الكردي الكذاب والكردي المهرّج والكردي المخدوع

إبراهيم محمود

 في الحضور المناسباتي الكردي، وما أكثر المناسبات التأسيسية والتفريخية والتدجينية الكردية هذه الأيام، وسط تنكيل مشهود له بشعب البلاد وكرد البلاد والمسكونين برعب البلاد وشعب البلاد..الخ، في هذا الحضور اللامتجانس طبعاً في العمق، يصعد الكرديُّ الكذاب المنبرَ، الذي هو عريف الحفل، والمنتقى من قبَل المخضرم في الكذب الشعبي، ومعه رزمة من الأوراق التي أثقلها بكلمات تمثيلية، ومقبوسات محروقة، وياقة مزوَّرة، يصعد مرحباً بالحضور، أي محارباً الحضور واقعاً، بابتسامة مهرّج في مواجهة الكردي المخدوع، وسط ثالوث قائم: ابتسامة مصطنعة، وكلمات مصطنعة، وحركات مصطنعة، وخاصة في الكراسي البارزة في الصفوف الأولى للضاحكين على لحى الكرد، وقد نُتفت من كثرة شدّها.
 حضور متنوع، أي كشكولي، وكل مزيف يبحث عن مزيفه نظيره: الحزبي الكردي يصافح الحزبي الكردي، وهو ينتظر الثانية المناسبة لسحب يده، حيث يكون انتهاء صلاحية ابتسامتهما المفبركة، إذ قبل الدخول، كان كل منهما قد قال في الآخر ما لا يسره طبعاً عبر أقذع الأقوال وتنسيب أبشع الأفعال، ويحضر الحزبي المختلف، وهو يصافح الحزبي المناسباتي صاحب الحفل، وهو في أعماقه يدعو عليه بالموت الزؤام في أقرب وقت، ويحضر الغريب عن الكردي، وهو يلقاه بابتسامة تتناسب ومكانته، تأكيداً على أن الكردي يعرف المجاملة، أعني مداورة الكذب المناسباتي، ليكتمل الحضور اللامتناغم، حيث الهدوء ليس أكثر من أداء دور مزيف في الانضباط، ولولا لاتناغمه لما كانت المناسبة أصلاً!

يرحّب العريف بالحضور، أعني يمارس التهريج في مواجهة الكردي المخدوع الذي يتابعه، حيث صدى وحدة الكرد والوحدة الوطنية يتردد في فضاء القاعة.

تكون البداية كما هو العُرف الكردي المستهلَك: الوقوف دقيقة صمت على شهداء الكرد والبلاد، وهو زيف آخر في حصّالة التزييف الكردي للكردي، والكردي لغير الكردي، وما استقاه الكردي كذباً من سواه الكذاب، ضارباً عرض الحائط ” المسكين” كل ما له صلة بالذين ماتوا ولم يكونوا شهداء، إنما أناس عاديون، وآخرون ماتوا وكانوا شهداء حقاً، ولكنهم لا يستحقون شرف الوقوف على أرواحهم، وثمة الذين صاروا برسم الشهداء رغم أنف الشهداء الحقيقيين..، وما أكثر الوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء، وهي كذبة فولكلورية مشتركة بين الكردي الكذاب: العريف، والكردي المهرج الذي يكون متحالفاً معه، وهو يتابعه بعمق، للتأكد من سلامة أداء الدور، والكردي المخدوع الذي يراد له أن يستمر في انخداعه، لتكون المناسبة ناجحة، وكل ذلك تحت اسم الشهيد، وهي حيلة فاقعة ناقعة لاسعة، من حيل الذين أوجدوا شهداء لهم، ليكون في مقدورهم أن يستمروا، وألا يصابوا بأذى، باعتبارهم خصوماً للموت، حرصاً على مواقعهم.

 فتتسع دائرة الكردي الكذاب والكردي المهرّج والكردي المخدوع، وخصوصاً في الوضع الراهن، حين يتملك الوقار الجميع، ويعلم هؤلاء الجميع، بدءاً من العريف متقن فن الكذب، وإلا لما اختيرَ عريفاً في الأصل، ومن يعنى بأمره وهو مخرّج الكذابين، ومن يحيط به ممن تتفاوت مراتب كذبهم وتهريجهم، وثمة بضعة من المخدوعين الذين لا مفر من أن يسمعوا وهم في واد، ويصفقوا وهو في واد آخر، وينتظروا لحظة الخروج على أحر من الجمر، وسط التأكيد على أن ثمة وحدة شعب، ووحدة بلاد لا بد أنها آتية، وثمة تشديد على أن خطى تأكيد الوحدة الوطنية تتضاعف وتأتي أكُلها.
 
وسط هذا الحضور الكاريكاتيري والفظيع، يمكن لمشخص حالة أن يستفظع ما يجري، من خلال نوع من التقابل بين جالس ومن يجلس بجواره: اثنين لا يدّخران جهداً في النيل من بعضهما بعضاً في الذم والتحقير والوعيد، وهما يتبادلان الابتسامات مع كل التفاتة ممثَّلة، ولا بد أن كلاً منهما يقول للآخر: ez…،” أي أنا….” لتتم المتابعة والمواجهة، حيث يمكن توسيع ومن ثم تعميم هذا المثال على الجميع مع استثناءات تعمق الشروخ القائمة، والشارع هو شاهد العيان الأوحد على هذا النفاق الجاري.

 في الحالة هذه ليس في وسع أي كان، من أعداء الكرد، ودون استثناء، عربياً، أم سريانياً أم أرمنياً، أن الكردي لم يدخل التاريخ في بابه العريض من خلال التمكن من لعب دور الكذاب والمهرج والمخدوع، عبر خبرة عقود زمنية طويلة.

 لا بأس أن يشار هنا إلى الذين سبقوه أو مازالوا أحياء، وهم يشكلون قدوة ما له أو ينافسونه في هذا المضمار، لكن قياساً إلى الوضع الكارثي الذي يسمّيه الكردي: التاريخي منه، والجغرافي، والاجتماعي، والنفسي، والثقافي..الخ، أكاد أجزم أن ليس من نظير للكردي فيما تقدَّم، وكون اللقاءات بالجملة، والمناسبات التي تضاعفت (أحياناً أكثر من نشاط في اليوم الواحد)، إلى درجة أنه لم يعد في وسع الكردي “المخدوع” هنا، أن يلبّي الطلبات عبر بطاقات تحمل علامات فارقة، وما أكثرها، تفصح عن أن الكرد لم يكوّنوا وحدة، وأنهم غير قادرين أن يكوّنوا وحدة، وأنهم في ضوء ذلك، سيستمرون على هذا المنوال دون أن يكوّنوا وحدة، في الأبعد من المدى المنظور، وليكون لدينا هذا التناسل والتنافس والمطاردة بين هذا الكردي الكذاب والكردي المهرج والكردي المخدوع، وفي الحالات الثلاث: الكردي الانتهازي الذي يسيل لعابه، وهو يتحرك ذيلياً هنا وهناك، رغم أنه في نفسه يسخر من الجميع، ليكون جامعاً في ذاته بين الكذاب والمهرج والمخدوع!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…