الافتراء على الكرد والتاريخ..!

إبراهيم اليوسف

لا أتصور أن الافتراء على الشعب الكردي في سوريا، قد بلغ يوماً ما ذروته، كما يحدث، الآن، حيث أن هذا الافتراء يعد من النوع محكم الصنع، عالي الفعالية، تدخلت في إعداده، أكثر من جهة، لأغراض مختلفة، حيث النظام الاستبدادي، وبعض الجهات الإقليمية ذات السطوة، بالإضافة إلى القوى الشوفينية، المعادية للكرد، و بعض السذج الذين قد يزعمون أنهم يفيدون الشعب الكردي، من خلال إدعاءات ومزاعم، لارصيد لها، بالرغم من أن أبناءنا كانوا سباقين في  صناعة الثورة، و من أوائل المستجيبين لنداء أطفال درعا، ولايزالون يواصلون انخراطهم في الثورة السورية، حتى النصر، الأكيد، دافعين ضريبة ذلك، أسوة بأخوتهم في المناطق السورية الأخرى، وإن كان لدى العصابة المجرمة جدولها الدموي الذي يبين أنه ينظر إلى كل مواطن ، وكل مدينة، على أنه يجب أن يتم محوهما، من أجل بقاء، واستمرار كرسي حكم هذه العصابة، ورأسها الأول..!
ولعلَّ خريطة المساهمة الكردية في الثورة السورية، بدءاً من منطقة الجزيرة، وكوباني، وعفرين، ومروراً بمناطق التواجد الكردي، وفي مطلعها دمشق وحلب، وليس انتهاء بجبلي الكرد والزاوية، وجسر الشغور، وحماة وغيرها… وغيرها…، تدل بجلاء على أن الكرد فاعلون في الثورة، ورقم مهم فيها، وأن أسماء التنسيقيات الكردية، واكبت أسماء التنسيقيات السورية، مع  أن الكثير من الفضائيات يعتم على المشاركة الكردية، ولايقدمها إلا على نحو ديكوري، مايقلل من أهمية المشاركة الكردية في الثورة، بعكس ماهي على أرض الواقع..؟!.
أجل،ثمة تأجيج من قبل بعض الحاقدين على الكرد، تجسد في  استغلال نقطتين، أولاهما تتعلق بالعلم الكردي، وثانيتهما، تتعلق بالانفصال، حيث أن أوسع المظاهرات الشبابية الكردية، وأولاها، قامت برفع علم الاستقلال إلى جانب العلم الكردي، ما يدلُّ على الهوية القومية لشعب كامل، تقاسمته أربع خرائط مستحدثة، وهو ليس علماً كما أنه لايعني نزوع الكردي إلى الانفصال، غير الوارد، في أدبيات ووثائق أحزابه القومية التي تركز برامجها على اللامركزية السياسية، وقد عقد المجلس الوطني الكردي اجتماعاً عاماً لأعضائه، من أجل توضيح هذه الرؤية، وخلق الأجواء الممكنة لتنظيم الطاقات، وإذا كان من حق أي فريق رياضي، أو سوبر ماركت، أو خمَّارة، في العالم أن يكون لها علمها الخاص، فإن شعباً تعداده أربعون مليون نسمة، يعيش فوق ترابه، من حقه أن يكون له علمه الذي يدلُّ على خصوصيته، وهذا مالايعزز من هيبة العلم الوطني الجامع الذي يدل على انضواء كل السوريين، تحت ظلاله.

