مدد يا جيشنا السوري الحر..مدد

  جان دوست

إحالة جديدة إلى  موضوع قديم

لقد بينت في كثير من المقالات موقفي من الجيش السوري الحر الذي يقارع وحشية نظام البعث الشوفيني والمافيا العائلية وقلت تكراراً ومراراً إن هذا الجيش الذي يسمي كتائبَه وسراياه بأسماء إسلامية سنية يوجه رسائل مفادها أن اللون الواحد سيظل طاغياً في سوريا المستقبل بعد سقوط نظام اللون الواحد..أي أن الأفق ينذر بالرماد ولا يبشر بقوس قزح الذي يأمله السوريون جميعاً حيث تتآلف الأطياف والألوان في هارموني وطني جميل..

لست ضد الجيش الحر في المجمل بل يفرحني كلما انشق جندي عن آلة القتل المسماة بالجيش العربي السوري، ولا يسعني إلا أن أبارك أولئك الجنود والضباط الوطنيين الذي دفعتهم غيرتهم الوطنية وأثارتهم جرائم النظام البربرية وقادهم شرفهم العسكري للانشقاق وتشكيل ألوية وكتائب مهمتها “المعلنة على الأقل” حماية المدنيين من بطش السفاحين.
لكنني أعود فأقول  إن هذا الجيش لا يمثل أطياف الشعب السوري كافة وتطغى عليه النزعة الدينية المتطرفة التي يغذيها شيوخ دين موتورون لا يرون في الحراك الشعبي السوري ولا في الثورة السورية بشقها المسلح سوى معركة فاصلة بين الحق والباطل، بين الله والشيطان، بين “هدي النبوة” الذي يمثله أهل السنة، وبين الهرطقة الدينية والكفر الذي يمثله بزعمهم “النصيريون”.

وللأسف الشديد فهناك قطاع واسع من الشعب السوري أذعن لهذا التفسير العقائدي لثورة الشعب السوري  حيث تجلى ذلك في تشكيلات الجيش السوري الحر..
لكن كل ما تقدم لا ينبغي أن يدفعنا إلى معاداة الجيش الحر جهاراً نهاراً ، من حقنا انتقاده وتقييم سلوكه (الذي لا يمكن إخفاؤه والتستر عليه أصلاً بدليل بيانات المنظمات الدولية التي تدين انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان) ولكن ليس مطلوباً منا محاربته حيث سيكون المستفيد الأول والأخير هو النظام المجرم.

الله محيي الجيش الحر.

لماذا؟؟؟؟
لم يكن هذا الشعار ليتم رفعه في مظاهرات شبابنا الكرد لولا أن الأمور في المنطقة الكردية تطورت في اتجاه يعاكس الحراك الثوري السلمي.

فالمعلوم أن محاولة جهة معينة احتكار السلاح، وحصر الحقيقة المطلقة في حضنها، وادعاء العداء للترك فيما يشبه حالة الممانعة الخلبية لدى حلف(نجاد-بشار-حسن) وإزاحة كل طرف آخر والتشكيك بوطنيته، دفع بالناس إلى التململ من تصرفات تلك الجهة التي وصلت في بعض المناطق حدا لا يطاق..فلقد أقيمت حواجز هدفها الظاهري حماية الناس وحماية ممتلكاتهم لكن التقارير التي تصل يومياً تقول إن هذه الحواجز لم يتم نصبها إلا لإرهاب الجماهير وبسط سيطرة الآبوجيين على المنطقة الكردية وحتى أن هناك من يدعي أن هذه الحواجز هي لحماية ظهر النظام!  ولقد أقيمت محاكم صورية قراقوشية في المدن الكردية وربطت النساء إلى الأعمدة في الشوارع في سابقة خطيرة لم يعتذر عنها مرتكبوها ..وتمت جباية ضرائب  أو استعادة أموال”الحزب!!” عبر القتل والتهديد وكلنا نتذكر الحادثة المؤسفة التي راح ضحيتها كل من القيادي خبات ديريك وثلاثة من آل برو في القامشلي..والحادثة الأخيرة التي تمثلت في مقتل جكدار وهو قيادي آبوجي كان ناشطاً في منطقة عفرين حيث قتل في “معركة” بين قوة آبوجية ومدنيين من عفرين من بيت شيخ نعسان الذين خسروا أيضاً اثنين أو أكثر من الضحايا.

