الوجه الآخر «لبروباكندا» الحرب الأهلية

صلاح بدرالدين

  في توقيت متزامن وفي بحر الاسبوعين المنصرمين صدر اكثر من تحذير من جهات دولية حول بدء أو اقتراب حدوث ” الحرب الأهلية ” في سوريا دشنه بادىء ذي بدء أحد المسؤولين في هيئة الأمم المتحدة وتبعه وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وكان قد سبق الجميع مسؤولون عرب وأتراك وكما يستدل من مضامين تلك التحذيرات فانها تشير بأصابع الاتهام الى السلطة الحاكمة في مخططها لاستدراج الطائفة العلوية بالكامل التي تناهز 14% من سكان البلاد وكذلك أتباع الديانة المسيحية ومجموعات دينية ومذهبية أخرى الى صفوفها عبر التخويف والزعم بأن البديل سيكون وبالا على (الأقليات !) وأن الغالبية – السنية – بزعامة الاخوان المسلمين ستنتقم من الآخر المختلف أو تقصيه عن المشهد في أحسن الأحوال اذا ماسيطر على مقاليد أمور البلاد ولذلك –
وبحسب ماتراه تلك الأطراف الخارجية – فان سوريا وفي حال تشبث رأس النظام بالتمسك بالسلطة وعدم الاذعان لارادة الرحيل مقبلة على مواجهات وصراعات ذات الطابع الديني – المذهبي .
 النظام الحاكم يدافع عن نفسه لفظيا كما هي عادته ويزيد بأنه يواجه حركات أصولية وارهابيي القاعدة نافيا حدوث أية ثورة وطنية شعبية في سوريا وأن المقابل أي (الانتفاضة الثورية الدفاعية وملايين المتظاهرين السلميين المطالبين باسقاط النظام ومئات التنسيقيات الشبابية ومجاميع المعارضة الوطنية الديموقراطية الذين قدموا عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمشردين) هو من يبحث عن فتن وصدامات وتقاتل بين الأطياف السورية ويستهدف طائفة الرئيس والطوائف الأخرى الأقل عددا التي يحميها النظام الحاكم بحسب زعمه وأن سلطة الدولة القائمة تدافع عن السيادة وتطهر مناطق التوتر من الخارجين على القانون ! .
 وهنا نتساءل نحن معشر المنتمين الى الثورة والمؤمنين بأهدافها مع كل الوطنيين الحريصين على وحدة البلاد والتعايش السلمي الأخوي بين مكونات الوطن المتعددة الذي تمتد جذور وحدتها الصلدة الى أعماق التاريخ هل فعلا نحن مقبلون على – حرب أهلية ؟ – وهل هناك عوامل موضوعية وذاتية لحدوث ذلك ؟ وهل أن الثورة الوطنية المندلعة منذ ستة عشر شهرا لتحقيق التغيير الديموقراطي ومن أجل الحرية والكرامة تؤسس لحرب أهلية ؟ ومن هو المسؤول عن العمل من أجل تشويه صورة الثورة واعتبارها حركات مسلحة ارهابية تفتيتية ؟ ولمصلحة من أصلا نشوب الصراعات الأهلية ؟
    في تعريفها – للحرب الأهلية – تحدد المعاجم والمصادر العلمية بأنها ” الحرب الداخلية في بلد ما التي يكون أطرافها جماعات مختلفة من السكان.

كل فرد فيها يرى في عدوه وفي من يريد أن يبقى على الحياد خائنا لا يمكن التعايش معه ولا العمل معه في نفس التقسيم الترابي ..

