نجم عبد الكريم الذي لم يسطع أبداً

 حسين جلبي

 الحقيقة التي يجب الإعتراف بها هي أن كُردستان مُحاطة بطوقٍ من الأعداء، لكنها هي السابقة في الوجود و هم اللاحقون، هي التي تضرب جذورها في الأرض، و هم و أحقادهم الطارئون، الراحلون، المندحرون، فشمس كُردستان سطعت أخيراً، و هي تنير القلوب يوماً بعد آخر، فتذيب بأشعتها طوق العداوات و الأحقاد، لتمد من خلاله جسور المحبة و الصداقة و الجيرة لمن يستحقها.
أما الحقيقة الأخرى التي يجب الإعتراف بها أيضاً، فهي إن إشعاع هذه الشمس، و مهما بلغ من قوة النفاذ، فإنه لن يصل إلى عقول البعض لينيرها، و ليطهرها من الشوائب التي علقت بها،
 و السبب هو أن إدمان هذا البعض على دس رأسه في الرمال، قد أدى لطول المقام على هذه الحال إلى تحجر الرمال، ما أدى بالتالي إلى إصطدام تلك الرؤوس بصخرة الواقع، إذا ما خطر يوماً لإصحابها رفعها، هذا إن لم تكن الرؤوس ذاتها بما فيها قد تحجرت، لتصبح جزءاً من تلك الصخور الصلدة.
 نجم عبدالكريم، الذي لا يجد المرء لقباً يلحقه بأسمه نظراً لتعدد مواهبه و كاراته، أصبح يطل علينا مؤخراً عبر (إيلاف) من خلال حكايات يرويها، بعضها من بنات أفكاره و بعضها معروفٌ سمعنا مثله حد الملل، فلا هي تناسب الموقع، و لا أعمار المتلقين، و لا العصر الذي نعيشه، فهي في الواقع مزيجٌ من المشاعر الشخصية للكاتب و التي تدل على ما يخفيه، و الأمنيات التي لم يبقى في العمر متسعٌ، حتى لو طال ألفاً، لرؤية بعضها يتحقق، ثم يقوم بتركيبها ـ أمنياته و مشاعره ـ على حكاياته، و هو يرجو أن تؤدي الغرض في تسلية القُراء و تذكيرهم به، أو إحداث تغييرٍ ما في الواقع و سيرورة التاريخ، شبيه بذلك الذي يحاول أحد المشعوذين إحداثه في أقدار أشخاص يبعدون عنه آلاف الأميال.
 و يعلم نجم عبدالكريم الذي يبدو أنه تقاعد من وظيفة المداح التي إستهلك نفسه فيها، و بدأ بممارسة هوايات أرذل العُمر، بأن لقب المُلا الذي كان يُطلق على الزعيم الكُردي مصطفى البرزاني لم يكن يوماً بسبب إمامته المُصلين في الجوامع، لكنه و مع الإحترام لهؤلاء الأئمة، لم يعد أحدٌ يربط أسم الزعيم البرزاني بذلك اللقب أو يذكره معه إلا السيد عبدالكريم، و أمثاله، و ذلك عندما يحاولون الغمز من قناة القائد الكبير، غير آبهين بأن الكُرد ـ و هم أصحاب الشأن ـ عندما يتذكرون قائدهم، فإن اللقب لا يعني لهم سوى تصدر صاحبه الكفاح من أجل حقوقهم المشروعة، و إننا لو كنا اليوم في عصر الملالي، لأغفل نجم عبدالكريم هذا اللقب و أسقطه، و أنكر أن من بين الكُرد إماماً، و لتذكر ربما السنوات التي عاشها الزعيم البرزاني لاجئاً في بلاد (الكفرة الشيوعيين)، و لأخترع الحكايات على تطبعه بطباعهم.
  ألا يرى نجم عبدالكريم و هو إذ يروي مثله السئ، أن النسر الكُردي مصطفى البرزاني لم يحلق يوماً لوحده نحو الشمس، و إن الطريق إليها كان عامراً دوماً برفاقه، و هم يتسابقون إليها، إلى أن أصبحت في متناول أيديهم، حيث وضعوها في أكثر الأماكن قداسةً، إذ تتوسط اليوم علم كُردستان الذي يرفرف في كل مكانٍ لا يخطر له على بال، من بغدان إلى طهران، و من أنقرةَ إلى الشامِ، موجهاً الصفعة إلى كل من لا يراه و لا يراها، و إن هذه الشمس لم تعد مجرد شعار، و إن الفيدرالية ليست مُجرد أجنحة من ريش، بل هي شمسٌ حقيقية راسخة فوق جبال كُردستان يراها كل من لم تتحجر مشاعره، و كل من لم تفرغ مآقيه، و كل من لم يدفن رأسه تحت صخرة الواقع, و رُكام الموساد.
22.06.2012
jelebi@hotmail.de
http://www.facebook.com/hussein.jelebi
http://www.elaphblog.com/Page.aspx?u=6669

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…