحكومة الألمانية ، وكانت تهدف – حسب القائمين عليها – إلى زيادة ثقة المواطن بألمانيا ، وارتباطه بها ، والتصدي لحالة التشأوم العامة المنشرة بين الناس ….
الخ .