الحكم على المدان صدام حسين المجيد بالاعدام شنقا حتى الموت

 

م .

محمد امين محمد

كلمات بسيطة نطق بها القاضي  رؤوف رشيد عبد الرحيم قبل حوالي الشهرين في مشهد مثير يصعب حتى الآن على البعض من ان ما سمعوه في منتصف نهار ذاك اليوم من فم القاضي الكوردي المقدام هي حقيقة وليس خيالا , بدى المشهد كذلك في تلك الحظة وصدر الحكم واستمر الجدل حول مسألة تنفيذ الحكم من عدمه , حيث  رآى البعض باستحالة تنفيذه بينما رأى آخرون بوجوب تنفيذه فورا ودون تردد , هكذا استمرت الحالة حتى صبيحة عيد هذا العام ليتحول ما كان يقرب الى المستحيل الى حقيقة واقعة وتنتهي القصة هكذا , كما ارادها رؤوف لا كما ارادها المدان واتباعه
قيل قديما ان الانسان لايتمنى الموت حتى لاعدائه , قيل ذلك وتردد كثيرا , وعلى مر الزمن , وحتى الآن , حتى صبيحة عيد هذا العام , حيث نفذ حكم الاعدام  بالمدان صدام حسين المجيد بالاعدام شنقا حتى الموت حيث شاهدها الملايين , او لنقل معظم البشر في هذا الكون على الفضائيات بصورة حية بعيد ساعات من تنفيذه , نفذ الحكم ليتبين خطأ المثل من صوابه , خطأ المثل القائل بان الانسان لايتمنى المرء حتى لاعدائه , لم يتمنى الكثيرون فقط  الموت لصدام بل فرحوا لها كثيرا وصفقوا من قلوبهم لنهاية هذا الرجل , بل دفعوا الكثير من التضحيات لرؤية هذا اليوم  , الموت للطاغية , هكذا بدى حال المثل المسكين حين دنس تحت اقدام المبتهجين في انحاء العراق فرحا بالموت .
  قيل قديما ايضا , في الموت خير عبرة لمن يريد ان يتعظ , و اليوم نحن امام حالة موت , وغير اعتيادية , لذا يبدوا ان هناك فرصة سانحة لاخذ العبرة والدرس وبصورة غير اعتيادية ايضا لمن يريد ان يتعظ , و هنا قد يتبادر الى الذهن سؤالا آخرا ملازما للتساؤل الاول وهو من هم الذين يجب ان يتعظوا اليوم من درس صدام , هل الحكام المستبدون وحدهم , من امثاله في المنطقة والعالم معنيون باخذ العبرة والدرس من تجربة زميلهم السابق , ام ان كل المستبدين وفي كافة المستويات معنيون بها ايضا .
  لقد تحول الاستبداد بفعل التراكم وعامل الزمن والاستمرارية الى حالة ثقافية وسياسية وسيكولوجية سائدة على نطاق واسع في الفرد والمجتمع بصورة متشابكة ومتداخلة ومعقدة جدا يصعب كثيرا في مجتمعاتنا الشرقية تفكيكها وفصلها عن بعضها البعض ومن ثم انهائها او القضاء عليها دفعة واحدة , لذا يمكن ان تجد مستبدا خارج مؤسسات الانظمة الاستبدادية الحاكمة وربما معارضا لها يدعوا الحكام في تلك الانظمة الى اخذ العبرة والدرس من نهاية صدام وينسى ذاته الاستبدادية المماثلة , ويمكن ان تجد مثقفا مستبدا بفكره وثقافته وممارسته , في السلطة او خارجها يدعوا هؤلاء ايضا الى اخذ العبرة والدرس من الحدث , وربما تجد مستبدا كورديا ايضا يقدم النصح والمشورة الى الآخرين بضرورة اخذ العبرة والدرس وينسى ايضا ممارساته الاستبدادية بحق رفاقه في القاعدة وبحق رفاق له في حزبه يختلفون معه في الاجتهاد والرؤية ويشاركونه السراء والضراء في الوقت ذاته ناهيك عن ممارساته وافكاره الاقصائية والالغائية اليومية تجاه الاحزاب الشقيقة الاخرى وتجاه الآخر المختلف عموما وهكذا ………
نهاية صدام , هل هو نهاية رجل , ام هي نهاية نظام , ام نهاية مرحلة ام هي بداية وليست نهاية حتى ,  ام ماذا ؟ اسئلة متعددة تتزاحم مع بعضها البعض وتطرح نفسها دفعة واحدة وعلى اتفاق او اختلاف مساراتها وتفاصيلها وتبعاتها وغير ذلك , التجربة العراقية ربما تقدم لنا الكثير من ملامح الرؤية والاجابة على ذاك التساؤل المتشابك والمعقد وذلك بفعل تجربتها المريرة والطويلة جدا , جدا , جدا , اذ ان التجربة العراقية في هذا الصدد ,  لاتبدأ بصدام ولا تنتهي عنده , انها ربما تبدأ من ذبح الحسن والحسين , اقول ربما ولا اقول انها تبدأ , واستمرت حتى نهاية صدام صبيحة عيد هذا العام , لذا يبدوا انها سوف لن تنتهي به في مطلق الاحوال .
ان نهاية صدام ربما تكون نهاية حلقة من حلقات الاستبداد في هذه المنطقة التي تشبعت بفكر الاستبداد وثقافة الاستبداد وانظمة الاستبداد , ان نظاما من تلك الانظمة قد انهار , او ان رمزا من رموز الاستبداد قد انتهى , لكن ثقافة الاستبداد وفكر الاستبداد وايديولوجية الاستبداد لم تنتهي ولن تنتهي هكذا ببساطة بل ربما تتكرس او تتنشط بنهاية صدام و بصيغة اكثر سوءا وتشويها وقزارة في المدى القريب , وهذا ما يبرز ملامحه الجلية في الارهاب الممارس يوميا في العراق وخارجه وعلى نطاق واسع .
تزامن نهاية صدام مع وفاة الرئيس الامريكي الاسبق جيرالد فورد في وقت واحد ولم يفصل بينهما زمنيا سوى اياما معدودات , لكن الفارق بين نهاية الرجلين كانت واسعة وواسعة جداجدا جدا , لقد اعدم الاول شنقا حتى الموت , ولا احد يدري اين سيدفن وكيف ومتى , وشيع الثاني تشييع الابطال وبكل مهابة وتقدير ومع ذلك يعتبر البعض الاول مناضلا ورمزا وقائدا وضرورة ويعتبرون الثاني ونظام حكمه كافرا ومجرما وسائرا الى الزوال .

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…