ويبدو أن العقل الأحادي الذي لايقبل بالآخر، بل يريد إذابته في بوتقته، سيظلُّ في دوَّامة البحث عن الذرائع الإلغائية، خلال دورته التي تعاكس حركة الحياة والتاريخ…..!
ثمَّة مخطط، ضد الشعب الكردي في سوريا، كما هو مؤكد، يشترك فيه أكثر من طرف: أردوغان، النظام السوري، وبعض الأدوات التابعة لهما، حيث من مصلحة النظام السوري التأكيد-زوراً-على حيادية الشعب الكردي، وسكوته إزاء جرائمه، وهو عارف في قرارته أن من وقف في مواجهة النظام منذ الإجهاز على تنظيم الأخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي، وحتى لحظة انبثاق الثورة، كانوا الكرد،الذين ظهروا على مسرح السياسة السورية منذ مخاضات التأسيس الأولى، لأول حزب كردي في العام   وإن كان ذلك يدخل-في غالبه- في إطارحراك الجزء، من أصل “الكل” لإثبات وجوده، في مواجهة حملات المحو التي ازدادت شراستها تدريجياً، إلى الآن، كما أن دور شباب الكرد، أعظم من أن يخفى أمام العدو والصديق، في آن واحد..!
وطبيعي،أن تظهر مخاوف الكردي في سوريا، وهو يتلقى  تصريحات بعض الغلاة الشوفينيين، المعادين له، سواء أكان في بعض مؤتمرات المعارضة، أو عبر وسائل الإعلام، في مايخصُّ وجوده، مايدفعه للارتياب من مستقبل العلاقة مع شركائه، في المكان السوري، وإن كانت اللافتات التي يرفعها الشباب الكردي تتفهم العلاقة الوطنية، وهي لاتتعدَّى طرح الفيدرالية، ضمن حدود الوطن السوري، مايؤكد حسن طوية وفهم الكردي لقضيته التي طرحها المجلس الوطني السوري، في ظل أفضل صورة ممكنة حتى الآن .
أحد المثقفين السوريين- وهو شاعر كبير- وصديق للشعب الكردي، في أصعب فترة زمنية ممكنة، اتصل بي قائلاً: أنا، وفلان، وفلان- وراح يعدد أسماء بعض الأدباء السوريين الكبار- كما تعلم أننا من أكثر الناس قرباًُ إلى الشعب الكردي، ثم بين جملة المخاوف التي تساور السوريين من أخوتهم الكرد، وفي مطلعها استقدام البيشمركة، ولم يخف أنهم من بينهم، و أنه ليس وقت ذلك الآن-بحسب رأيه-وهذا مايدلُّ على أن هناك حالة فزع كبيرة أوجدها النظام، من خلال بثِّ الأكاذيب، والاعتماد على بعض البيادق المأجورة من الشبيِّحة التي تخدم العصابة الحاكمة، من خلال سلوكياتها المكشوفة.
لقد أخذ زعم استقدام “بيشمركة” الإقليم، إلى سوريا، حيزاً كبيراً من اللغط، مع أن حقيقة ذلك، هوأن من تم الحديث عن استقدامهم، هم جنود كرد انشقوا عن الجيش السوري، وحاولوا العودة إلى أهاليهم، للإسهام في حمايتهم، كما تم عودة أخوتهم الجنود المنشقين، من باقي المحافظات السورية، إلى وطنهم، بعد انشقاقهم، دون أن يعترض أحد على عودتهم..
كما أن أحد البرامج الحية التي قدمتها إحدى الفضائيات العربية الكبيرة، من خلال مراسلها الذي دخل إلى المناطق الكردية، وقدم الواقع، بطريقة مختلفة، كما بينت الوقائع، لاحقاً، أثار حفيظة كثيرين، وكان ينبغي على معدِّه، وأنا أحترمه جداً، النظر إلى الأمر بعين كرد سوريا مراعياً خصوصية معادلة علاقة الكردي، بأهله، ومن حوله، على حد سواء..!
ولعلَّ ماهو أكثر خطورة، هو إيصال هؤلاء رسائل متعدِّدة الاتجاهات ضد الكرد، منها ما هو موجه إلى شركاء المكان في المناطق الكردية، ببعض الحاقدين من بينهم للتعكز على ذلك، من خلال طلب” التسليح” ضد الكرد، بل وظهور وجوه جديدة، لاشأن لها خارج غطاء الثورة، باتت تترجم تهديد أردوغان، ضدَّ كرد سوريا، دون أي خجل أو حياء، كما هو حال السيد رياض الأسعد الذي أحببناه، كخليفة افتراضي للبطل المقدم حسين هرموش، إلا أنه ظهر اليوم ليهدِّد الشعب الكردي بإعلان الحرب عليه، دون أن تكون بين يديه بيِّنة فعلية-ضد الكرد خارج ما هو مملى عليه- بيد أنه، وكما يبدو أصرَّ على أن يقدم نفسه، كأسير أردوغاني، لا شأن له، أمي في السياسة، وفي الوطنية، على حد سواء، مادام أنه يجهل خصوصية الشعب الكردي، وهوما لم يجرؤ المجرم بشار الأسد، وكل أجهزة قمعه، على قوله،علناً، في يوم ما، بالرغم من أنهم كانوا يترجمون، تلك الحرب، عملياً..!.


إن السيد رياض الأسعد، لايعلم، أن أردوغان نفسه الذي هدَّد بالتوغل إلى الأراضي السورية، لمحاربة كرد سوريا، تحت حجج وذرائع لاعلاقة له بها، ، غير قادرالبتة، أن يواجه الأعلام الكردية في تركيا اليوم، وإن الشعب السوري لايصدق أية وعود منه، بعد أن خذل السوريين، كماسواه، ويعد-في الأصل-أحد داعمي سياسات الأسد، ضد الشعب الكردي، من جهة، وضد الشعب السوري،كله، من جهة أخرى، والأنكى من ذلك، هوأن تدخل أردوغان في الشأن السوري، خارج بوابة مساندة الثورة وإسقاط النظام، سيؤدي إلى مالايحمد عقباه، في تركيا، باعتبار، أن هناك أكثرمن ثلاثين مليون كردي في تركيا، وإن وضع الشعب الكردي في تركيا الأكثر حساسية، كردستانياً،إلى جانب كردستان الشرقية، كما أن السيد أسعد بتصريحه اللامسؤول، يسيء إلى صورة الجيش الحر الذي يحوز على احترام كبير، لدى الشعب الكردي في سوريا.
إن من يريد الدخول إلى عتبة سوريا الجديدة، والمرحلة الجديدة، بأدوات فشل النظام نفسه، في استخدامها ضد الكرد، فإنه جاهل بقانون حتمية التاريخ، وغير عارف أن القوى المعادية للكرد،سواء أرضيت، أم لا، فإن الشعب الكردي في سوريا،لابدَّ أنه مقبل على  الإسهام في صناعة مستقبل يضمن له حقوقه، كما يرتئيها، وبالتنسيق مع حركته السياسية التي لا حل ولاحبل تعتصم بهما، غير وحدتها التي وضعت أسسها الأولى، تحت رعاية الرئيس مسعود البارزاني، وإن أي خلل في هذا، من قبل أحد الأطراف،نزولاً عند السلوكية الأنوية، الاستعلائية، الواقعية، أو الافتراضية، إنما ليؤدي إلى”غرق المركبة الكردية”، باعتبار أننا الآن أمام خياري” الوجود، أو اللاوجود، وليس من خيار ثالث غيرهما، أمامنا، في المديين القريب، أو البعيد على الإطلاق…!
elyousef@gmail.com 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…