يرحّب العريف بالحضور، أعني يمارس التهريج في مواجهة الكردي المخدوع الذي يتابعه، حيث صدى وحدة الكرد والوحدة الوطنية يتردد في فضاء القاعة.
تكون البداية كما هو العُرف الكردي المستهلَك: الوقوف دقيقة صمت على شهداء الكرد والبلاد، وهو زيف آخر في حصّالة التزييف الكردي للكردي، والكردي لغير الكردي، وما استقاه الكردي كذباً من سواه الكذاب، ضارباً عرض الحائط ” المسكين” كل ما له صلة بالذين ماتوا ولم يكونوا شهداء، إنما أناس عاديون، وآخرون ماتوا وكانوا شهداء حقاً، ولكنهم لا يستحقون شرف الوقوف على أرواحهم، وثمة الذين صاروا برسم الشهداء رغم أنف الشهداء الحقيقيين..، وما أكثر الوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء، وهي كذبة فولكلورية مشتركة بين الكردي الكذاب: العريف، والكردي المهرج الذي يكون متحالفاً معه، وهو يتابعه بعمق، للتأكد من سلامة أداء الدور، والكردي المخدوع الذي يراد له أن يستمر في انخداعه، لتكون المناسبة ناجحة، وكل ذلك تحت اسم الشهيد، وهي حيلة فاقعة ناقعة لاسعة، من حيل الذين أوجدوا شهداء لهم، ليكون في مقدورهم أن يستمروا، وألا يصابوا بأذى، باعتبارهم خصوماً للموت، حرصاً على مواقعهم.
فتتسع دائرة الكردي الكذاب والكردي المهرّج والكردي المخدوع، وخصوصاً في الوضع الراهن، حين يتملك الوقار الجميع، ويعلم هؤلاء الجميع، بدءاً من العريف متقن فن الكذب، وإلا لما اختيرَ عريفاً في الأصل، ومن يعنى بأمره وهو مخرّج الكذابين، ومن يحيط به ممن تتفاوت مراتب كذبهم وتهريجهم، وثمة بضعة من المخدوعين الذين لا مفر من أن يسمعوا وهم في واد، ويصفقوا وهو في واد آخر، وينتظروا لحظة الخروج على أحر من الجمر، وسط التأكيد على أن ثمة وحدة شعب، ووحدة بلاد لا بد أنها آتية، وثمة تشديد على أن خطى تأكيد الوحدة الوطنية تتضاعف وتأتي أكُلها.
وسط هذا الحضور الكاريكاتيري والفظيع، يمكن لمشخص حالة أن يستفظع ما يجري، من خلال نوع من التقابل بين جالس ومن يجلس بجواره: اثنين لا يدّخران جهداً في النيل من بعضهما بعضاً في الذم والتحقير والوعيد، وهما يتبادلان الابتسامات مع كل التفاتة ممثَّلة، ولا بد أن كلاً منهما يقول للآخر: ez…،” أي أنا….” لتتم المتابعة والمواجهة، حيث يمكن توسيع ومن ثم تعميم هذا المثال على الجميع مع استثناءات تعمق الشروخ القائمة، والشارع هو شاهد العيان الأوحد على هذا النفاق الجاري.
في الحالة هذه ليس في وسع أي كان، من أعداء الكرد، ودون استثناء، عربياً، أم سريانياً أم أرمنياً، أن الكردي لم يدخل التاريخ في بابه العريض من خلال التمكن من لعب دور الكذاب والمهرج والمخدوع، عبر خبرة عقود زمنية طويلة.