د.
كسرى حرسان
ولى زمن الخنوع والثرثرة، وحلَّ أوان الحزم والبطولة، فقد بات المتخلف عن ركب الحياة كهزيل بين الأحياء ليس فيمن غابَ وليس هو فيمن حضر.
لا مكان في هذه الفينات وهذه الوثبات بغية النهوض والثبات للضعفاء والمستكينين بل الأموات.
فليس التقاعس من أدوات الحياة في شيء، إنه أوهن من أن يكفل لنا المستقبل ويدرأ عنا السوء والبأس، ومتى هيَّأ الضعف والاستكانة أسباب القوة والمنعة، وهذا هو واقعنا الذي يحدثنا عن نفسه بلسان هذا الفتور والانكسار بصدق متناهٍ ليخبرنا بخوائه وخلوِّه من أية حصانات للمحافظة على كياننا وهويتنا.
كسرى حرسان
ولى زمن الخنوع والثرثرة، وحلَّ أوان الحزم والبطولة، فقد بات المتخلف عن ركب الحياة كهزيل بين الأحياء ليس فيمن غابَ وليس هو فيمن حضر.
لا مكان في هذه الفينات وهذه الوثبات بغية النهوض والثبات للضعفاء والمستكينين بل الأموات.
فليس التقاعس من أدوات الحياة في شيء، إنه أوهن من أن يكفل لنا المستقبل ويدرأ عنا السوء والبأس، ومتى هيَّأ الضعف والاستكانة أسباب القوة والمنعة، وهذا هو واقعنا الذي يحدثنا عن نفسه بلسان هذا الفتور والانكسار بصدق متناهٍ ليخبرنا بخوائه وخلوِّه من أية حصانات للمحافظة على كياننا وهويتنا.
ولئلا نتوهم بأننا منيعون ينبغي أن نتذكر حالنا المنجرفة والمائسة مع حب السلامة وعشق النعيم، عندئذ سوف نعلم بأن قد تبوأنا مقعدنا من السَّلم التي تتسم في الغالب بالسلبية، ولهذا فعلينا أن لا نذهب أبعد من ذلك حفاظاً على استقامة مسارنا وحفظاً منا لماء الوجه على الأقل؛ أما بقية الحصون التي أقمناها ونسجناها في مخيلاتنا فصروح من قوارير، أوهى من بيوت العنكبوت، قابلة في أية لحظة للتحطم والتلاشي.
ومخطئ جداً من يؤمن بالماضي أو يعوِّل عليه، لأن هذا لا يعدو كونه هُراءً أو هذياناً أو شيئاً من اجترار البؤس يمليه العجز ويفرضه الاستسلام، يملأ حياتنا بالأقاويل والتمتمات.
لقد طويت صفحة الغابر المندثر، ومن ظل ينظر ويتأمل في سطورها المقلوبة عليه أن يحذر الانقلاب معها والموت في ثنايا تلك الصفحات وطياتها التي عفاها الوقت وباتت في حكم الغائب المنسي.
علينا أن نقر بأننا عديمون دوراً، تحرزاً من الغرور والزهو، لأن التواضع جميل ولأن سويتنا وضيعة كذلك، لكي لا نسهب من الكلام الذي لا طائل تحته، ولا نستطرد في المريع الوخيم، ولنبحث لنا عن مخرج من هذا المأزق الحرج، فكتاب واقعنا هذا الذي نعيشه لا يبشر، وإنما نحن كبائس مستجدٍ، ولكن الحق لا يستجدى بقدر ما يؤخذ وينتزع، ومن أجل ذلك فلا ينفعنا إلا تسديد أخطائنا وتصحيح أغلاطنا لنستقيل من الكبوة وننهض من العجز والتواكل، فنظل في سربنا ماضين في غبار تاريخنا.
فإذا لم يكن في وسعنا تقويض أركان الواقع لعواصته فلا يعني هذا أن نتجنى على الحقيقة، لأن الواقع شيء والحقيقة شيء آخر، بل هما على طرفي نقيض، فالواقع صنيع القوة، وهي همجية غالباً؛ أما الحقيقة فدستور علمي طبيعي سلس تستمد قوتها من سلطان العلم.