” ” ؛ وقد تكون الحرب الأهلية  طائفية أو عرقية أو إثنية أو سياسية ” ” من البلدان العربية التي شهدت حروبا أهلية مدمرة، لبنان، ذلك البلد الصغير والجميل الذي طحنته الحرب الأهلية خمسة عشر عاما (1975-1990)، وحصدت أكثر من 130 ألف قتيل ” ” وفي العراق، فقد نشبت حرب أهلية في الفترة (2003-2007) رغم الاحتلال الأمريكي، والتي بدأت على شكل استهداف وتفجير الأضرحة والمساجد التابعة للسنة والشيعة على حد سواء،” ” وفي الولايات المتحدة الأمريكية، نشبت حرب أهلية خلال الفترة (1861 – 1865 – 1865) بين الحكومة الفيدرالية التي عرفت بـ”الاتحاديين” مقابل إحدى عشر ولاية جنوبية متمسكة بالعبودية، وأسست هذه الولايات ما سمي بـ”الولايات الكونفدرالية الأمريكية”، ” شملت الحرب الأهلية أكثر من 60 دولة بالعالم في غضون القرن الأخير ” .
  في مقارنة بسيطة وسريعة بين مشهد الثورة السورية من جهة وبين حالات – الحرب الأهلية – قديما وحديثا نتوصل الى حقائق دامغة حول اختلاف الوضع السوري شكلا ومضمونا كبلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب فالثورة السورية وطنية وليست متوقفة على طيف واحد قوميا ودينيا ومذهبيا وتهدف الى تحقيق الديموقراطية لكل السوريين وليست صراعا بين الأقوام والمكونات أو بين الشمال والجنوب أو بين الشرق والغرب وقامت الثورة أساسا من أجل اعادة التوازن بين مختلف المكونات الوطنية بالشراكة الحقة في السلطة والثروة بدلا من استئثار فريق واحد في التسلط اقتصاديا وعسكريا وأمنيا هذا بالاضافة الى تقاليد الشعب السوري الوطنية الوحدوية المتآلفة وتحصنه أما دعوات التفرقة والمواجهة طوال التاريخ منذ العهد العثماني وحتى اليوم وبشكل خاص في مرحلة التحرر الوطني من أجل الاستقلال حيث تشارك العربي والكردي والمسلم والمسيحي والسني والعلوي والدرزي والاسماعيلي في تقديم التضحيات والثورة على الاستعمار .
 منذ بداية الانتفاضة الثورية والنظام يبذل قصارى جهوده الأمنية والاعلامية من أجل تلطيخ سمعة الثورة وحرمانها وتجريدها من صفاتها وميزاتها الوطنية النزيهة اعتمادا على امكانيات الدولة وأبواقه الاعلامية وشبيحته والموالين له تارة باعتبارها حركة دينية ومذهبية معادية (للأقليات) الأخرى أو عناصر عميلة لتركيا وأردوغانها  أو محاولة عنصرية للتحارب بينالأقوام وخاصة كما نلحظ المحاولات القديمة والجديدة لاثارة الفتن بين العرب والكرد (كما حصل في حي الشيخ مقصود بحلب) وكما رسم له في العديد من مناطق الجزيرة حيث كانت يقظة الوطنيين الكرد والعرب كفيلة بخنق تلك المحاولات بالمهد بل يسير الكرد والعرب والكلدان والسريان معا وسوية في التظاهرات وخاصة في القامشلي والهدف كما ذكرنا هو الاساءة للثورة واظهار وجه أسود عنصري غريب لها بين أوساط الشعب وأمام الرأي العام .
  عندما تقوم شبيحة النظام باستهداف جماعات معينة ذات اللون الواحد في مناطق معينة فهو عمل صريح لاثارة الغرائز وتحويل الصراع السياسي الى مواجهات مذهبية أو دينية أو حرب أهلية وعندما تقوم جماعة (ب ي د) بمحاولة التسلط على القرار الكردي والاعتداء على الآخر المختلف بأسلحة ودعم النظام واقامة الحواجز العسكرية واختطاف الناس فهو عمل صريح لاشعال الحرب الكردية – الكردية الأهلية .


 نعم ليس خافيا ركوب بعض التيارات موجة الثورة وخاصة في أوساط المعارضات ومن بينها تيار الاسلام السياسي المتحالف مع التيار القوموي وليس خافيا أيضا أن بعض تلك الأطراف تنوي السوء بالثورة ولكن الأصح أنها لاتقرر مصير الثورة وعاجزة عن السيطرة عليها (تصريح السيد مرشد الاخوان حول طمأنة الأقليات قوبل بالاستهجان من جانب الوطنيين السوريين لأنه يعتبر نفسه مصدرا لطمأنة الآخرين وكأنه حاكم سوريا القادم) ومهما قيل عن مخاطر تلك التيارات فان الخطر الأكبر يبقى سلطة الاستبداد والأولوية لاسقاط النظام وتفكيك سلطته الاستبدادية في هذه المرحلة التي نجتازها .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….