من سايكس بيكو إلى بيكر هاملتون

محمد سعدون

لكل حرب ظروفه ولكل مريض ورثته .

من المعروف بأن الحرب العالمية الأولى دارت رحاها بين قوتين كبيرتين ألمانيا والإمبراطورية العثمانية من جهة ودول الحلفاء من جهة أخرى (روسيا , فرنسا , بريطانيا , و إيطاليا) .

وجاءت اتفاقية سايكس بيكو نتيجة التصور بأن الحرب سينتهي لصالح الحلفاء يجب توزيع تركة الرجل المريض ( الإمبراطورية العثمانية ) وحسب عادة الحروب توزع الغنائم على المنتصرين وإذا قرأنا إتفاقية سايكس بيكو من وجهة نظر كردية يتبين لنا أن الاتفاقية اعتمدت على مقولة أن كردستان برميلا من البارود إذا انفجرت سوف تتغير خريطة الشرق الأوسط , فلذلك قامت فرنسا وبريطانيا بتقسيم الجزء الكردستاني المنضوي تحت الاحتلال العثماني إلى ثلاثة أجزاء :

جزء تحت الانتداب البريطاني مع العراق , وجزء تحت الانتداب الفرنسي مع سوريا , والحق الجزء الآخر بالدولة التركية الحديثة بموجب اتفاقية لتتنازل تركيا عن ولاية الموصل وهكذا أصبحت كردستان مجزأة إلى ثلاثة أجزاء بالإضافة إلى الجزء المتبقي مع إيران منذ اتفاقية قصر شيرين /  1514م/ بين الصفويين والعثمانيين لكن بعد أن وضعت الحرب أوزارها وصادقت عصبة الأمم على وثيقة حقوق الإنسان حصلت معاهدة سيفر وتلك الاتفاقية أحقت حقوق الكرد (لا حاجة لذكر التفاصيل هنا) لكن بقيت فرنسا وبريطانيا ملتزمين بتلك الاتفاقية إلى أن وقعت اتفاقية لوزان وبذلك طويت صفحة الكرد بالرغم من قيام الكرد بعدة ثورات هنا وهناك (ثورة البارزانيين , شيخ سعيد , ….) .

لكن الحرب العالمية الثالثة بدأت بشكل آخر , بدأت بالعقوبات الاقتصادية والهجوم الدبلوماسي إلى أن انهار الاتحاد السوفييتي السابق والذي اعتبر رجلا مريضا ووزعت تركته , وبذلك أصبحت أمريكا القطب الأوحد ولا زال الحرب مستمرا والحرب الأخيرة على المرضى من الرجال فقط  ( جنون العظمة ) والأهداف المعلنة لهذه الحرب هي  تحرير الشعوب من براثن الدكتاتوريين الذين كانوا حتى الأمس القريب معتمدين لدى هؤلاء الذين يتباكون على الشعوب وحتى إرهابيي اليوم كانوا ثوارا في وجه المد الشيوعي سابقا .

نتيجة الوعي القومي وتنامي الشعور الإنساني ووجود أسلحة دمار شامل ( نووية وكيماوية ) في أماكن كثيرة من العالم  بدأت الحرب خطوة خطوة فتم التخلص من ( أنور خوجة , بيكو فيتش ..) من الأوربيين , (ملا عمر , صدام حسين) من الآسيويين والحبل على الجرار .

لكن نقول إن تعددت أشكال الحروب يبقى الهدف الرئيسي للرأسماليين هو إيجاد سوق لصرف منتجاتهم وتوفير المواد الأولية لصناعاتهم .

وفي هذه الظروف الحرجة لأمريكا باعتبارها القطب الأوحد في هذه الحرب بالذات بعثت لجنة مؤلفة من عشرة أشخاص بقيادة جيمس بيكر الجمهوري ووزير خارجية أمريكا الأسبق , و لي هاملتون الديمقراطي ونائب سابق لدراسة العراق .

