التقرير السياسي لحزب آزادي الكردي في سوريا

  رغم مرور ما يقارب السنة والنصف لا يزال النظام الأمني الاستبدادي يتجاهل ويتعامى عن وجود ثورة شعبية عارمة واضحة الأهداف والمعالم في سوريا, الثورة التي بدأت شرارتها الأولى من الجنوب وألهبت نيرانها أظافر أطفال درعا الأبطال وأمسى نسيمها يزحف نحو أقصى الشمال والشمال الشرقي مرورا بمعظم المحافظات والمدن والقرى السورية تطالب بإسقاط النظام وإنهاء حكم الاستبداد بجميع مرتكزاته الفكرية والسياسية والأمنية وفك القبضة الأمنية البوليسية عن رقاب الناس وترك العباد ليقرروا مصيرهم بأنفسهم بعد عهود من الذل والاستعباد والمهانة, أن نظام السوري لن يستطيع الاستمرار في مخادعة الكون كلّه إلى مالا نهاية وتصوير المشهد في الداخل على أنه مؤامرة خارجية أو من صنع جماعات إرهابية تريد الشر لسوريا،
 وباتت تصرفاته الإجرامية في قتل الناس بالسيارات المفخخة وارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل مكشوفة المعالم والمرامي وآخرها مجزرة الحولة التي راحت ضحيتها أكثر من مائة ضحية معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ والتي ترتقي استناداً إلى المعايير والقوانين الدولية إلى مستوى جرائم الإبادة والجرائم ضد البشرية، وكذلك الإيعاز لعصاباته المأجورة القيام بأعمال دنيئة والقتل على الهوية في المناطق المتداخلة مذهبياً لخلق حالة من الاحتقان الطائفي بين السوريين حيث باتت هذه الأعمال الإرهابية والألاعيب القذرة تتكشف خيوطها شيئاً فشيئاً وربما تعجل في نهاية المطاف من سقوط عرشه المتداعي.

  إن إمعان النظام السوري في القتل والسجن والاعتقال والتعذيب وانتهاك أبسط حقوق الإنسان لدليل قاطع على عدم تنفيذه خطة عنان ذات البنود الستة رغم موافقته عليها، وهناك أكثر من دلالة تشير إلى أن النظام يستثمر الاتفاقية لديمومته وطول بقائه في السلطة، بل أوجد فيها فرصة إضافية للاستمرار في قتل الناس والمحاولة عبثاً لإجهاض الثورة من خلال منع التظاهرات والاحتجاج و الاعتصامات السلمية على مدار الساعة؛ إذاً القرار الأممي الذي دخل حيز التطبيق منذ أكثر من شهر أجهضه النظام، وأثبتت الوقائع عدم جدواه ونجاعته من أجل الهدف المرسوم له ( وقف القتل, سحب الجيش مع آلياته من المدن والعودة بها إلى ثكناتها, الإفراج عن المعتقلين وكشف مصير المفقودين, السماح لوسائل الإعلام بالدخول إلى سوريا ونقل الصورة لما يجري,  حرية التظاهر السلمي,…..ألخ ) ومسؤولية الفشل تقع على عاتق النظام أما عدم البحث وإيجاد بدائل أخرى يحمي الشعب السوري من القتل والدمار ويخرجه من دوامة العنف والقتل فالمسؤولية تتحملها القوى الكبرى في الأمم المتحدة وعلى رأسها الدول الخمس التي تمتلك حق النقض الفيتو وأن الدور الزئبقي والمتأرجح للأسرة الدولية حيال الثورة السورية جعل الطغمة الحاكمة تتمادى في غيها وجبروتها وهذا ما دفع بها الإيغال في القتل والتدمير وعدم الإيفاء بالتزاماتها العربية والأممية.
  إن الشعب السوري بمعظم أديانه ومذاهبه وإثنياته أثبت للملأ جدارته وجسارته الأسطورية في وجه عتاة الحرب وآلتهم المدمرة بصدور عارية وغير آبهة بالموت أو التراجع قيد أنملة عن أهداف ثورته السلمية المباركة، وإن تخلّى العالم أجمع عن قضيته العادلة في الحرية والعدالة والمساواة يبقى ملتزماً بخياره الوحيد: الموت أو الانتصار من جانب، آخر يجب التأكيد على أن المعارضة السورية لم ترتقِ إلى مستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها فمنذ ما يقارب السنة والنصف من عمر الثورة لا تزال تعاني التشتت والانقسام والصراعات غير المبررة، متجاهلة معاناة السوريين وصيحات المتظاهرين في الداخل حول ضرورة توحيد الصف والموقف، ومخاطبة العالم بلغة سياسية موحدة تقترب من طموح الشارع وتطابق مطالبه المحقة كما أن عدم الاستجابة لدعوة الجامعة العربية والرغبة الأممية للاجتماع في القاهرة مؤخراً جاءت مخيبة لآمال السوريين وشكلت انتكاسة جديدة للمعارضة ومدى تخلفها عن ركب الثورة الشعبية وعملها الميداني.
  أما بخصوص المعارضة الكردية تؤكد الوقائع بأنها أفضل حالاً وأكثر قوة على الأرض فالمجلس الوطني الكردي ورغم نواقصه يمثل الطرف الأقوى في المعادلة الوطنية لذا ينتظر منها القيام بأدوار أكثر محورية في قادم الأيام ومحاولات جادة للتقريب بين وجهات النظر لجميع الأطراف المتخالفة للوصول إلى توحيد صفوف المعارضة السورية على اختلاف ألوان طيفها السياسي والقومي والديني والمذهبي، وهذا بالتأكيد  سيساهم في إسقاط النظام ورحيله وإنهاء حكم الاستبداد، وتالياً التصدي لتحديات المرحلة المقبلة واستحقاقاتها وعلى مختلف الصعد.

