بافي زين
من المعلوم للجميع أن الكرد شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية منذ الأزل ويمتلك معظم المقومات التي تؤهله لذلك من وحدة للأرض واللغة والجغرافيا والتاريخ المشترك والمصيرالواحد00 ولقضيته القومية خاصية استثنائية في البلاد كونها قضية شعب محروم من أبسط حقوقه القومية والإنسانية الذي أقرته المواثيق والعهود الدولية0
انطلاقا من هذه الحقيقة أزعم بأن السيد ( عبد الحميد درويش ) رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا كان قاسياً في حكمه عندما أبعد القضية عن مفهومها القومي، وأقحمها بين ثنايا القضايا العامة في البلاد حيث قال في مقالٍ له بعنوان (كلمة حول القضية الكردية في سوريا) والتي نشرته بعض المواقع الكردية الإلكترونية ( القضية الكردية قضية وطنية يجب حلها في إطار حل القضايا العامة في البلاد ) .
وهنا أريد القول: بأن قضيتنا لها خصوصيتها وتمايزها ، كونها قضية قومية بامتياز يجب أن تُفرَد لها مساحة خاصة ، لإيجاد حل منصف لها في إطار وحدة البلاد أولاً ، ثم البحث الجاد عن حلول مناسبة لمشاكل البلاد فيما بعد ، فالخلط بين القضايا الوطنية والقضية القومية ووضعهما في مستوى واحد من حيث الثقل والأهمية هي استخفاف بها وتمييع لها، والتفاتة غير موفقة و مريبة في جوهرها، صحيح أن القضية القومية جزء لا يتجزأ من القضايا العامة في البلاد ، ولكن من الخطأ جمعهما في ميزان واحد من حيث الاهتمام وضرورة حلّها لأنها ضرورة قومية وديمقراطية لا تقبل التأجيل،بينما القضايا العامة – التي لم يفصح الكاتب عن ذكرها – تتجدّد وفق جدلية العلاقة بين التاريخ والمجتمع .
ثم يؤكد السيد عبدالحميد درويش ( أن الاضطهاد القومي والاجتماعي يهيئ أرضية لنمو الأفكار والمفاهيم المتطرفة والمغامرة ) لقد أصاب الأستاذ عبد الحميد كبد الحقيقة في هذه المرة وأنا مؤمن ومتفق معه تماما لأنها مقولة علمية لا تقبل التأويل والتفسير .
إن الاضطهاد القومي والقمع السياسي وإلغاء الآخر قومياً وإنسانياً يعدُّ عملاً سياسياً عنصرياً ، وهذا الأمر فعل منظّم ومبرمج ، وهذا ما تفعله الحكومات المتعاقبة على دست السلطة في سوريا ، وهذا الفعل ، سيَنتجُ عنه ردُّ فعلٍ لدى أبناء الشعب الكردي – وقد يكون ذلك الرّدّ موزوناً ، ومدروساً وواقعياً، وقد يكون متطرفاً في اتجاهين متعاكسين ( اليميني المساوم أو اليساري المغامر ) .
الأول : يهدف إلى تفريغ القضية من محتواها القومي واعتبارها من القضايا الوطنية العامة في البلاد يتم حلها في إطار حقوق الأقليات في سوريا (كالشركس والأرمن ) والتي لا تتجاوز في مفهومها حقوق المواطنة لا أدري أين يكمن موقع الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يرأسه الأستاذ عبدالحميد درويش من هذا الاتجاه ؟! ولكن تحالف حزبه مع قوى وأحزاب وشخصيات ( اعلان دمشق ) لم تتجاوزوا هذا المفهوم أقصد (مفهوم المواطنة) .
ثانيهما:رفع شعارات ثورية مغامرة قد تضرّ بالقضية مع تجاهل أو تناسي الظروف الذاتية والموضوعية ( كالمطالبة بانفصال الشعب الكردي عن الدولة السورية وإقامة دولته المستقلة ، أو ممارسة العنف المسلح في سوريا) ، أعتقد أن أحداً في الحركة الكردية لم يصل به الأمر إلى هذا المستوى من الغلو و التطرف .
لقد وقع الأستاذ درويش في جملة من التناقضات الصارخة ، وكأنه يبرّر الاضطهاد القومي بحق الكرد على يد الأوساط الشوفينية بأنّه نتيجة للانفعال وردات الفعل الكردي اللذين يوفران ذرائع لها للقيام بمزيد من البطش والتنكيل القومي حسب رؤية السيد درويش حين قال :
( واجه حزبنا أنواع من القمع والتنكيل والحؤول بينه وبين تحقيق أهدافه منذ عام 1957) والسؤال المطروح هنا والذي يبدو التناقض صارخاً فيه هل كان حزبه متطرفا ومغامرًا عندما لاقى كل صنوف القمع والتنكيل والحؤول بينه وبين تحقيق أهدافه في ذلك الزمن،حسب زعمه ؟ أم أن طبيعة الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم لا تعترف بوجود الشعب الكردي في سوريا في كل الظروف والمناخات ؟ ثم كيف واجه حزبه هذا القمع والتنكيل خلال تاريخه الطويل ؟! وهل التنازل عن مبدأ الحق القومي للكرد وقضيته العادلة( قضية أرض وشعب )تندرج تحت يافطة الموضوعية والعقلانية والاتزان السياسي؟!