لا استدعاء ولا استعداء
إن اليأس والخوف والجهل قد يدفع بالناس إلى طلب النجدة حتى من الشيطان..وكلنا على علم بقصة العراق أمس وسورية اليوم حيث دفع ظلم البعثيين وتجاوزاتهم المريعة الشعب العراقي إلا إبداء لامبالاة بالتدخل الأمريكي وأيضاً مطالبة الكثير من الشعب السوري بالتدخل العسكري لإنقاذه من نظام الشبيحة..في منطقتنا الكردية وحينما يحاصر الناس في بيوتهم وقراهم وتطبق عليهم أحكام شاذة من قانون العقوبات الآبوجي..سنسمع هذه الأصوات النشاز الداعية إلى تدخل الجيش السوري الحر وربما تتسع الظاهرة فتصبح(بعد تدخلات استخبارية) مطلباً جماهيرياً..ومن يدري؟ فقد يطالب بعض المعتوهين بتدخل قوات الجيش التركي أيضاً.

لذلك يجب علينا أن ننبه إلى ضرورة ترك الناس تتظاهر بحرية..وعدم التضييق عليهم في حرياتهم الشخصية (كشرب الخمر مثلاً) وعدم المساس بكرامتهم وعدم استعداء العشائر الكردية التي لا يفكر بعض أفرادها إلا بفوهة الرشاش والحمية الجاهلية..إن هذه الممارسات القمعية ستؤدي إلى نتائج كارثية أولها استقدام الجيش الحر إلى المنطقة الكردية والاستقواء بالغريب(ولنا في أحداث الاقتتال المؤسفة في كردستان العراق شر دليل على إمكانية حدوث ذلك)..وأسميها كارثية لأن ذلك لن يكون أفضل من قدوم عياض بن غنم وغيره أيام الغزو العربي الإسلامي لمنطقة الجزيرة وكردستان..نحن في المنطقة الكردية لسنا بحاجة لا لجيش حر ولا مر ولا حاجة بنا لاحتكار السلاح في يد تنظيم وحيد..فلذلك مخاطر عديدة أهمها فرض الهيمنة الحزبية ذات اللون الواحد وتهميش الآخرين وإقصاؤهم بالقوة والعنف وهو ما لا يمكن القبول به تحت أي ظرف ومُدعى ويزيد من حالة الاحتقان الرهيبة..ولقد كان لي اقتراح بتشكيل جيش كردي حر من كافة شباب الوطن الذين يمثلون كل الحركة السياسية الكردية في سورية..حيث يمكن لهذا الجيش الكردي الحر  أن يعتبر نفسه جزءاً مكملاً للجيش السوري الحر مهمته حماية المدنيين في المناطق الكردية سواء كانوا عرباً أم كرداً، تركماناً أم أرمن وآشوريين..إذاً لا استدعاء للجيش السوري الحر  ولا استعداء..فالمعركة كما سبق وقلت ليست ضد الجيش الحر بل هي ضد النظام..وعليه فإن المأمول من شبابنا الكردي في المظاهرات أن ينأوا بأنفسهم عن الهتاف للجيش السوري الحر وترك هذه النقطة الحساسة وعدم إثارتها لأن الجيش الحر لن يكون المنقذ لنا لو تدهورت الأمور بيننا وبين إخوتنا..كما أننا لا نريد حرباً بيننا وبين عناصر الجيش السوري الحر..وعلينا جميعاً أن نفهم أخيراً أن تجاوزات وظلم ذوي القربى لا يجب أن تدفعنا إلى ارتكاب أخطاء قد نندم عليها بعد فوات الأوان.

أيها الغريق: احذر القشة
أنا لست ضد من يهتف قائلاً: الله محيي الجيش الحر بقدر ما أنا ضد من يدفع الناس  بتصرفاته الطائشة إلى ذلك الهتاف.

فالغريق يتعلق بقشة..

و الجيش السوري الحر قد يصبح -بل وأصبح للأسف- تلك القشة التي يتعلق بها الغرقى الكرد في عفرين وكوباني  وغيرها من مدننا الكردية الممنوعة من الانتفاض.

نعم الغريق يتعلق بقشة ولكن حذار يا قوم، فالقشة نفسها قد تقصم ظهر البعير.

ألا هل بلغت!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…