وإذا بات هذا الواقع المرير عقبة كأداء أمام الحقيقة فقد ترتب- بغية إنجاز التغيير الملح وفرض إرادة الحق- مضاعفة الجهد أضعافاً كثيرة تضاهي وتوازي فداحة العبء وجسامة العراقيل من أجل القضاء عليها ومحقها نهائياً، ولذلك فالمتجشمون لهذه الأعباء وصولاً إلى شاطئ الأمان أبطال ميامين يستحقون الثناء والتقدير لا سواهما، بل هم أهل لأن نتباهى بهم ونباهيهم العالم بأسره، فهم يقفون بالمرصاد للرياح الهوج العاتية التي أصبحت تقلق الراحة وتعصف بالسكينة وتقض المضاجع.
ولأنه لا ينبغي إلا علاج الوصَب فيجب إلا ننحرف عن جادة الصواب، ونتحيز إلى جانب ليس جانبنا، وليس جديراً بنا أكثر أن ننحط إلى هذا الدرك من الغباء، فنترك اللب والجوهر لنهتم بالقشور والنفايات، ومن العاب الفاضح التهافت على الفتات ليتشدق أحدنا بعدها مفتخراً بالكرامة والشموخ.
ومخطئ جداً من يؤمن بالماضي أو يعوِّل عليه، لأن هذا لا يعدو كونه هُراءً أو هذياناً أو شيئاً من اجترار البؤس يمليه العجز ويفرضه الاستسلام، يملأ حياتنا بالأقاويل والتمتمات.
لقد طويت صفحة الغابر المندثر، ومن ظل ينظر ويتأمل في سطورها المقلوبة عليه أن يحذر الانقلاب معها والموت في ثنايا تلك الصفحات وطياتها التي عفاها الوقت وباتت في حكم الغائب المنسي.
علينا أن نقر بأننا عديمون دوراً، تحرزاً من الغرور والزهو، لأن التواضع جميل ولأن سويتنا وضيعة كذلك، لكي لا نسهب من الكلام الذي لا طائل تحته، ولا نستطرد في المريع الوخيم، ولنبحث لنا عن مخرج من هذا المأزق الحرج، فكتاب واقعنا هذا الذي نعيشه لا يبشر، وإنما نحن كبائس مستجدٍ، ولكن الحق لا يستجدى بقدر ما يؤخذ وينتزع، ومن أجل ذلك فلا ينفعنا إلا تسديد أخطائنا وتصحيح أغلاطنا لنستقيل من الكبوة وننهض من العجز والتواكل، فنظل في سربنا ماضين في غبار تاريخنا.
فإذا لم يكن في وسعنا تقويض أركان الواقع لعواصته فلا يعني هذا أن نتجنى على الحقيقة، لأن الواقع شيء والحقيقة شيء آخر، بل هما على طرفي نقيض، فالواقع صنيع القوة، وهي همجية غالباً؛ أما الحقيقة فدستور علمي طبيعي سلس تستمد قوتها من سلطان العلم.
وإذا بات هذا الواقع المرير عقبة كأداء أمام الحقيقة فقد ترتب- بغية إنجاز التغيير الملح وفرض إرادة الحق- مضاعفة الجهد أضعافاً كثيرة تضاهي وتوازي فداحة العبء وجسامة العراقيل من أجل القضاء عليها ومحقها نهائياً، ولذلك فالمتجشمون لهذه الأعباء وصولاً إلى شاطئ الأمان أبطال ميامين يستحقون الثناء والتقدير لا سواهما، بل هم أهل لأن نتباهى بهم ونباهيهم العالم بأسره، فهم يقفون بالمرصاد للرياح الهوج العاتية التي أصبحت تقلق الراحة وتعصف بالسكينة وتقض المضاجع.
ولأنه لا ينبغي إلا علاج الوصَب فيجب إلا ننحرف عن جادة الصواب، ونتحيز إلى جانب ليس جانبنا، وليس جديراً بنا أكثر أن ننحط إلى هذا الدرك من الغباء، فنترك اللب والجوهر لنهتم بالقشور والنفايات، ومن العاب الفاضح التهافت على الفتات ليتشدق أحدنا بعدها مفتخراً بالكرامة والشموخ.