د.
أحمد محمود الخليل
dralkhalil@hotmail.com
أحمد محمود الخليل
dralkhalil@hotmail.com
قال المؤرخ وِلْ دِيُورانْت: “تكاد مآسي أُغسْطُس وهزائمه كلُّها أن تكون في داخل بيته“.
(ول ديورانت: قصة الحضارة، 10/42).
وأُغسطس من مشاهير أباطرة روما (ت 14 م)، وهو مؤسس الإمبراطورية الرومانية وما قاله ديورانت يصحّ علينا نحن الكرد أيضاً، فمعظم أسباب الهزائم والمآسي التي حلّت بأمتنا ترجع إلى الخلل في البيت الكردي، وقد ذكرتُ بعض أوجه ذلك الخلل بإيجاز في دراسات سابقة، لكن هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة مستقلة شاملة، ونأمل أن نتفرّغ لها مستقبلاً.
(ول ديورانت: قصة الحضارة، 10/42).
وأُغسطس من مشاهير أباطرة روما (ت 14 م)، وهو مؤسس الإمبراطورية الرومانية وما قاله ديورانت يصحّ علينا نحن الكرد أيضاً، فمعظم أسباب الهزائم والمآسي التي حلّت بأمتنا ترجع إلى الخلل في البيت الكردي، وقد ذكرتُ بعض أوجه ذلك الخلل بإيجاز في دراسات سابقة، لكن هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة مستقلة شاملة، ونأمل أن نتفرّغ لها مستقبلاً.
البيت الكردي من الداخل:
ولن نذهب بعيداً في التاريخ، وإنما نبدأ من القرن السادس عشر، وتحديداً من معركة Çeldêran (1514 م)، حينذاك تقاسم العثمانيون والصفويون وطننا، ثم تقاسمه ورثة مؤامرة سايكس- پيكو في بدايات القرن العشرين، فطمسوا هويتنا، وزرعوا ثقافة العبودية في شخصيتنا، وجرّدونا من بعض قيمنا، وأفرغوا ذاكرتنا القومية، وحشوها بأمجادهم المؤسسة على الغزو والبطش بلا حدود، سمعت بعض كبارنا يقول “كان السلطان عبد الحميد يلقي سجّادته على البحر ويصلّي عليها”! أرأيتم كيف حوّلوا توحّشهم إلى كرامات؟ وإلى أية درجة ضلّلوا أجدادنا وسلبوهم وضوح الرؤية؟
إن الخلل الذي تسلّل إلى بيت الأمة الكردية، وشوّه الشخصية الكردية، هو من أبرز أسباب فشل ثوراتنا منذ بداية سنة (1800 م)، إنه أدّى إلى أن يفقد قسم من نُخب الكرد ثقتهم بأمتهم، وينتموا إلى الآخرين، يقول دبليو آر: “ويفخر كل زعيم كردي تقريباً بأنه ينحدر من أصل عربي، ويحاول إرجاع نسبه إلى النبيّ أو أحد صحابته الأولين” (دبليو آر: مذكرات دبليو آر، ص 114)، وذلك الخلل هو الذي جعل المفكر والشاعر محمد زِيا يتخلّى عن اسمه الكردي، ويتخذ الاسم التركي (ضيا گُوك أَلْپ)، ويضع أسس الطورانية في كتابه (مبادئ القومية التركية) (جوناثان راندل: أمة في شقاق، ص 352).
وذلك الخلل هو الذي جعل الكردي عصمت إينونو يحذّر الكرد قائلاً: “لا يحق لغير الأمّة التركية أن تطالب بأيّ حقوق إثنية أو قومية في هذه البلاد.
فما من أمّة أخرى، أو عنصر عرقي آخر، يملك مثلَ هذا الحق“.
(جوناثان راندل: أمة في شقاق، ص 342) ، وذلك الخلل هو الذي جعل الكردي علي صالح السَعْدي رئيس حزب البعث في العراق يهدّد الكرد بإعلان الحرب عليهم سنة (1963)، ويعطى القائدَ ملا مصطفى بارزاني- رحمه الله- ورفاقه “مهلةً أمدُها أربع وعشرون ساعة للاستسلام، وإلا فلن تقوم لهم قائمة“.