وهذه اللجنة بعد أن التقت ب / 171/ شخص توصلت إلى / 79 / توصية .

فمن خلال دراسة هذه  التوصيات يفهم بأن أمريكا في مأزق وتحاول الانسحاب من العراق وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ليصان مصداقية أمريكا في العالم وحفاظا على ماء وجهها كما يقال , أكثر ما يكون هذا التقرير لمساعدة الشعوب العراقية وحل مشاكلها , أي أن هذا التقرير يراعي مصلحة أمريكا وأهمل العراقيين , فيبعد التقرير أمريكا عن القيم و الأخلاق التي نادت بها (العولمة , الديمقراطية , حقوق الإنسان , …) من خلال ما ورد في النقطة / 26 / حول الدعوة لمراجعة الدستور العراقي الذي صوت عليه أكثر من ثمانية مليون عراقي وكتب بأيد عراقية , فنسأل أين مصداقية أمريكا من خلال الفقرة / 27 / التي تتطلب المصالحة الوطنية في إعادة البعثيين و القومويين العرب إلى الحياة الوطنية مع رموز صدام حسين وحتى الكرد الذين كانوا بالسلطة … بالظاهر أن أصحاب التقرير نسوا أو تناسوا بأن أمريكا دخلت الحرب بحجة محاربة هؤلاء لأنهم ظلموا شعوبهم !!! .

وكل هذه بحجة المصالحة الوطنية الجوفاء , ومحاولة الرجوع إلى النظام المركزي الشمولي , عبر مراجعة الدستور وإزالة بعض الفقرات المهمة منه : النظام الفيدرالي الذي يقف ضده حزب البعث والتيار الصدري والعرب السنة وكذلك مسألة النفط وكيفية توزيع العائدات , وتثبيت المركزية بدلا من نظام الأقاليم .

وفي الفقرة / 28 / يرى التقرير مصالح دول جوار العراق ودول عربية أخرى أكثر ما يراعي مصلحة الشعب العراقي , وهنا أصبح الكرد بين سندان دول الجوار ومطرقة بيكر هاملتون .

وكأن هذا التقرير جاء ليفسر بنود اتفاقية الجزائر المشئوم ليبقى الشعب الكردي بعيدا عن التطور وعدم حصوله على حقوقه (لكي لا ينفجر برميل البارود) علما بأن السيد جيمس بيكر عندما كان وزيرا للخارجية الأمريكية كان عنصرا خيرا بتشكيل المنطقة الآمنة للكرد , وجاء أيضا في التقرير تأجيل وضع كركوك  /30/  (….

هناك ضرورة للتحكيم الدولي لتجنب العنف الطائفي .

كركوك يمكن أن يكون برميل من البارود … لذا يجب تأخيره وهذه المسألة يجب أن تدرج على جدول أعمال المجموعة الدولية لدعم العراق في إطار عملها الدبلوماسي ..) يقول السيد مسعد البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق الفيدرالي إن أي تأخير لقرار / 140 / يجلب مخاوف كبيرة ولا يقبل ذلك نهائيا شعب كردستان .

هناك سؤال يراود الجميع : أليس إقليم كردستان العراق جزء من الدولة العراقية ؟؟ إذا كان كذلك فكيف أن هذه اللجنة التي اسمها لجنة دراسة العراق ولم تزور هذا الإقليم !! .

ومن ضمن / 171 / شخص لا يوجد مسؤول كردي واحد يبقى أن نتساءل هل السيد بوش سيحذف الكرد من المعادلة العراقية ( كرد , سنة , شيعة) من كلمته التي سوف يلقيها إلى مسامع الأم الأمريكية والعالم في مطلع العام الجديد 2007 ويرضخ للدول العربية والإسلامية بما فيها تركيا واعتبار العراق بلد عربي (سني , شيعي) فقط ؟؟ أم ماذا ؟؟ أم تأتي لجنة دراسة على غرار سايكس بيكو لتجزأ المجزأ  (إقليم كردستان ) ؟؟.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…