مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية.. آمال وعقبات

  افتتاحية طريق الشعب / العدد (345) *

تجري التحضيرات الآن لعقد مؤتمر للمعارضة السورية في القاهرة يومي 2-3/7/2012 ، برعاية الجامعة العربية ، ومن المقرر أن يحضر هذا الاجتماع المجلس الوطني الكردي في سوريا، والمجلس الوطني السوري، وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، وأطراف أخرى من المعارضة السورية، وحسب المعلن فإن أهداف المؤتمر تتركز حول وحدة المعرضة السورية، استجابة للمطالب الدولية ومطالب الشعب السوري والثورة السورية من جهة أخرى بهدف تقوية الثورة ودفعها إلى الأمام نحو الانتصار بإسقاط النظام.
في الواقع أن هذه المطالب ليست جديدة، فقد كان ذلك مطروحاً منذ زمن طويل قبل الثورة السورية، واستمرت أيضاً منذ انطلاقة الثورة، ولازالت قائمة حتى هذا اليوم، وجرت محاولات وحوارات عديدة لتحقيق هذه الوحدة، إلا أنها في الواقع كانت تصطدم بالحقائق المرَّة التي كانت تؤكد عدم جاهزية أطراف هذه المعارضة للوحدة، وعدم نضوج العامل الذاتي لذلك، ومن أسبابه:
1-  ضعف الأحزاب السياسية، حيث استطاع النظام ولفترة طويلة من سحق الحياة السياسية في البلاد وسحق الحركة السياسية عموماً وتجزئتها عن طريق القمع والتنكيل ومختلف الأساليب الأمنية والسياسية.
2- عدم نضوج رؤى المعارضة السورية، وتخلفها عن الحقائق القائمة على الأرض.