(دانا آدمز شمدت: رحلة إلى بلاد شجعان، ص 355).
وذلك الخلل هو جعل العالم الكردي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، يتجاهل ما حلّ بالكرد من قهر وصهر، ويرتقي المنبر في إحدى ساعات تجلّياته، ويعلن أنه يضع نسبه تحت قدمه، وذلك الخلل هو الذي أنتج الـ (جاش) مع كل ثورة كردية، وجعل حوالي (70) نائباً كردياً في البرلمان التركي من غلمان حزب (العدالة والتنمية) الطوراني.
إن القائمة السوداء طويلة، ولا ريب في أن الجبال والذهنية القبَلية ساهمتا في توهين الشخصية الكردية من الداخل، وأشاعتا الفرقة والفقر والجهل والغربة عن الحضارة، لكنهما كانتا في الوقت نفسه آخر الحصون التي حالت دون انهيار الشخصية الكردية بالكامل، بلى، رُبّ ضارّةٍ نافعةٍ كما يقول المَثل، فالجبال والقبيلة قطعت الطريق على مشاريع المحتلين المتوحّشة، إنها صانت وجودنا الفيزيائي والثقافي من الدمار، وأنجبت في كل حين رجالاً عظماء يجسّدون عنفوان الروح القومية، رجالاً مثل ذلك الزعيم القبَلي الذي قال سنة (1675 م):” أنا وليس السلطانَ العثماني إمبراطورُ هذه الأرض، إنه قد يكون أقوى منّي، ولكني أنبل منه “ (أرشاك سافراستياك: الكرد وكردستان، ص 89).
وبعد (25) قرناً من الاحتلالات ها قد عبَر شعبنا إلى القرن الواحد والعشرين، عبَر وهو يقيم على ترابه القومي، ويعي أنه (كردي)، وعبَر وهو وافر العدد، وهذه إنجازات رائعة إذا أخذنا في الحسبان ساديةَ الشوفينيين الذين ابتُلينا بهم، ولا ننسى أن نقول: مرحى لجدّاتنا وأجدادنا الذين صنعوا هذه الإنجازات! ومع ذلك تقتضي الواقعية أن نقول أيضاً: لقد وصلنا إلى القرن الواحد والعشرين وشخصينا القومية مُثقَلة بسلبيات كثيرة ضُخّت فيها طوال 25 قرناً.
المهمّات العاجلة:
حينما هزم نابليون الإمارات الألمانية، قال فيخته (ت 1814 م) فيلسوف القومية الألمانية: “لقد خسرنا كلَّ شيء، لكن تبقى أمامنا التربية“.
(جان توشار وآخرون: تاريخ الفكر السياسي، ص 384)، ونحن أيضاً خسرنا الكثير، لكن تبقى أمامنا إعادة بناء شخصيتنا القومية، وتلك هي مهمّتكم أنتم يا ساستنا المحترمين، بالتعاون مع المثقفين صنّاع (المعرفة)، وفي هذا المجال نرى من الضروري القيام بما يلي:
أولاً- بناء الشخصية قومياً: عبر إيقاظ الوعي القومي الأصيل في القلوب والعقول، وتطويره بما يتناسب مع ظروفنا المعاصرة، ويتحقق ذلك بأمرين: الأول تعميم المعرفة بتاريخنا القومي، فإن أمة منقطعة عن تاريخها هي أمة بلا جذور وبلا مستقبل.
والثاني ربطُ الأجيال بالنُخب القومية، فنُخب الشعوب هم مرجعيتها الروحية، وبهم تسترشد الأجيال، ومنهم تستلهم روح الإقدام والتضحية.
