أسلمة الثورة السورية

  فرحان مرعي

كنا نحلم بثورة بيضاء، ثورة لا حمراء، ولا خضراء، ولا سوداء، ولا رمادية اللون، ولا برتقالية، ثورة ناصعة البياض ،لاننا فعلاً كنا نحلم بالحرية وبالديمقراطية وبالتوزيع العادل للثروة بدولة تحكمها القانون،
 هذه القيم التي افتقدناها منذ اكثر من اربعة عقود منذ استيلاء العسكر والبعث على سدة الحكم في سوريا،
 كنا نتوقع ونحلم بثورة سلمية وشعبية ووطنية، لا قومية ولا دينية ولا طائفية ولا مسلحة ، ولكن ما زلنا نحلم بأن تحقق هذه الثورة العظيمة بعض من امانينا وأحلامنا المشروعة ،
 ولكن ايضاً لم تسير الثورة كما كنا نشتهي ونحلم في طريق مستقيم مثل اوتستراد المزة ، بل واجهت هذه الثورة -ولسوء حظ الشعب السوري- الكثير من العراقيل والصعاب والأهواء والمصالح من الداخل والخارج لم يكن في الحسبان، او لم يكن يتوقع ان تواجه الثورة هذا الكم الهائل من العقبات والتدخلات ، هذا الكم الهائل من العنف المتوحش والقمع المنهجي من النظام، كما لم يتوقع هذه اللعبة القذرة من الامم وهذا الارتباط المافيوي الدولي ضد الشعب السوري، كما لم نتوقع بالطبع ان يقوم النظام برش الزهور على المتظاهرين السلميين .
تحولت سوريا في الواقع الى ارض معركة دولية ساخنة معركة ستحدد نتيجتها مصير العالم كما رسمت انهيار الهتلرية خارطة اوربة والعالم .
لقد بذلت وتبذل كل الجهود والإمكانيات لحرف الثورة عن خطها وأهدافها النبيلة ، فنتيجة للعنف المفرط والتدمير الممنهج من النظام والدول المحتلة لسوريا (ايران وروسيا) تتحول الثورة شيئاً فشيئاً الى ثورة مسلحة ، اجبر العنف الناس على ان تدافع عن نفسها ومالها وعرضها بأسلحة خفيفة امام آلة جهنمية كدست منذ عشرات السنين لمواجهة عدو مفترض اسرائيل، وحرفت الثورة عن مسارها شيئاً فشيئاً عندما لعب النظام على الحبل الطائفي لتوليف الثورة بأتجاه صراع طائفي في عدد من المناطق، صراع غريب عن فكر وسلوك الشعب السوري، رغم ان الجميع يعلم ان النظام ليس طائفياً بل احتمى بالطائفية في لحظة السقوط فهو لن يتوانى في ذبح طائفته اذا تمرد عليه ،فالنظام يقتل اقرب المقربين في سبيل الحفاظ على كرسي السلطة، ان النظام مستعد ان يدمر البلد كله لو بقي له كرسي الحكم ولو على صخرة جرداء .
ان كثير من السوريين والمحللين يقولون ان الثورة تأسلمت، تأخونت، تأسلفت، تطيفت،….الخ من هذه النعوت والتسميات ، في الواقع ومع قليل من التدقيق للواقع الميداني والتحليل الديمغرافي لسوريا نجد ان في هذا شيء من الحقيقة ، ولكن نسأل لماذا تم اسلمة الثورة ؟ لماذا يبدو ان المتأسلمين هم فقط الذين يقودون الثورة او بعبارة اوضح لماذا يبدو ان عرب السنة هم فقط الذين يقودون الثورة ؟؟؟.
في الحقيقة ان التنوع الاثني والاجتماعي والمذهبي في سوريا خلقت اشكالية في الثورة السورية واعطت لوناً واحداً لها وعلى الاقل بعد عدة شهور من اندلاع الثورة .
ان التنوع الطائفي والديني والتنوع القومي و نتيجة لحساسية الحدث والخوف من الابادة العرقية والدينية وقفت حذرة من الثورة وخاصة المسيحيين والدروز لأن التجارب العالمية ما زالت حية في اذهانهم في العراق ويوغسلافية والسودان وغيرها رغم انهم لم يقفوا الى جانب النظام وبمعنى انهم لم يحملوا السلاح ضد الثورة ، اما الكورد فكان موقهم اكثر وضوحاً ، شاركوا منذ اليوم الاول في الثورة وفي كل مناطقه ولكن مع الحذر والقلق من مصير مجهول وخاصة ان انتفاضة آذار 2004  واحداثها ما زالت تؤرقهم عندما تم تأليب العرب وقتها ضد ما يسمى بالانفصاليين الكورد ، ولذلك نرى ان الحذر الكوردي مشروع وقياساً للتجارب الكوردية السابقة في اجزائه المختلفة ، بينما الطائفة العلوية لعبت بها وشحنت طائفياً واوهم النظام لهم بأن الصراع سني –علوي والقضية قضية وجود او لا وجود مما اوقع العديد من ابناء هذه الطائفة في هذا الشبك الطائفي القذر وتم زجهم بشكل ما في صراع لا ناقة لهم فيها ولا جمل ،       
 هذه الظروف والوقائع تركت معظم الساحة الثورية لعرب السنة-  طبعاً انا لا اعني الانتقاص من دورهم وشجاعتهم وثوريتهم – وبينهم العلمانيون والوطنيون والمفكرون والمعتدلون والمتشددون والسلفيون والاصوليون والاخوان والانتقاميون- وانا استبعد ان يكون بينهم ارهابيون- مما اعطى الثورة لوناً واحداً بصبغة التأسلم في كثير من جوانبه وهذا شكل حالة خوف مصطنع لدى الاوربيين والامريكان، كما عمل النظام بكل الوسائل الممكنة الايحاء للشعب السوري ان البديل هم الاخوان والمتطرفون الذين سيعودون بسوريا الى القرون الوسطى لذلك اشيع في الغرب كما في الداخل ظواهر اخوان فوبيا، اسلام فوبيا، ولكن في الحقيقة الخوف كل الخوف في الغرب هو العلمانية والديمقراطية والوطنية الحقيقية لان الغرب غير مختلف جوهرياً مع التيارات الاسلامية او الاسلام السياسي لانهم اكثر انصياعاً وتطويعاً للآوامر الغربية وسياساتهم .
النتيجة: ان الديمقراطية والحرية اللتان سوف تأتيان عبر التأسلم وعبر العنف والعنف المضاد –دون وضعهما في خانة واحدة ولا المساواة بين الجلاد والضحية – لن تكونا سليمتين تماماً، ستكونا قاصرين الى درجة ما ، لن ينعم الشعب السوري بالأمن والاستقرار بين لحظة وضحاها، ان عنف النظام وتسلح الثوار والمعارضة مجبرين سيخلقان امراض كثيرة في المجتمع، الانتقام، الثأر، جماعات مسلحة، ميليشيات مسلحة، متشددين ، ديكتاتوريين وغيرهم، لذلك على الشعب السوري ان يحزم امره لمرحلة جديدة بعد سقوط النظام يكون عنوانها  التسامح والتوحد والبناء في مواجهة بقايا النظام  .

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…