في وحدة الرموز والأعلام الكردية – عود على بدء –

حليم يوسف

استكمالا للاقتراح الذي تقدمت به بخصوص ضرورة الاتفاق العام لدى الكرد السوريين على تصميم علم يخصهم, فان ذلك ينسحب بالضرورة على توحيد بقية الرموز التي ينبغي الاتفاق عليها, وبما يتلاءم مع المرحلة التاريخية الحالية التي تشهد تطورات متسارعة, تفوق الخيال أحيانا.

وهذا ما يوجب التحرك السريع من قبل القوى السياسية الكردية  لتلافي المصاعب التي تعترض طريق الكرد نحو الحصول على حقوقهم القومية المشروعة في سوريا الغد.

وقد يبدو توحيد الأعلام والرموز مسألة شكلية, الاأنها تمتلك أهمية فائقة فيما اذا تحول ذلك الى غطاء لتحول عملي ونوعي في العلاقة بين التنظيمات السياسية الكردية التي يجب أن تخضع الى ضرورات المرحلة, والمتجسدة في تقبل الكردي- للكردي الآخر والسير معه جنبا الى جنب وفي ظلال ألوان ورموز موحدة, ولو الى حين.
 ان هذه القوى الكردية الفاعلة مطالبة بتغيير ذهنيتها القديمة والتضحية بالمواقف الشخصية والحزبية لصالح العام القومي والوطني.

كما يتوجب على التنظيمات الصغيرة, سواء المنشقة عن تنظيمات أخرى أو الجديدة منها, الكف عن التشنج في تحديد المواقف وتجاوز عقدة (عدم الفاعلية) التي تتحكم بمواقفها العدائية والكف عن كيل الاتهامات للتنظيمات الأكثر فاعلية, والتي تصدرت واجهة الأحداث الأخيرة نظرا لقدراتها الجماهيرية قبل أي شيئ آخر.

وقد تبدى لي أن اقتراح تصميم علم جديد للكرد السوريين قدتم فهمه لدى بعضهم على أنه يعتبر تلاعبا أو تبديلا للعلم القومي الكردي أو تخليا عنه, في حين أن الأمر لايتطلب كل هذه الحمية القومية, بقدر ما يتطلب تفهم حيثيات المرحلة وضرورة القيام ببعض الاجراءات السريعة لخلق تقارب روحي وسياسي وعملي, على الأرض, بين الكرد السوريين الموزعين بين أكثر من ثلاثين تنظيم وحزب وتنسيقية.

في حين أن موضوع العلم القومي  الذي يعتمده اقليم كردستان العراق رسميا, في حال تغييره أو الابقاء عليه, يحتاج الى توافق قومي كردي عام, يمتد خارج الحدود السورية.

ولا يمتلك الكرد السوريون وحدهم حق اتخاذ قرار بهذا الشأن.

وهنا ينبغي عدم فصل الاقتراح عن سياقه الحالي.

فنحن لسنا بصدد بناء دولة قومية كردية, بقدر ما نطمح الى تمهيد الطريق باتجاه حصول الكرد السوريين على حقوقهم القومية المشروعة في حدود الدولة السورية الديمقراطية المنشودة.

ما أعنيه تماما هو قيام الطليعة السياسية الكردية المتشكلة حديثا والمتجسدة في معظمها, في المجلسين الوطني الكردي ومجلس غربي كردستان, بحل هذه الاشكالية بعد اتفاق هولير الموقع بينهما.

وهي, في رأيي احدى المهمات العاجلة أمام الهيئة الكردية العليا, الى جانب مهمة قد تكون أصعب من توحيد الأعلام, نظرا للحساسيات الحزبية والايديولوجية العالية الوتيرة لدى الكرد, وهي عادة رفع صور القادة والزعماء التي يمكن الاقتصار عليها في المناسبات والنشاطات الحزبية لكل اتجاه.

ولايعني هذا التقليل من القيمة الروحية, المعنوية و القومية لهؤلاء القادة, خاصة أن هناك الآلاف من الكرد السوريين الذين يعتبرون هؤلاء القادة رموزا قومية لكل الكرد بغض النظر عن أماكن تواجدهم.

الا أن رفع صورهم في تظاهرات الكرد السوريين وفي حراكهم الثوري الحالي يعكس دلالات لاتصب في مصلحة الكرد وترسل اشارات خاطئة وسلبية على الصعيدين الوطني السوري والاقليمي معا, وربما العالمي.

وهذه ممارسات لن يجني الكرد منها, في رأيي, سوى ردود آفعال سلبية, سواء من الشركاء في الوطن أو من المعنيين بقضية الكرد السوريين.

ومن المفارقة, أن يلجأ أنصار أحد المجلسين وهم من أشد المعترضين على رفع صور الزعيم الكردي أوجلان من قبل المجلس الآخر بحجة عدم (سورية) أوجلان, الى رفع صور زعيم كردي آخر غير سوري هو البرزاني- الأب أو الابن.

وهذا ما بدا جليا في المظاهرات الكردية الحاشدة التي أقيمت تحت شعار (الهيئة الكردية العليا تمثلني).

قد يعتقد البعض بأن هذا الاقتراح هو دعوة, كما في حالة العلم, الى التخلي عن الرموز الكردية, وما الى ذلك.

لا, على الاطلاق.

انما هي دعوة الى توحيد الموقف الكردي في اطار الخصوصية السورية وخلق أرضية سليمة للتفاهم مع الشركاء من القوميات الأخرى, من خلال ممارسات تعزز المطالب الكردية المشروعة وتوصلها الى الآخر بطريقة سليمة, لا أن تغرق هذه المطالب بالضباب وبتخبط في الأداء يؤدي الى تعميق الشبهات التي أغرق النظام المشرف على الهلاك التحركات الكردية بها منذ نصف قرن.

قد يذهب البعض الى التقليل من اقدام الأحزاب والتنظيمات المنضوية تحت لواء (الهيئة الكردية العليا) على هذه الخطوة على اعتبارها خطوة شكلية, لاتقدم ولا تؤخر شيئا في الذهنية الحزبية الكردية القائمة على اقصاء الآخر والغائه, الا أن التطورات الجارية على الأرض تخول هذه التنظيمات الى تبوئها القيام بدور ريادي وشديد الأهمية في هذا التحول التاريخي الذي يحدث في سوريا اليوم.

وهذا ما يجعل من القيام بهذا العمل الاجرائي الحامل لدلالات رمزية, مقدمة لابد منها باتجاه انفتاح الذهنية السياسية الكردية على نفسها أولا, ومن ثم الانفتاح على الآخر, الشريك في  الوطن.

للخروج معا من النفق الطويل الذي تراكمت فيه أوساخ سنوات من قحط روحي خلفه نظام يعتبر من أكثر الأنظمة فسادا ودموية في التاريخ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…