يعلم القاصي والداني أن الحزب الديمقراطي التقدمي قد رأى النور في /1965/ إثر خلافات حادة بين قيادات الحزب ومن خلال حديثه يشير بأن الحزب المذكور أُسِّسَ في /1957/ وهذا خطأ فادح ، ففي ذلك التاريخ تم تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا بقيادة المرحومين المناضلين نورالدين ظاظا وعثمان صبري ،وأصبح فيما بعد السيد عبد الحميد درويش من أحد أعضائه القياديين وفي عام /1960/ اعتقل وعذب وسجن معظم قيادات الحزب المذكور وأظن أن السيد درويش لم يكن من بين المعتقلين أنذاك ، أكان حزبه وفق تحليله لأسباب التنكيل متطرفا حتى قامت السلطات باعتقالهم وسجنهم ، أم التنكيل والاعتقال من طبيعة الأنظمة المستبدة ؟!
ويضيف السيد عبدالحميد درويش : ( إن الأوساط الشعبية أصبحت تتقبل هذه السياسة وتتسع دائرة تفهمها يوما بعد يوم ولم يعد من السهل انجرار الجماهير الكردية إلى مزالق التطرف والمغامرة التي كانت وما زالت تشكل وبالاً على الشعب الكردي وقضيته العادلة ) إذا كان ذلك صحيحا فمَنْ الذي أخرج الآلاف من أبناء وبنات الشعب الكردي في المسيرات الاحتجاجية على مقتل الشيخ الشهيد محمد معشوق لخزنوي بقيادة (آزادي ،يكيتي ،التيار المستقبل ) وتوّج في 5/6/2005 وبمشاركة عارمة من الجماهير الكردية التي وصلت تعدادها إلى ما يقارب أربعين ألفاً ولإيصال رسالة إلى مؤتمر (حزب البعث) عشية انعقاده في دمشق ، فهل يستطيع هذا الحزب بسياساته الحريرية و المخملية أن يُخرِجَ المئات إلى الشارع؟
أعتقد أن الحركة الكردية في سوريا تتمحور في ثلاث اتجاهات كما يبدو من المواقف السياسية حتى الآن ، أولهما : الاتجاه اليميني المساوم ، الذي يبحث عن حلول جزئية ، ومطالب ثانوية وهامشية لا تتعدى حقوق المواطنة ، ومفهوم الأقلية ؛ وتضيق دائرة هذا الاتجاه جماهيرياً يوماً بعد آخر .
أما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه الواقعي والعقلاني – من وجهة نظري – التي استطاع أن يشخص الحقوق القومية بدقة على اعتبارها قضية أرض وشعب ، وتناضل بالطرق السلمية – بعيداً عن العنف – عبر مسيرات وتجمعات سلمية حضارية ، لانتزاع الحقوق المسلوبة .
والاتجاه الثالث في الحركة الكردية ، لم تتبلور ملامحه السياسية بعد ، فهو يترنح بشكل غير ثابت بين الاتجاهين المذكورين ، و يتخندق حسب ما تقتضيه مصالحه الآنية .
ويستنتج المرء من خلال قراءة سياسية لواقع الحركة الكردية في سوريا منذ نشأتها وحتى الآن ، غياب التيار المغامر والمتطرف – حسب مصطلح السيد عبدالحميد درويش – عن الساحة الكردية في سوريا ،ومن خلال إجراء أي بحث أو دراسة متأنية لوثائق وبرامج جميع الفصائل الكردية في سوريا سنصل إلى حقيقة مفادها، هي أن جميع الفصائل السياسية الكردية – من التيارات الثلاث – لم تتبنى بعد في برامجها ووثائقها رؤية واضحة ومتكاملة للحقوق القومية والديمقراطية المشروعة ، كما تكفُّل لها العهود والمواثيق الدولية ، بل أن جميع تلك الفصائل تطالب بحد أدنى من حقوقه القومية ، وتنادي ليل نهار( بالإخوّة العربية الكردية ) وبالتعايش السلمي بين الشعبين العربي والكردي وسائر الأقليات العرقية والفئات المتواجدة ضمن إطار الدولة السورية الواحدة بعيداً عن العنف والإكراه والإقصاء0