وثيقة هولير.. بين المكتوب والمطلوب

  ‏Bavê Rodî

   على الرغم من كافة الجهود الدبلوماسية الخيِِّرة والمشكورة التي بُذِلت من قبل جميع الأطراف وخاصة رئاسة إقليم كردستان باحتضانها لجولات النقاش الماراتونية التي تكللت بالتوقيع في نهاية الأمر على وثيقة العهد الوطني الكردي أو العقد السياسي الكردي (إذا ما جاز لي التعبير بذلك)، وبعد مضي المهلة المخصصة في اتفاقية هولير التاريخية والمحددة بخمس عشرة يوماً للبدء بتنفيذ مضمون الوثيقة وبنودها، نجد أن كل التطورات والنشاطات على الأرض تصب في اتجاه تأزم الوضع الكردي المأزوم أصلاً في ظل تعنت بعض الفصائل والأشخاص والتيارات من كلا الطرفين ومحاولتها جر البساط نحوها دون الاكتراث برغبات ونداءات الجماهير الكردية الثائرة والتي يُفترض أنه يمثلها سياسياً.
   فمنذ أن تم التوقيع على وثيقة هولير التحضيرية الأولى في الحادي عشر من حزيران الماضي استبشر الناس خيراً، كيف لا وقد اختصرت بنودها كافة تطلعات وآمال الشارع الكردي بمختلف توجهاته وانتماءاته.

ثم ما لبث أن تم التوقيع عليها والموافقة على نقاطها وبنودها بعد شهر فقط من إعلان الوثيقة التحضيرية وذلك برعاية كريمة من الكاك مسعود شخصياً.

بنودٌ كان بإمكانها- لو نُفِذت على الأرض بالشكل المطلوب- أن تكون فاتحة لبدء العمل الكردي- الكردي المُشترك والحقيقي بعيداً عن الدعوات الجوفاء والعبارات المُنمقة للتيارات الحزبية المتنوعة الحريصة على وحدة الصف والخطاب السياسي الكردي في سوريا.

إلا أن ذلك -وللأسف الشديد جداً – لم يحصل، وسنحاول من خلال السطور القادمة سرد أهم بنود وثيقة هولير وأكثرها حساسية ومدى التزام كلا المجلسين بتنفيذها بعد مرور أكثر من خمس عشرة يوماً على توقيعها واعتمادها في عاصمة إقليم كردستان.

أولاً). وقبل كل شيء التلكؤ الحاصل من قبل كلا المجلسين في عقد اجتماع تمهيدي، مشترك موسع وسريع لممثلي الطرفين في الداخل السوري، لما لهذا اللقاء من أهمية استثنائية على صعيد تجاوز حالات الخلاف ووضع اللبنة الأولى على طريق العمل الوحدوي الكردي الحقيقي في سوريا المستقبل.
ثانياً). العمل على إلغاء المظاهر المسلحة والمتمثلة بلجان الحماية الشعبية (Hêzên  Parastina Gel) وتشكيل لجان حماية مشتركة غير مسلحة، وهذا ما لم يتم تنفيذه حتى ساعة إعداد هذا التقرير، على الرغم من حساسية هذا البند وأهميته القصوى على صعيد مبادرة حسن النوايا من جهة، بالإضافة إلى عدم الإنجرار نحو تسليح الثورة في المناطق الكردية في وقتنا الحاضر من جهة أخرى.
 ثالثاً). تشكيل ثلاث لجان متخصصة مشتركة منبثقة عن الهيئة الكردية العليا مهمتها تولي كافة المهام في المناطق الكردية حسب اختصاص كل لجنة وعلى رأس تلك المهام متابعة العمل الميداني وتوحيده في تظاهرة واحدة في كافة المدن والبلدات، وهذا أيضا لم ينفذ حتى اللحظة، حيث لا تزال مظاهرات أنصار مجلس الشعب لغربي كردستان محافظة على استقلاليتها وخصوصية شعاراتها وأعلامها، وعلى الضفة الأخرى لا تزال مظاهرات المجلس الوطني الكردي محافظة على انقسامها وتشتتها المفضوح خصوصا في عامودا و قامشلو.

