شرف علي
منذ اندلاع الثورة السورية لما يزيد عن الخمسة عشر شهرا والموقف الروسي يأتي على الدوام بالضد من طموحات الشعب السوري وأهدافه المشروعة في العيش بحرية وكرامة ، حيث اتخذ منحى الدعم والتأييد المطلق للنظام والمبارك في كل ما يقترفه من جرائم ضد الانسانية بالأسلحة والعتاد الروسي .
فعندما كانت الثورة في بداياتها وتتعاظم بشعاراتها السلمية والتظاهرات المطالبة بالحرية والكرامة ،وكان النظام يواجهها بالرصاص الحي والغازات الخانقة ولا يكاد يمر يوم إلا ويسقط المئات من القتلى والجرحى هذا ناهيك عن آلاف المعتقلين والمهجرين من الأطفال والنساء والعزل من المدنيين, كان الروس يطالبون الشعب السوري بالكف عن الإحتجاجات والجلوس في أحضان النظام ، متبنيا موقف النظام من الأزمة بكون الإحتجاجات الجماهيرية ليست سوى أعمال تخريبية لعصابات تتحرك بإرادة خارجية.
وتتالت المحاولات الدولية الإقليمية منها والعربية والأممية لردع عدوان النظام عن الشعب السوري لكن جميعها كانت تصطدم بالموقف الروسي ومعه الصيني في أروقة الأمم المتحدة وجميع المؤتمرات المتعلقة بالشأن السوري ، لا بل الأكثر من ذلك كانت على الدوام تمد النظام بالأسلحة والمعدات الخاصة بحروب المدن وقمع الاحتجاجات , وها هي اليوم تبدوا أكثر تشددا تجاه الثورة السورية من النظام نفسه لدرجة بات يبدو فيها لافروف وكأنه المتحدث باسم النظام ضاربا عرض الحائط كل النداءات الدولية والإنسانية للحكومة الروسية ,لإعادة النظر في موقفها تجاه جرائم النظام السوري بحق أبناء سوريا المطالبين بالحرية والكرامة التي أهدرها النظام على مدى ما يزيد على الأربعة عقود .
اليوم ورغم ما وصلت إليه الثورة السورية من مراحل متقدمة باتجاه النصر وإسقاط النظام لا تزال الغطرسة الروسية ومعها الصين وإيران مستمرة تجاه الشعب السوري وثورته ضد أفظع دكتاتورية يشهدها التاريخ لما يقدم عليه من مجازر بحق الإنسانية , وما الدعوة اروسية إلى تأجيل التصويت الأممي على قرار بشأن سوريا إلا تأكيد على تشبثها بالنظام القمعي القائم ورفضها لأي مساع دولية من شأنها الضغط على النظام للقبول بمطالب الشعب السوري ,رغم المؤشرات الواضحة على تفكك النظام وانهيار الدائرة الضيقة المحيطة به وخروج الوضع من تحت سيطرته , لا سيما في أعقاب ما أطلق عليه بركان دمشق و دخول كافة أحياء العاصمة السورية على خط المواجهة مع النظام , والتزايد المضطرد لأعداد المنشقين عن الجيش النظامي بكامل عتادهم, وبمستوى الضباط القادة الأمر الذي أوقع النظام في حالة إرباك شديدة تجاه المستجدات المتسارعة , التي دفع به إلى التحول بإتجاة الحلقة المقربة منه , وما وقع في مقر الأمن القومي إلا بوادر محاولات تضييق تلك الحلقة وبمباركة روسية واضحة للتخلص من كبار القادة العسكريين والأمنيين ممن لم يضمن ولائهم بالكامل للنظام ,واستغلال مقتل البعض الآخر في اقحام جهات اخرى إلى جانبه.قد تساعده في تمرير مشروعه وتأجيج الحرب الطائفية غير المعلنة التي تهدد المنطقة برمتها .
خاصة ما ظهر لاحقا من دلائل تتعلق بالعملية سواء من حيث التغطية الاعلامية المحلية لها مقارنة بما كان يحصل من مثيلاتها في دمشق وبقية المدن السورية , أو من حيث الرموز الناجين من العملية ممن يعتبرون مستهدفين قبل أولئك الذين قضوا فيها .
إزاء كل ما بات مقروءا في اللوحة السورية لا تزال روسيا بعيدة من اخذ العبرة من الملاحم التي يسطرها أبناء سوريا , وتراهن على نظام الذي بات يفقد زمام السيطرة على الوضع رغم كل ما ارتكبه من المجازر والقمع والتهجير , ولا تزال تطرح مشاريع منح المهل للنظام واللهاث وراء خطة عنان التي باتت مفقودة الصلاحية في المرحلة الحالية من الثورة والتصدي لإرادة المجتمع الدولي الداعية الى فرض العقوبات على النظام تحت الفصل السابع, لتتوج الموقف المناهض لتطلعات الشعب السوري والمؤيد للنظام باستخدام حق النقض / الفيتو في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الدولي لمنع تمرير القرار الدولي المتعلق بسوريا ، والذي يعتبر الثالث من نوعه منذ انطلاقة الثورة السورية ضد النظام قبل حوالي السبعة عشر شهر بما يؤكد استراتجيتها المناهضة لحرية الشعوب وتطلعاتها , دون أن تعتبر جرائها مما لاقته من ضربات وانتكاسات في أكثر من منطقة حول العالم خلال السنوات الماضية .ولا بد أن تكون الضربة الأخيرة على يد الشعب السوري الذي تجاوز بإرادته الفولاذية كل اعتبارات الفيتو الروسي والصيني مهما كانت عدد مرات استخدامه .