الخطاب السياسي لحزب الوحدة واعتقال شيخ آلي

 

شهاب عبدكي

مسيرة حزب الوحدة مرت بعدة مراحل سياسية هامة في سوريا وكانت مواقف الحزب تعبر في جميع المناسبات والمراحل التي مر بها على أعلى المستويات من  الدقة  والموضوعية  ومنسجمة مع طموحات الشعب الكردي ومنفتحا على مكونات المجتمع السوري  من جميع القوميات و الأديان والطوائف وبدأ الحزب يشكل رقما غير مرغوب به من السلطة  منذ مسيرة الألفية بعد اغتيال عبد الحميد زيباري  حيث خرج أكثر من 25 ألف مواطن كردي وبقرار من الحزب لشجب وإدانة اغتيال الشهيد عبد الحميد زيباري مما شكلت تلك المسيرة فكراً ومنهجاً جديداً لمسيرة الحزب وخطابه السياسي.
خطى الحزب خطوة مبرمجة في إعادة النظر في بعض  المواقف الهامة على الصعيد الداخلي والخارجي  وما يلاقيه  الشعب الكردي من صعوبات وسياسات شوفينية وعدم الاعتراف بحقوقه الشرعية في وقت كانت السلطات  تعمل على تحويل وجهة الكرد إلى الخارج  في عملية تقسيم الجهود المعارضة وتشكيك الكل بنواي البعض .

ففي 5/10/1992 / سجلت القيادة المشتركة ثاني أشكال المعارضة السلمية في سوريا من خلال ملصق  مكون من عدة نقاط  وركز بشكل خاص على وضع المجردين من الجنسية وعلى أثرها اعتقل مئات من كوادر أعضاء ومؤيدي الأحزاب التي اشتركت في  بيان
بمناسبة ذكرى الإحصاء وشكلت هذه العملية تحولا ً جذرياً في مفهوم تحرك الشارع الكردي نحو مطالبة حقوقه بأساليب سلمية بعيدة عن العنف وبيان الحقائق للرأي العام السوري وكسب أصدقاء من المعارضة والانطلاق نحو خطاب سياسي يعبر عن طموحات
الشعب الكردي في سوريا بعيدا عن الًعواطف التي تنقسم بين عدة اتجاهات لا مبرر لها في الوقت الحالي.
وفي عام 1993 وفي المؤتمر التوحيدي تم ترسيخ الأفكار التي عمقت الشعور بالغبن من السياسة المتبعة من النظام السوري اتجاه الشعب الكردي  واستقلالية القرار الكردي في  سوريا من محيطه الكردستانيذ بخصوص القضية الكردية في سوريا  دون قطع
أواصر الإخوة و الصداقة مع احترام خصوصية كل جزء والتركيز على اسلوب الاحتجاج  من الاعتصامات والتظاهر كشكل من أشكال النضال الممكنة  ومطالبة الأحزاب الكردية في تشكيل إطار يوحد جهودها في مواجهة سياسات النظام والتعمق في بنية المجتمع السوري والتقرب من أطيافه بما يخدم قضية شعبنا ، وقد كان شيخ آلي أبرز الوجوه التي نادت بهذه الأفكار ووضع أسس بنيانه في تلك
الفترة .
بعد أن انخدعت القوى الموجودة في المعارضة من مشروع الإصلاح الذي انطلق على الورق مشكلاً شعارا ً جديدا ً يضاف إلى الشعارات التي لم تخدم الشعب ،و دون الاهتمام بالواقع وما أفرزته من حالات الإحباط واليأس وعزلة وتهميش المواطن ، بدأ العمل على مواجهة النظام من خلال تشكيل إطار يضم أغلب أطياف المجمتع السوري تدعو للتغير السلمي المتدرج الذي يخدم جميع السوريين دون إقصاء أي طرف من المعادلة السياسية وكان حزب الوحدة من أبرز المساهمين في بلورة تلك الفكرة من خلال إرثه النضالي وجاء إعلان دمشق نتيجة إيجابية وتأكيداً لخطاب الحزب في مخاطبة الرأي الأخر من أطياف المعارضة وجعل القضية الكردية قضية وطنية تهم الشعب السوري بكل فئاته ، وكان اللقاء بين المعارضة السورية بهذا الكم والنوع بعد أن كان مشتتاً بين عدة اتجاهات فشكل ببنوده خطرا حقيقياً على سياسية النظام فكانت قفزة نوعية باتجاه تقليص الفوارق والمفاهيم وبيان حقوق المواطنين والقوميات كخطوة إيجابية بالنسبة للقاء الأول وفتح الباب أمام تطوير وتعزيز بنوده بما يخدم المكوّن السوري بكل شرائحه القومية والسياسية والدينية .
وعلى الصعيد الكردي  كان الحزب يسعى ولا يزال إلى لم الشمل الكردي في إطار مشترك تجمعها رؤية موحدة تجاه القضية الكردية وجميع القضايا في البلاد ، ومعروف أن الحركة الكردية حافظت على كيانه التنظيمي والالتفاف الجماهيري حوله ولم تهتز قناعات الشعب الكردي بأن الحركة الكدية هي الممثلة الوحيدة له ،فالحركة هي القادرة على نقل القضية إلى بر الأمان وحامل لحقوق أكثر من ثلاثة ملايين نسمة يعيشون في مناطقهم التاريخية ، ولكن مواقف الأحزاب مقسمة بين عدة اتجاهات لا تختلف عن بعضها كثيراً في أسس ومعطيات حل قضية الكردية ، لذلك وحدة الحركة في هيئة موحدة  لها نظام وبرنامج سياسي سوف يربك النظام تجاه قوة موحد لها قضية قومية تجاهلته النظام وزرعت الشكوك حوله ويعطي دفعاً للقضية باتجاهه الصحيح ، وسوف تعمل هذه القوة على بلورة القضية في الشارع السوري بشكل عام مما يقوض أكاذيب النظام التي صيغت لعقود من الزمن ،وقد كان حزب الوحدة  دائما ً ضمن صفوف إطار يضم أحزاب كردية ويعمل على توسيعه وليس لديه أي حساسية تجاه أي حزب كردي يناضل من أجل حقوقه.
وفي 12/آذار/ 2004/  حول الحزب مع بقية الأحزاب الكردية الفتنة المفتعلة من بعض الجهات إلى فعل سياسي يخدم الشعب السوري بعد أن تحولت لانتفاضة عفوية عمت جميع المناطق الكردية ومناطق تواجد الأكراد وعجزت السلطات من السيطرة على تحركات
الشارع الكردي السياسي والشعبي بالتالي خلقت ظروف سياسية جديدة على الساحة السورية من خلال كلمة الرئيس عن الشعب الكردي بأنه جزء من النسيج الوطني….