 
  ويجب التذكير بأن المجلس الوطني الكردي عليه ألا يقف عند تخوم التجميع الميكانيكي فحسب بل يسعى إلى تشكيل قوة سياسية كردية أكثر تأثيراً تمتلك رؤية سياسية واضحة المعالم والأهداف فيها تصور شامل عن مستقبل سوريا، والتأكيد على أحقية الوجود التاريخي للشعب الكردي وإيجاد حل عادل لحقوقه القومية المشروعة وفق العهود والمواثيق الدولية, وعليه يتطلب من المجلس  العمل من أجل تحقيق نوع من التوازن بين الحقوق القومية للشعب الكردي والحالة الوطنية في عموم البلاد وعدم ترجيح كفة على أخرى كما يجب على فصائل الحركة السياسية الكردية أن تتعدى الخارطة الحزبوية الضيقة وتسعى جاهدة لبناء أطر سياسية أكثر فاعلية وديناميكية داخل المجلس الوطني الكردي للوصول إلى حالة من وحدة الحال بين المتقاربين روحاً وسياسة وعلى أسس علمية مدروسة وصولاً إلى تشكيل نواة سياسية متينة يكون حاملاً للمشروع القومي والوطني في المرحلة الراهنة واستجابة سريعة لاستحقاقات ما بعد النظام.
  إن المجلس الكردي باعتباره المظلة الأوسع للحركة السياسية الكردية عليه أن يترفع عن الخاص الحزبي الضيق لأجل العام الكردي، وهنا علينا الإشادة  ببعض الخطوات التي تمت من أجل توحيد وجهات النظر بين الفرقاء وخاصة بينه وبين مجلس الشعب لغربي كردستان ورغم العديد من الصعوبات علينا التأكيد وللمرة الألف بأنه لا بديل عن التقارب الأخوي والسلم الأهلي المجتمعي, فنحن جميعاً ركاب سفينة واحدة وأي عطب فيها سيعرض الجميع إلى مخاطر الغرق والهلاك لذا علينا أن نفكر جدياً في تطبيق وتنفيذ بنود وثيقة التفاهم بين الأطراف الموقعة.
  إن الحالة الراهنة تتطلب أن تبقى المجلس الوطني الكردي طرفاً بذاته ويلعب دوراً مركزياً بين جميع الفعاليات السياسية والمدنية الوطنية في البلاد وخارجه والعمل جاهداً على تقريب وجهات النظر بين الجميع بعد أن ارتهن النظام قراره الوطني للدول الخارجية كروسيا وإيران، وأمسى مسلوب الإرادة، متناسياً بأنه في أية لحظة قد تنقلب هذه الدول عليه وتقدمه قرباناً لمصالحها ( لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة في السياسة ) والتاريخ مليء بالشواهد المماثلة لذا عليه أن ينصاع إلى لغة العقل والمنطق فلا يزال أمامه بعض الوقت ليحزم حقائبه سريعاً، ويستقر في مكان ما عسى أن ينجو من العقاب والمحاسبة القاسية من لدن الشعب السوري لطغيانه وجبروته منذ عشرات السنين فالشعب الذي أقسم بدم الشهداء لن يتراجع عن ثورته ولن يتخلى عن أهدافها بعد بحور من الدموع والدماء، وسيستمر في مقارعة الطغاة مهما ارتفعت التضحيات وبلغ ثمنها وصولاً إلى يوم الحرية والخلاص من عهود الذل والقتل والمهانة .