ثانياً– بناء الشخصية معرفياً: إن أمة جاهلة لا يمكن أن تكون متوحّدة، ولا قوية، ولا قادرة على الدفاع عن كرامتها، المسألة في الأساس (مسألة معرفة)، ولتطوير الشخصية معرفياً ينبغي وضع خطط تثقيفية تشمل مختلف مجالات المعرفة، وإكساب الجماهير عادات القراءة الهادفة، فأمة لا تقرأ لا مكان لها إلا في ذيل التاريخ، وبالقراءة الهادفة نتحرر من التفكير الخرافي الساذَج، ونؤسّس الفكر العلمي، إضافة إلى ضرورة إكساب الجماهير ثقافة تقدير قيمة الوقت، فالوقت أثمن ما يملكه الإنسان، والحكمة تقول: قل لي كيف تنفق وقتك، أقل لك أين يكون موقعك في التاريخ.
ثالثاً- بناء الشخصية جسدياً ونفسياً: أجسادنا هي الجياد التي نخوض عليها معاركنا في الحياة، وكي نربح المعارك ينبغي أن تكون جيادنا بأفضل لياقة وكفاءة، ويمكن تكليف السادة المختصين (أطباء، صيادلة، ممرضين) بإعداد خطط صحية، وتعميمها على الجماهير، وينبغي وضع برامج تثقيفية لتحرير شعبنا من ثقافة الهزيمة، إن الشخصية المتّزنة نفسياً هي التي تتعامل مع الأحداث بشكل صائب، كما أن البعد الجمالي مهم جداً، نقصد عشق القيم الإنسانية السامية، قيم النبل والحرية والفداء واحترام الآخر، إضافة إلى الاهتمام بالجمال في المظهر، والمنزل، والقرية، والمدينة، والبيئة عامة.
رابعاً – بناء الشخصية اقتصادياً: إن الفقر كالجهل عاملٌ مدمّر للشخصية جسدياً وفكرياً ونفسياً، وأول ما ينبغي التركيز عليه هو إكساب الجماهير حبّ العمل، ومكافحةُ البطالة والكسل، وتوجيهُ كل فرد إلى ممارسة عمل منتج في حدود قدراته، ومساعدتُه في الحصول على عمل ما، إضافة إلى استثمار الموارد على النحو الأفضل: الراعي في المرعى، والفلاح في الحقل، والتاجر في المتجر، والعامل في المعمل، والمرأة في المنزل، وإكساب الجماهير ثقافة الاقتصاد الرشيد، ومكافحة الهدر والإسراف.
خامساً – بناء الشخصية اجتماعياً وأخلاقياً: ينبغي القيام بحملات توعية وفق خطط مدروسة، تهدف إلى ترسيخ روح التكافل والتضامن في السرّاء والضرّاء، ومن الضروري جداً تشكيل لجان محلية للتعامل مع المشكلات الاجتماعية، وينبغي أن يمتاز أفرادها بالحكمة والخبرة، ومن الضروري أيضاً ترسيخ القيم الأخلاقية الرفيعة (الصدق، الاستقامة، الإخلاص، العفّة، التراحم، إلخ)، ومكافحة الأمراض الاجتماعية، وخاصة عند الجيل الشاب، إن كل إنجاز في مجال القيم سيكون عظيم الأهمية من المنظور الاستراتيجي.
ساستنا المحترمين، أمتنا تعيش حالة استثنائية، إنها صاحبة مشروع تحرّري، وهذا يعني أنه تقع على كواهلكم مهمّات استثنائية، وفي مقدّمتها إعادة بناء الشخصية الكردية القويمة، إن شعباً ينخر الفقر والجهل والتخلف كيانَه، وتطارده ثقافة العبودية، وتنهشه نزعات التهرّب والتخاذل والانتهازية والعمالة والخيانة، وتفترسه مشاريع الصهر والمسخ، لا يمكن أن يكون شعباً مهيَّأً لإنجاز مشروع تحرّري معقَّد كمشروعنا القومي، وبما أنكم- يا ساستنا المحترمين- ندبتم أنفسكم لقيادة الأمة، فدعوني أقل لكم مخلِصاً:
الشعارات والنشرات والبيانات والاجتماعات والتحالفات وحدها غير قادرة على تحقيق النصر في هذه المعركة الشاملة، قال هانس هاينز: ” ينبغي على المرء أن ينطلق من الإنسان قبل كل شيء” (هانس هاينز هولتز: أحاديث مع جورج لوكاتش ص 44)، وهذا ما ينبغي أن نفعله جميعاً، ليكن الإنسان الكردي هو البداية، دعونا نساعده على التحرر من ثقافة الخنوع والتبعية، ونُحيي فيه روح الكردايتي المتوهّجة.