الخ والتعاطي الجدي من المنظمات غير حكومية وبعض الشخصيات السياسية العالمية مع
القضية الكردية في سوريا.
كما أن الحزب كان له مواقف واضحة تجاه قضية انسحاب الجيش السوري من لبنان  حيث ركز على أن الانسحاب في خدمة البلدين وسوف يهدأ النفوس لإقامة علاقات أخوية متبادلة وفق مصالح الشعبين وترك خيار بناء الدولة اللبنانية للشعب اللبناني ، والالتفاف للداخل السوري الذي بحاجة للعمل على تأسيس دولة القانون وإزالة الحواجز التي تفصل بين الشعب والحكومة وقطع الطريق أمام أي قرار دولي وتقويض جميع الأجندة الخارجية .
وبدل أن يكون هدفها العمل على هذه الأسس بقي النظام يراهن على أوراق انتهت صلاحيتها ولم تخدم الشعب السوري يوماً حتى صدور قرار من مجلس الأمن تدعو سوريا للانسحاب مما شكل حالة توتر وبرزت مواقف متشددة من الجانبين وقد كان رهان الحزب
صحيحا ً حيث أصبح مصير البلدين وما آلت إليه الأوضاع رهن لضغوطات وتداخلات لا مبرر لها نتيجة تداعيات الانسحاب والاغتيالات التي جرت في لبنان .
ويبدو أن مواقف الحزب من التغير الذي جرى في العراق كانت مخالفة لسياسة النظام حيث كان الحزب مؤيداً للتغير الذي جرى في العراق وكان الرأي أن التغير جاء لخدمة شعب العراق والتخلص من الطاغية صدام حسين وإعطاء الشعب العراقي الدور في رسم سياسية البلد من خلال التوافق على معايير جديدة تتبعها النخبة السياسية في العراق وإعطاء الأكراد الفدرالية ضمن وحدة البلاد .
كل هذه العوامل وغيرها من مواقف لاتقل أهمية جعلت من الحزب هدفاً رئيسياً لضغوطات السلطة الأجهزة الأمنية التابعة لها حيث أن الحزب ومنذ المشاركة في مسيرة الشهيد عبد الحميد زيباري وحتى اعتقال السيد شيخ آلي لم يبخل على سجون النظام فكان أعضاءه  ومؤيده من زواره الدائمين.
ويعتبر السيد شيخ آلي من أبرز مؤسسي هذا الخطاب لذلك من الطبيعي أن يكون الحزب وكوادره محل مراقبة ومن ثم اعتقالهم لثني الحزب عن هذا الخطاب .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…