سحابة صيف وستمضي، ولن تؤثر على سموق السنديان

  بافي لقمان

في الآونة الأخيرة سواءً أكان على الأرض أو كان على الساحة السياسية، تبدو الأحداثُ متسارعةً بشكلٍ مُلفت للنظر، وهذا ليس بغريبٍ ولا بخافٍ على أحد، لأنّ سوريا لم تُبنى في ظلّ هذا النظام الشوفيني الشمولي على أسسٍ من الوطنية ومبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ولذلك فهي غير متماسكة، فعملية البناء تحتاج إلى الكثير من الهدم لذلك المنهج القديم، بهدف إقامة وطن حضاري بامتياز.
   إنّ ما يحصل مؤخراً من تصريحات ضدّ الكرد والتخوّف منهم، يضعُ الكرد بالفعل على المحك، وهو اختبار لنا على وحدتنا ومدى تعاملنا مع الوضع السياسي سواءٌ على الأرض أو على الساحة السياسية.

فمؤخّراً صدرتْ عدّة تصريحات ومن أطراف متعدّدة تتمحورُ حولَ شيءٍ واحدٍ، وهو “التخوّف من نشوءِ كيانٍ كردي”، هذه التصريحات التي عبّرت عن تخوّف أطراف داخلية أو على الحدود، أو حتى دولية، في سعي كلّ طرفٍ لإرضاء طرفٍ آخر، في موازين المصالح الدولية والإقليمية، والكرد أيضاً هم جزء من هذه التجاذبات الدولية والإقليمية وعليهم التعامل بحكمة والسعي الجاد من أجل وحدة الصف حيالها.
   كلّ هذه التصريحات غير مهمة بالنسبة لنا نحن الكرد، لأننا لن نتوقع ما هو أفضل، ولذلك فإنّ الأهمّ في هذا كلّه هو ما ينتج عن الاجتماعات التي تُدار في إقليم كردستان بين الهيئة الكردية العليا والمجلس الوطني السوري برعاية الإقليم ممثلة بشخص الرئيس البرزاني، إنّ كل ما هو حاصل يشبهُ سحابة صيف وستمضي، ولن تؤثر على سموق السنديان، وما يهمّنا هو وحدة الصف أولاً.


   وحدةُ الكرد وتفاهمهم وتكاتفهم هو صمام الأمان بالنسبة لنا، وإنّ أيَّ حديثٍ آخرَ في هذه المرحلة لن يجدي نفعاً، فالخلافات الكردية – الكردية يجب أن تُوضعَ على الرف، وتؤجّلَ إلى حينها، لأنّنا مُلتزمون بحلّ خلافاتنا مع الأطراف السورية الأخرى من المعارضة، كالاجتماعات الجارية بين الهيئة الكردية العليا والمجلس الوطني السوري، آملين أن تمضي هذه الاجتماعات قُدُماً صوبَ ما يصبُّ في المصلحة السورية والكردية.
   في الخلافات دوماً، لا غالب ولا مغلوب فيها، بل تنعكس سلباً على الثورة السورية، فالمهمّ هو إنقاذُ سوريا من براثنِ النظامِ الاستبدادي والإقرارُ الدستوري بحقوق الشعب الكردي، وحقوق الأقليات الإثنية والدينية الأخرى في البلاد.
   والمطلوبُ من المجلس الوطني السوري أن لا ينجرف إلى الشوفينية والعنصرية من أي طرفٍ كان، ولا يأخذ بأفكارهم في المجلس، ومحاولة زرع الشقاق بين العرب والكرد وأطياف الشعب السوري الأخرى، لأنّ الكرد واقعٌ موجود على أرضه التاريخية، ويعيش جنباً إلى جنب مع أخوتهم السوريين، وإنّ أيّ محاولةٍ لإقصاء الشعب الكردي عن أي اتفاق أو مبادرة، أو أي حلّ لسوريا المستقبل، إقصاءٌ لأمنِ سوريا وتقدّمها في المستقبل، لأنّ المقياس في تقدّم الدول وحضارتها تُقاس بقدر احترامها للأقليات الموجودة فيها وتعاملها معها.
   إنّ أيّة محاولة لإقصاء الكرد، أو نفيهم ستبوء بالفشل لأنّ الكرد واقع حاصل، سواء كشريكٍ في الأرض، أو شريك في الثورة، لأن الكرد ضحوا بشهداء في سبيل هذه الثورة، بدمشق وحلب والجزيرة قرابين للثورة السورية، وإيماناً منّا بسوريا حرة ديمقراطية، تعددية، وتوافقية، تحترمُ الجميع دون استثناء.

   ما يحصلُ هو سحابةُ صيفٍ وستمضي، ولن تؤثّر على سموق السنديان، ويمكن أنْ تَهزّها لكنّها لن تكسرها أبداً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…