على الرغم من دعوة الهيئة الكردية العليا في بيانها الأول جماهير الشعب الكردي للخروج في مظاهرة مشتركة في كافة المدن والمناطق الكردية يوم الأحد القادم لدعم الهيئة ومباركتها.
رابعاً). العمل على إلغاء كافة الحملات الإعلامية بين المجلسين، وهذا أيضا لم يتم تلافيه بالشكل المطلوب على الرغم من التركيز على أهمية هذا البند في كلا الوثيقتين التمهيدية والختامية لاجتماع هولير.


خامساً). إلغاء محاكم الصلح التابعة لمجلس غربي كردستان وتشكيل محاكم مشتركة منبثقة عن الهيئة الكردية العليا، لما في ذلك من استحقاق تاريخي يخضع له كرد سوريا لأول مرة منذ عقود طويلة في اختبار قدرتهم على إدارة شؤونهم القانونية والأمنية تمهيداً لصيغة حكم مستقلة ( إدارياً أو سياسياً ) في المستقبل، وذلك باعتباره مطلب حق مشروع للشعب الكردي في سوريا.

إلا أننا نجد هذا البند أيضاً -وللأسف- يصطدم بحائط الروتين والتباطؤ الإداري في آلية وسرعة تنفيذ القرار والناجمين عن الأسلوب الكلاسيكي الذي عجزت الحركة السياسية الكردية في سوريا على اختلاف تياراتها أن تتجاوزه لكي يكون بإمكانها على مواكبة المرحلة والتسارع الحاصل في الأحداث قولاً وفعلاً.
سادساً). و هنا أخيراً أود أن أعرج على الأحداث الأخيرة التي أدت إلى بدء لجان الحماية الشعبية استلام زمام الأمور من السلطات الأمنية السورية في المدن والمناطق الكردية بدلاً من وقوعها بيد متطرفي الجيش الحر، إلا أن ذلك يتم دون الاكتراث أو الأخذ بعين الاعتبار البند الذي يؤكد على مناصفة العمل بكافة صوره بين كلا الطرفين.

وهذا من شأنه أن يؤدي إلى وأد تجربتنا الوحدوية الوليدة من خلال زيادة الشرخ وتوسيع الهوة بين المجلسين بعد أن أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من وضع حجر الأساس لبناء وحدوي كردي راسخ لا يلين.


   أخيراً أود التأكيد على أنه لم يعد خافياً على أحد أن إطالة أمد الأزمة السورية يخدم القضية الكردية والشعب الكردي في سوريا في المقام الأول، ذلك أن الوقت يسهم بشكل فعال في إنضاج التجربة والخبرة السياسية لكافة قوى المعارضة الكردية التي استطاعت عبر ظروف الثورة أن تقف على قدميها وتستفيد من أخطائها وتتلافها شيئاً فشيئاً، وأن تنمي إيجابياتها وتعززها وتصل بمجملها إلى توافقات وصيغ وحدوية جادة تلبي طموح الشارع الثائر على الظلم والاستبداد، لذا أجد أن وثيقة هولير وبنودها السبعة تمثل خلاصة مطالب اسعافية عاجلة ومحقة للشعب الكردي المنتفض في سوريا، ينبغي على إثرها تضافر كافة الجهود لمتابعة تنفيذها بجدية وحزم وبحس عال من المسؤولية التاريخية من كل الأطراف، والبناء عليها ورفدها بالمزيد من النقاط المفصلية والرتوش والتفاصيل الهامة التي ستجعل من لوحة البيت الكردي المستقبلية خير دليل على قدرة شعب كان..

ومازال..

وسيبقى صانع التاريخ والأمجاد والمعجزات.


 
*ناشط يساري معارض.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…