عندئذ يستقيم كل شيء، وعندئذ نربح معركة التحرير.
وإلى اللقاء في الوصية الثامنة.
ولن نذهب بعيداً في التاريخ، وإنما نبدأ من القرن السادس عشر، وتحديداً من معركة Çeldêran (1514 م)، حينذاك تقاسم العثمانيون والصفويون وطننا، ثم تقاسمه ورثة مؤامرة سايكس- پيكو في بدايات القرن العشرين، فطمسوا هويتنا، وزرعوا ثقافة العبودية في شخصيتنا، وجرّدونا من بعض قيمنا، وأفرغوا ذاكرتنا القومية، وحشوها بأمجادهم المؤسسة على الغزو والبطش بلا حدود، سمعت بعض كبارنا يقول “كان السلطان عبد الحميد يلقي سجّادته على البحر ويصلّي عليها”! أرأيتم كيف حوّلوا توحّشهم إلى كرامات؟ وإلى أية درجة ضلّلوا أجدادنا وسلبوهم وضوح الرؤية؟
إن الخلل الذي تسلّل إلى بيت الأمة الكردية، وشوّه الشخصية الكردية، هو من أبرز أسباب فشل ثوراتنا منذ بداية سنة (1800 م)، إنه أدّى إلى أن يفقد قسم من نُخب الكرد ثقتهم بأمتهم، وينتموا إلى الآخرين، يقول دبليو آر: “ويفخر كل زعيم كردي تقريباً بأنه ينحدر من أصل عربي، ويحاول إرجاع نسبه إلى النبيّ أو أحد صحابته الأولين” (دبليو آر: مذكرات دبليو آر، ص 114)، وذلك الخلل هو الذي جعل المفكر والشاعر محمد زِيا يتخلّى عن اسمه الكردي، ويتخذ الاسم التركي (ضيا گُوك أَلْپ)، ويضع أسس الطورانية في كتابه (مبادئ القومية التركية) (جوناثان راندل: أمة في شقاق، ص 352).
وذلك الخلل هو الذي جعل الكردي عصمت إينونو يحذّر الكرد قائلاً: “لا يحق لغير الأمّة التركية أن تطالب بأيّ حقوق إثنية أو قومية في هذه البلاد.
فما من أمّة أخرى، أو عنصر عرقي آخر، يملك مثلَ هذا الحق“.
(جوناثان راندل: أمة في شقاق، ص 342) ، وذلك الخلل هو الذي جعل الكردي علي صالح السَعْدي رئيس حزب البعث في العراق يهدّد الكرد بإعلان الحرب عليهم سنة (1963)، ويعطى القائدَ ملا مصطفى بارزاني- رحمه الله- ورفاقه “مهلةً أمدُها أربع وعشرون ساعة للاستسلام، وإلا فلن تقوم لهم قائمة“.
(دانا آدمز شمدت: رحلة إلى بلاد شجعان، ص 355).
وذلك الخلل هو جعل العالم الكردي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، يتجاهل ما حلّ بالكرد من قهر وصهر، ويرتقي المنبر في إحدى ساعات تجلّياته، ويعلن أنه يضع نسبه تحت قدمه، وذلك الخلل هو الذي أنتج الـ (جاش) مع كل ثورة كردية، وجعل حوالي (70) نائباً كردياً في البرلمان التركي من غلمان حزب (العدالة والتنمية) الطوراني.