أوائل حزيران 2012   
اللجنة السياسية

لحزب آزادي الكردي في سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يروي تاريخ الكرد في سوريا حكاية تداخل معقد ومرير بين الصمود والاضطهاد، معكساً تفاعلًا طويل الأمد بين التهميش السياسي والاجتماعي والإصرار على الوجود والهوية. رغم العقود التي حملت سياسات تهجير ممنهجة مثل مشروع الحزام العربي وغيره من سياسات العزل والتغيير الديموغرافي، ظل الكرد راسخين في أرضهم، مدافعين عن ثقافتهم وحقوقهم، وساعين لإقامة سوريا متعددة الثقافات تضمن الكرامة لجميع…

بوتان زيباري في متاهة التاريخ السوري المعاصر، يبرز صراع مركب بين إرادات متشابكة؛ إرادة تسعى لاستعادة كرامة الوطن، وأخرى أسيرة لأوهام السيطرة المطلقة. عند قراءة كتاب “اغتصاب العقل” لجويت إبراهام ماوريتز ميرلو، ندرك كيف تُستخدم سيكولوجيا التحكم في الفكر وتشويه العقل كأدوات مركزية في توجيه الشعوب، وبالأخص في حالة سوريا حيث تتقاطع المأساة مع العبث السياسي. قد يبدو الحديث…

عبدالرحمن كلو على مدارِ السنواتِ السابِقةِ، وفي مرحلةِ النظامِ السابِقِ، كان العديدُ من الوطنيينَ والشرفاءِ الكوردِ من خارجِ نطاقِ منظومةِ حزبِ العمالِ الكوردستانيِّ (ب ك ك) ومن خارجِ دائرةِ المجلسِ الوطنيِّ الكورديِّ، يُطالبونَ بحمايةٍ دوليةٍ لعفرينَ والمناطقِ الأخرى التي تخضعُ للاحتلالِ التركيِّ. هذهِ المطالبُ جاءتْ كردِّ فعلٍ على ما كان يجري في تلكَ المناطقِ من ممارساتٍ إرهابيةٍ تهدفُ إلى التغييرِ…

فرحان كلش الأسئلة الأكثر إلحاحاً في الراهن الزماني، حول ما ولدته وأفرزته الثورة السورية، تكمن في إمكانية الربط المعرفي بين الثورة كخلق جماهيري والسلطة كناتج ثوروي، إذ يمكننا أن نلقي أسئلتنا في حلقة ضوابط تتعلق بالنشوء والفناء الثوري، هل ما نشهده اليوم من وجود إدارة سياسية في دمشق ناتج موضوعي لما شهدته الثورة السورية، أم هذا تدحرج لفكرة الالتفاف على…