أرى أنه لايجوز قراءة الحالة السورية ومآل الثورة والمصير الوطني بكل احتمالاته من بوابة الموقف التركي فالمعارضة السورية لم تبدأ من مؤتمراتها هناك والثورة لم تندلع بقرار من المجلس الوطني السوري الذي ولد بتركيا بل سبقت ذلك بعقود بغض النظر عن تطورات العلاقة بين نظامي دمشق وانقرة التي شهدت انفراجات وتوترات وشهور عسل وعقد اتفاقيات سياسية وامنية مثل اتفاقية – اضنة – وخلافها وتجميد العلاقات الدبلوماسية واعادتها مجددا ولاينسى السورييون أبدا مسؤولية تركيا – الجزئية – في مد النظام المستبد بعوامل البقاء والديمومة وتوسطها لدى اسرائيل لعقد اتفاقية سلام بين تل ابيب ودمشق واظهار نظام الاسد بصورة مقبولة لدى الغرب خلال أعوام .
كما لايجوز قراءة ما ستؤول اليها نتائج تضحيات السوريين من خلال ثورتهم الوطنية المندلعة منذ عام ونصف وتصميمهم على تحقيق أهدافهم النبيلة والمشروعة في ازاحة نظام الاستبداد وتفكيك سلطة القهر والاجرام واجراء التغيير الديموقراطي واعادة بناء سوريا التعددية الجديدة من منظور طبيعة رد الفعل التركي على اسقاط احدى الطائرات بنيران القوات السورية الرسمية كل ما ستساهم به هذه الحادثة واذا تم تجييرها بصورة سليمة هو الاسراع في تحقيق ملاذ آمن للمدنيين الهاربين من الموت وحماية مناطق محررة يلبي الحاجة الانسانية والأمنية لكل السوريين بما يمهد السبيل لانضمام المزيد من العسكريين لصفوف الجيش السوري الحر ويعزز القدرات الدفاعية للثوار في الاعتماد على أنفسهم لمواصلة التقدم من أجل القضاء النهائي على نظام الأسد .
لم نكن نراهن في يوم من الأيام ومعنا الأغلبية الساحقة من المعارضين الوطنيين على أي تدخل عسكري تركي منفرد بل كنا ومازلنا من دعاة الحماية الدولية وفرض المناطق الآمنة اما عبر هيئة الأمم المتحدة أو حلف الناتو اذا ما عجز المنبر الأممي عن تأدية وظيفته بسبب الفيتو الروسي – الصيني وكنت من أوائل المعارضين الذين رفضوا طلب المرشد العام لاخوان سوريا في التدخل العسكري التركي المنفرد وذلك من على شاشة فضائية – الحرة – قبل زمن ليس بالبعيد ومازلنا على الموقف ذاته قبل سقوط الطائرة وسنبقى كذلك حتى لو أسقطت طائرات والأسباب كثيرة ومتشعبة ومنها أن النظام التركي مثل نظام أية دولة في العالم ينطلق من مصالحه أولا وآخرا وأن تركيا وبحكم خصوصية الحالة السورية قد يتلاقى بعضا من طموحاتها مع البعض من مصالح الشعب السوري وليس مع كلها وبعد ستة عشر شهرا من عمر الثورة مازالت السياسة التركية حول المشهد السوري تدور في فلك الشعارات والأقوال المتكررة المملة من قبيل ” تركيا ستفقد صبرها وتركيا لن تقبل بتصرفات نظام الأسد ووو” وهي قد تتقبل في أقصى الحدود رحيل عائلة الأسد وتخليها عن السلطة ( واقتصار الدعوة التركية الأخيرة لاجتماع استانبول لتيارات وشخصيات أقرب لهذا الموقف واستعدادها للتحاور مع النظام القائم بما فيها هيئة التنسيق التي تضم – ب ي د – دليل على ماذهبنا اليه ) ولكن مع الابقاء على النظام القائم مؤسسات ومواقف وسلوكا وبنى وخطاب سياسي وعدم المساس جذريا بمعظم بنود الدستور الحالي ورفض أية اعادة نظر في تعريف المجتمع السوري أوالاعتراف بوجود وحقوق المكونات القومية غير العربية وخاصة الشعب الكردي والموقف التركي هذا يتطابق مع الموقف الروسي ومعظم المواقف العربية المعنية بالشأن السوري الى جانب ذلك يجب عدم انكارأن تركيا فتحت أبوابها مشكورة لاستقبال آلاف اللاجئين السوريين الهاربين من بطش النظام وتسمح لشتى أطياف المعارضة من النشاط داخل أراضيها وتقوم بدور محوري في ضيق الخناق على نظام الأسد اقتصاديا واعلاميا وتسمح لقيادة الجيش السوري الحر بالتحرك من أراضيها وهذه كلها من الأمور الايجابية في الموقف التركي ماعلى المعارضة الا الاستفادة منها وتجييرها لصالح أهدافها القريبة والبعيدة وفي جميع الحالات نحن السورييون عربا وكردا ومكونات أخرى وثورتنا الراهنة ومعارضتنا لن نتمكن من النأي بأنفسنا عن تحكم التاريخ والجغرافيا بمعادلة الدور التركي في القضية السورية فبلادنا وجميع شعوبنا كانوا جزء من الامبراطورية العثمانية لقرون ومايترتب على ذلك من تاريخ مشترك وتعايش – بحلوه ومره – بين شعوبها وحدودنا المشتركة مع تركيا تزيد على تسعماية كيلو متر أكثريتها يعيش فيها الكرد على الطرفين وهي الدولة الوحيدة في المنطقة عضو في حلف الناتو الذي من المرجح أن يقوم بحماية الشعب السوري اذا ما سارت جرائم النظام بمنحاها الراهن وكما رددناها أكثر من مرة فان كلمة السر في امكانية التفاهم والتعاون بصدق وشفافية بين تركيا من جهة وأطياف المعارضة السورية والثوار وبينهم الكرد من الجهة الأخرى هي التعامل التركي المتوازن مع كل الأطياف وليس من خلال الاخوان المسلمين وعدم التدخل بتفاصيل شؤون القضية السورية والتقدم باتجاه حل القضية الكردية في تركيا بالطرق السلمية والمضي في تعزيز العلاقات مع اقليم كردستان العراق والاعتراف المعلن بوجود وحقوق الشعب الكردي في سوريا هذه هي عناوين خارطة الطريق التي تمهد السبيل لعلاقات صداقة متينة بين الشعبين السوري والتركي ومن ضمنهما الكرد في الوقت الحاضر ومابعد الاستبداد .