إن القائمة السوداء طويلة، ولا ريب في أن الجبال والذهنية القبَلية ساهمتا في توهين الشخصية الكردية من الداخل، وأشاعتا الفرقة والفقر والجهل والغربة عن الحضارة، لكنهما كانتا في الوقت نفسه آخر الحصون التي حالت دون انهيار الشخصية الكردية بالكامل، بلى، رُبّ ضارّةٍ نافعةٍ كما يقول المَثل، فالجبال والقبيلة قطعت الطريق على مشاريع المحتلين المتوحّشة، إنها صانت وجودنا الفيزيائي والثقافي من الدمار، وأنجبت في كل حين رجالاً عظماء يجسّدون عنفوان الروح القومية، رجالاً مثل ذلك الزعيم القبَلي الذي قال سنة (1675 م):” أنا وليس السلطانَ العثماني إمبراطورُ هذه الأرض، إنه قد يكون أقوى منّي، ولكني أنبل منه “ (أرشاك سافراستياك: الكرد وكردستان، ص 89).
وبعد (25) قرناً من الاحتلالات ها قد عبَر شعبنا إلى القرن الواحد والعشرين، عبَر وهو يقيم على ترابه القومي، ويعي أنه (كردي)، وعبَر وهو وافر العدد، وهذه إنجازات رائعة إذا أخذنا في الحسبان ساديةَ الشوفينيين الذين ابتُلينا بهم، ولا ننسى أن نقول: مرحى لجدّاتنا وأجدادنا الذين صنعوا هذه الإنجازات! ومع ذلك تقتضي الواقعية أن نقول أيضاً: لقد وصلنا إلى القرن الواحد والعشرين وشخصينا القومية مُثقَلة بسلبيات كثيرة ضُخّت فيها طوال 25 قرناً.
المهمّات العاجلة:
حينما هزم نابليون الإمارات الألمانية، قال فيخته (ت 1814 م) فيلسوف القومية الألمانية: “لقد خسرنا كلَّ شيء، لكن تبقى أمامنا التربية“.
(جان توشار وآخرون: تاريخ الفكر السياسي، ص 384)، ونحن أيضاً خسرنا الكثير، لكن تبقى أمامنا إعادة بناء شخصيتنا القومية، وتلك هي مهمّتكم أنتم يا ساستنا المحترمين، بالتعاون مع المثقفين صنّاع (المعرفة)، وفي هذا المجال نرى من الضروري القيام بما يلي:
أولاً- بناء الشخصية قومياً: عبر إيقاظ الوعي القومي الأصيل في القلوب والعقول، وتطويره بما يتناسب مع ظروفنا المعاصرة، ويتحقق ذلك بأمرين: الأول تعميم المعرفة بتاريخنا القومي، فإن أمة منقطعة عن تاريخها هي أمة بلا جذور وبلا مستقبل.
والثاني ربطُ الأجيال بالنُخب القومية، فنُخب الشعوب هم مرجعيتها الروحية، وبهم تسترشد الأجيال، ومنهم تستلهم روح الإقدام والتضحية.
ثانياً– بناء الشخصية معرفياً: إن أمة جاهلة لا يمكن أن تكون متوحّدة، ولا قوية، ولا قادرة على الدفاع عن كرامتها، المسألة في الأساس (مسألة معرفة)، ولتطوير الشخصية معرفياً ينبغي وضع خطط تثقيفية تشمل مختلف مجالات المعرفة، وإكساب الجماهير عادات القراءة الهادفة، فأمة لا تقرأ لا مكان لها إلا في ذيل التاريخ، وبالقراءة الهادفة نتحرر من التفكير الخرافي الساذَج، ونؤسّس الفكر العلمي، إضافة إلى ضرورة إكساب الجماهير ثقافة تقدير قيمة الوقت، فالوقت أثمن ما يملكه الإنسان، والحكمة تقول: قل لي كيف تنفق وقتك، أقل لك أين يكون موقعك في التاريخ.