3- الروح الحزبية الضيقة ومحاولات بعض القوى الهيمنة على قرار المعارضة وإقصاء الأطراف الأخرى.
لقد فاجأت الثورة السورية الشعبية الديمقراطية السلمية الحركة السياسية في سوريا بجميع أطرافها، فلجأت إلى لملمة صفوفها وبناء إطار معارض للحاق بركب الثورة التي قادها في البداية شباب سوريا باستفادتهم من التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في حشد وتجميع شباب سوريا في الشوارع والهتاف في البداية بالإصلاحات التي تحولت سريعاً إلى المطالبة بإسقاط النظام، وشاركت فيها بعض الأحزاب السياسية المعارضة ولم تتمكن من قيادتها.
لم تتمكن الحركة السياسية من بناء إطار معارض وحيد لأسباب معروفة وموضوعية، وفي الواقع إن بناء الإطار الوحيد للمعارضة هو تجاوز على الوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليس ضرورة حتمية، فتعددت الأطراف المعارضة وهذا ينسجم مع متطلبات الواقع، إذ لا يوجد في أي بلد من بلدان العالم معارضة موحدة في إطار واحد.
لكن ما هو سلبي، وما هو ضار أن كافة أطراف المعارضة السورية تخلفت كثيراً عن الثورة الشعبية ولم تستطع دعمها ومساندتها كما ينبغي، فضلاً عن أنها لم تستطع قيادتها، وبقيت ضعيفة أمام متطلبات تعزيز الثورة في الداخل والخارج، وهذا ما أساء إلى الثورة أمام الممارسات الوحشية للنظام الذي استخدم فقط الحل العسكري الأمني، ومارس القتل وارتكاب المجازر بشكل همجي، ولذلك نعتقد بأن المطالبة الشعبية ومطالبة المجتمع الدولي بتوحيد المعارضة أمر مشروع، بل مطلوب وواجب لتعزيز صمود الشعب السوري وتعزيز الثورة وبالتالي انتصارها.
لكل تلك الأسباب نعتقد أن الواقع الذي تعيشه المعارضة السورية غير مقبول، وأنها مأزومة مثلما النظام مأزوم، وأنها بذلك تتحمل مسؤولية تاريخية عن عجزها عن القيام بواجباتها أمام الشعب السوري وأمام المجتمع الدولي، ونعتقد أن عليها تجاوز العديد من العقبات الموجودة أمام تحقيق هذا التوحيد، وأن الطريق الوحيد لذلك هو الدخول في حوارات جادة ومسؤولة وتأمين أجواء الثقة اللازمة، ونرى أن مؤتمر القاهرة القادم يرتدي أهمية بالغة، وأنه محطة مهمة لتوحيد جهود المعارضة، وبالتالي توحيد نضال الشعب السوري.
كان من المقرر أن ينعقد هذا المؤتمر منذ أكثر من شهر، إلا أن كلاً من المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية أعلنا أنهما لن يحضرا المؤتمر بسبب مواقف خاصة بهما، لعدم اقتناعهما بأن المؤتمر سينجح في تحقيق أهدافه بسبب سعة الخلافات بينهما، فتم تأجيله.
منذ مجزرة الحولة حدثت تطورات هامة، فقد تطور الوضع الدولي أكثر، وأعربت العديد من دول العالم بأنه لم يعد ممكناً بعد الآن السكوت عن ممارسات ومواقف النظام السوري، وتعززت مواقع الثورة في الداخل أكثر، ووجدت المعارضة نفسها بعيدة عن الشارع الثائر، وتعرضت لضغوطات عديدة من أجل توحيد صفوفها، وأرغم المجلس الوطني السوري على تقديم تنازلات بسبب أوضاعه الداخلية وفشله في احتكار النطق باسم المعارضة، وعجزه عن تقديم برنامج انتقالي يحظى بدعم جميع الأطراف، وفشله أيضاً في أن يكون فعلاً الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، وفي المحصلة توصلت كافة أطراف المعارضة إلى قناعة أكيدة بضرورة توحيد صفوفها.
وفي الواقع لا يتوقع أحد أن يتم توحيد المعارضة عبر دمجها في إطار واحد، وإن أصر أحد الأطراف أو أكثر على ذلك فسيرتكب خطأً تاريخياً لأنه لا يمكن في الظروف الحالية إقامة إطار موحد للمعارضة، وأن الطرح الصحيح هو أن يتم توحيد رؤى أطراف المعارضة وتوحيد مواقفها، وأن يتم التوصل إلى برنامج أو وثيقة تحدد الأهداف المشتركة للثورة في:
1- إسقاط النظام بكل مكوناته ورموزه.
2- التوصل إلى برنامج انتقالي لمرحلة ما بعد الأسد.
3- تحديد موقف مشترك من الجيش الحر والتسلح وسلمية الثورة.
إذا أمكن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق فسيكون ذلك قفزة مهمة تدفع بالثورة السورية إلى الأمام، ونأمل أن يكون دور المجلس الوطني الكردي مهماً في تقريب وجهات النظر، هل يمكن أن يلعب دور بيضة القبان؟ خاصة أن مواقفه وقراراته المتخذة في اجتماع المجلس الوطني الكردي تصب في هذا الاتجاه.
هذه آمال مشروعة نأمل أن تتحقق في إطار الثورة لدفعها إلى الأمام وبالتالي انتصارها، ولكن في الجانب الآخر هناك عقبات جمة أهمها موضوع التدخل العسكري الخارجي، فليس سراً أن المجلس الوطني السوري والقوى المتنفذة فيه تطالب بالتدخل العسكري الخارجي صراحة وتركز على المنطقة العازلة والممرات الآمنة لحماية المدنيين، ويبقى موضوع طمأنة الأقليات وبخاصة العلويين والمسيحيين والدروز والاسماعيليين بتثبيت نص واضح وصريح في البرنامج السياسي أو وثيقة التفاهم أمراً مهماً للغاية، ولا نطرح الشعب الكردي ضمن الأقليات ونتوقع أن يصل المتحاورون إلى صيغة مناسبة بشأن الكرد تتركز حول الإقرار الدستوري بالوجود القومي الكردي في سوريا وحل القضية القومية للشعب الكردي في سوريا حلا ديمقراطيا عادلاً وفق القوانين والأعراف الدولية باعتبارها قضية ارض وشعب في إطار وحدة البلاد.
إذاً هناك آمال بتوحيد المعارضة، وهناك عقبات أمام هذا التوحيد، ونأمل أن تنتصر روح المسؤولية والواقعية السياسية خاصة أمام التضحيات الجسيمة التي يدفعها الشعب السوري.

* الجريدة المركزية للحزب اليساري الكردي في سوريا، يصدرها مكتب الإعلام المركزي – نصف شهرية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…