لا بد من حل لأزمة البلاد !

  افتتاحية جريدة آزادي
رئيس التحرير

مضى على الأزمة السورية حوالي ستة عشر شهرا ، وهي تزداد تفاقما ويزداد معها نزيف الدم السوري ، ومعاناة أبناء مجتمعه تتضاعف يوما بعد آخر ، وحتى وضع الأطراف والشخصيات المحسوبة على نظام الاستبداد ليس بأفضل حال من سواها مما يعني أن المجتمع السوري بأسره متعطش لحلول جذرية تنهي سطوة الاستبداد وعنجهيته وتسقط نظام الحزب الواحد برموزه وتعيد بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية بما يخدم أمن الوطن والمواطنين ويحمي حدود البلاد وسيادتها ..

وفي سياق البحث عن الحل لهذه الأزمة المستعصية أبرز المشهد السياسي في الآونة الأخيرة الجهود والمساعي المكثفة دوليا وإقليميا وعربيا ، تخللتها اللقاءات والمحافل المتواصلة على مختلف الأصعدة والمستويات مع طرح الخطط والمشاريع المستجدة لمعالجة هذه الأزمة ، وآخرها خطة مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي أنان التي وإن فقدت نسبيا من أهميتها بسبب عدم استجابة النظام السوري لها وغياب عوامل الالزام أو الالتزام بها ، فهي ما تزال تتداول عبر اهتمامات المجتمع الدولي سواء في أروقة الأمم المتحدة أو في المباحثات والحوارات التي تتناول مناقشة مستجدات هذه الأزمة وعوامل اشتدادها ، ولعل لقاء جنيف الأخير في سويسرا بتاريخ 30 / 6 / 2012 بين وزراء خارجية دول دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول أخرى ذات الشأن في هذه الأزمة ( دول مجموعة الاتصال بالشأن السوري) هو أبرزها وأكثرها أهمية ، ورغم كل تلك الجهود والمساعي ما تزال الأزمة السورية في استفحال مستمر ، وحدّة متزايدة منقطعة النظير تلقي بظلالها وتبعاتها أعباء إضافية إلى كاهل الدبلوماسية الدولية والإقليمية والعربية ، وهي تودي بشكل جلي إلى تعرض المجتمع السوري للمزيد من الويلات اليومية زهقا للأرواح وتشريدا أو قمعا أو اعتقالا للأنفس ودمارا للمنازل والبيوت والمحال وهدرا للأموال والممتلكات وانتهاكا للأعراض والحرمات ..كان ينبغي لاجتماع ( دول مجموعة الاتصال بالشأن السوري ) المذكور أن يتكلل بأسباب وعوامل معالجة الأزمة اي بفرض حل على النظام السوري للخروج بها إلى وقف نزيف الدم ووضع أسس وقواعد الأمن والاستقرار قبل أية اعتبارات أخرى من الحلول والمعالجات التي تتطلبها الثورة السورية ، لكن يبدو أن معالجة هذه الأزمة هي ما تزال رهن تجاذبات مصالح بعض الدول الكبرى وفي المقدمة منها روسيا والصين ، مما يعني ترجيح الانصراف نحو حق البحث للجهات الدولية ذات الشأن عن آليات وحوامل لمخارج للأزمة  أو مداخل جديدة نحو حلول أخرى من خارج مجلس الأمن الدولي ، بغية توفير المؤن والحماية على الأقل للمدنيين والمشردين ، وذلك عبر قنوات خاصة و مساحات قد تكون عازلة كسبيل لتحقيق هذا الهدف الذي ربما ينجم عنه وضع جديد يوحي بتدخل دولي عبر تركيا و بوابة حلف شمال الأطلسي “الناتو” مما يعني صعوبة التكهن بالنتائج وجسامة الخسائر التي تتكبدها الدولة السورية على حساب مصالح ودماء أبناء هذا المجتمع المسالم بكل مكوناته وألوان طيفه الوطني ..واضح من خلال الاطلاع على بعض محاور النقاشات التي دارت في اللقاء المذكور أو أروقته ومواقف البعض من أطرافه  أن عقدة حل الأزمة بكل جوانبها متوقفة في جوهرها عند قضية واحدة بعينها ، تكمن في تشبث الأسد بموقعه كرئيس للجمهورية دون أي اكتراث للتنحي ، الأمر الذي يواجه بالرفض القطعي من المعارضة الوطنية وقوى الثورة السورية لهذا التشبث بقوة ما يجعل المعادلة صعبة الحل ، من هنا فإن المجتمع الدولي ومعه القوى الوطنية في البلاد وكل مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وعموم القوى المحبة للحرية والسلام تحمّل شخص الأسد بالذات ولا سواه مسئولية غياب الحل الأمثل وتبعاته وما يتعرض له الأبرياء من أبناء هذا الوطن استشهادا وجرحا واعتقالا وتشريدا ناهيك عن تعريض المدن والبلدات السورية إلى الخراب والدمار اليومي الذي يكلف السوريين إعادة الأعمار مبالغ طائلة تؤثر على الحد من عملية التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي المطلوب ..من جانب آخر ، ينبغي للقاء القاهرة المرتقب ( 2-3/7/2012 ) بعد أن تم التحضير له في استانبول أن يهيئ عوامل تفاعل قوى المعارضة السورية نحو اللحمة الوطنية في وحدة الصف والموقف السياسي ، وفق الخطوط العريضة وتطلعات الجماهير والأهداف الأساسية للثورة السورية ، بما هي إسقاط نظام الاستبداد وبناء الدولة المدنية الحديثة على أنقاضها ، دولة ديمقراطية تمتاز بالتعددية القومية والدينية والسياسية وتراعي مصالح الشعب السوري بكل مكوناته من غير تمييز بسبب الدين أو العرق أو الموقف السياسي ..إن توحيد قوى المعارضة الوطنية على الخطوط العريضة الأساسية ولّم الشمل وتضافر الجهود الوطنية عبر نسق توافقي ووفق الأسس والقواعد الديمقراطية وبما يضمن تطوير (( وثيقة مشروع العهد الوطني )) وإقرارها تجنبا لأي خلاف مستقبلي وضمانا للحقوق وتأكيدا على المهام والواجبات الملقاة على عاتق الجميع أفرادا وأطرافا ومجموعات وكتل وأحزاب سياسية أو مجتمعية أو ثقافية ..إن الحل الأمثل للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ حوالي ستة عشر شهراً ، هو ذاك الذي ينبع من إرادة الجماهير وقوى الثورة السورية التي تساندها المعارضة السياسية الوطنية بكل مشاربها وانتماءاتها القومية والدينية والسياسية ، معتمدة في ذلك على مساعدة الحلفاء والأصدقاء وكل مناصري قضايا الحرية والديمقراطية ، وحملة مشاعل المشروع الكوني للتغيير والانتقال من مواقع الاستبداد والدكتاتورية والقمع والتنكيل إلى رحاب الديمقراطية والحريات العامة وبناء الدولة المدنية الحديثة التي تكافح الإرهاب وتحقق الاستقرار عبر توفير الأمن والأمان للبلاد والعباد ، دولة تكفل الحقوق والواجبات وتحقق التنمية الاقتصادية لمجتمعها على طريق ضمان مستلزمات التطوير والتقدم الاجتماعي بما يحقق الرفاه والازدهار للدولة والمجتمع السوري بأسره على حد سواء ..


1/7/2012

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…