ثالثاً- بناء الشخصية جسدياً ونفسياً: أجسادنا هي الجياد التي نخوض عليها معاركنا في الحياة، وكي نربح المعارك ينبغي أن تكون جيادنا بأفضل لياقة وكفاءة، ويمكن تكليف السادة المختصين (أطباء، صيادلة، ممرضين) بإعداد خطط صحية، وتعميمها على الجماهير، وينبغي وضع برامج تثقيفية لتحرير شعبنا من ثقافة الهزيمة، إن الشخصية المتّزنة نفسياً هي التي تتعامل مع الأحداث بشكل صائب، كما أن البعد الجمالي مهم جداً، نقصد عشق القيم الإنسانية السامية، قيم النبل والحرية والفداء واحترام الآخر، إضافة إلى الاهتمام بالجمال في المظهر، والمنزل، والقرية، والمدينة، والبيئة عامة.
رابعاً – بناء الشخصية اقتصادياً: إن الفقر كالجهل عاملٌ مدمّر للشخصية جسدياً وفكرياً ونفسياً، وأول ما ينبغي التركيز عليه هو إكساب الجماهير حبّ العمل، ومكافحةُ البطالة والكسل، وتوجيهُ كل فرد إلى ممارسة عمل منتج في حدود قدراته، ومساعدتُه في الحصول على عمل ما، إضافة إلى استثمار الموارد على النحو الأفضل: الراعي في المرعى، والفلاح في الحقل، والتاجر في المتجر، والعامل في المعمل، والمرأة في المنزل، وإكساب الجماهير ثقافة الاقتصاد الرشيد، ومكافحة الهدر والإسراف.
خامساً – بناء الشخصية اجتماعياً وأخلاقياً: ينبغي القيام بحملات توعية وفق خطط مدروسة، تهدف إلى ترسيخ روح التكافل والتضامن في السرّاء والضرّاء، ومن الضروري جداً تشكيل لجان محلية للتعامل مع المشكلات الاجتماعية، وينبغي أن يمتاز أفرادها بالحكمة والخبرة، ومن الضروري أيضاً ترسيخ القيم الأخلاقية الرفيعة (الصدق، الاستقامة، الإخلاص، العفّة، التراحم، إلخ)، ومكافحة الأمراض الاجتماعية، وخاصة عند الجيل الشاب، إن كل إنجاز في مجال القيم سيكون عظيم الأهمية من المنظور الاستراتيجي.
ساستنا المحترمين، أمتنا تعيش حالة استثنائية، إنها صاحبة مشروع تحرّري، وهذا يعني أنه تقع على كواهلكم مهمّات استثنائية، وفي مقدّمتها إعادة بناء الشخصية الكردية القويمة، إن شعباً ينخر الفقر والجهل والتخلف كيانَه، وتطارده ثقافة العبودية، وتنهشه نزعات التهرّب والتخاذل والانتهازية والعمالة والخيانة، وتفترسه مشاريع الصهر والمسخ، لا يمكن أن يكون شعباً مهيَّأً لإنجاز مشروع تحرّري معقَّد كمشروعنا القومي، وبما أنكم- يا ساستنا المحترمين- ندبتم أنفسكم لقيادة الأمة، فدعوني أقل لكم مخلِصاً:
الشعارات والنشرات والبيانات والاجتماعات والتحالفات وحدها غير قادرة على تحقيق النصر في هذه المعركة الشاملة، قال هانس هاينز: ” ينبغي على المرء أن ينطلق من الإنسان قبل كل شيء” (هانس هاينز هولتز: أحاديث مع جورج لوكاتش ص 44)، وهذا ما ينبغي أن نفعله جميعاً، ليكن الإنسان الكردي هو البداية، دعونا نساعده على التحرر من ثقافة الخنوع والتبعية، ونُحيي فيه روح الكردايتي المتوهّجة.
عندئذ يستقيم كل شيء، وعندئذ نربح معركة التحرير.
وإلى اللقاء في الوصية الثامنة.
30 – 7 – 2012