بيان ثقافي أول إلى …

 إبراهيم محمود

لأن الحالة الثقافية المتردية التي نعيشها كردياً، قد بلغت أسوأ مرتبة لها، بتأثير ملحوظ من المعنيين بشئون الأحزاب الكردية وسياسييها، وكان من المفترض أن تكون في تحسن جلي في ضوء المستجدات الراهنة وانتشار الانترنت وغيره، والسبب لأن الكاتب أو من يعتبر نفسه مثقفاً،لا يزال يرى في السياسي مرجعاً له في تحديد نشاط له في مركزه الحزبي دعاية لحزبه بالذات ولشخصه المتخم بالبهرجة، رغم أن هذا الكاتب أو المثقف لا يكف عن لوم السياسي ونقده واعتباره المسئول مسئولية كبيرة عما آل إليه الوضع كردياً.
لهذا، فإن الخطوة الأولى في التحرر من هذه العبودية التحزبية، والانجرار وراء وصايات الحزبي، هو البحث عن مسار آخر له، من خلال النشر الانترنتي أو تقديم نشاط بعيداً عن أي إعلام تحزبي، ولو عبر لقاءات ثقافية أو أدبية أو فنية محدودة العدد ولكنها ضامنة لأن تكون مثمرة وذات صدى إيجابي أكثر في المجتمع أو في الوسط الكردي.
الكاتب الفعلي الحقيقي بطبيعته يمثّل الوجه المعارض في مجتمعه، باعتباره الناظر في كل اتجاه، وبالنسبة للكردي يكون المطلوب منه مضاعفاً، حيث إن السياسي الكردي أو الحزبي الكردي لم يوجد حتى الآن، ولم يحتضن سوى مخصيين أو من يريد خصاءهم، حيث إن هؤلاء لا يتصرفون ولا يقومون إلا بما ينصبه السياسي أو الحزبي ذاك من سقف واطئ، وهو يشرف عليهم من عل ملؤه غبطة ونشوة مما يعيش ويشهد.
يعيش الكاتب أو المثقف الكردي في صراع شديد الوطأة مع نفسه ومع وسطه، وكله شكوى لأن لا أحد يصغي إليه، وفي الوقت نفسه يجد ضالته في صوت السياسي أو الحزبي الكردي الذي يتنفس الصعداء كلما اقترب منه هازئاً به.
فليُترَك السياسي أو الحزبي جانباً، واعتماد التفكير في الروح الثورية والمتمردة والمبدعة التي تشد الكاتب أو المثقف الكردي إلى الحياة بأعمق معنى، إنها فرصته الوحيدة والسانحة لكي يحرر الوصي عليه نفسه من وهم أنه مقرّر مصيره.
لا بد من لمّ الشمل الأدبي والثقافي في مواجهة هذا الاستهتار الحزبي أو السياسي الكردي بما هو ثقافي كردي.

إن الخطوة الأولى والتي تمضي به إلى الفضاء الرحب، هو ضرورة رفع كل الأسماء الثقافية والأدبية عن تلك المراكز والقاعات التي وجِدت ودشّنت حديثاً، حيث إن أصحابها عانوا الكثير من السياسي أو الحزبي الكردي، وليس من إمكان لإعادة الروح إلي أي منهم، أكثر من تحريرهم، حيث هم بمثابة الطُّعم لكل نظير له في الأدب والثقافة.

إن دماءهم تنز فوق هاماتنا بكل حرارتها وأوجاعها، وهي تزداد غزارة سفح ٍ بقدر الصمت المضطرد إزاء التنكيل بهم..
ليسموا مراكزهم وقاعاتهم المزعومة ثقافية وما يرادفها بأسماء حزبية أو سياسية كردية تعنيهم مباشرة، والكف عن ممارسة الخدع والألاعيب على من ينشد الحرية والرحابة، وتدجينه باحتوائه داخل محميته الثقافية الخانقة.
إن تسمية المركز أو القاعة باسم أدبي أو ثقافي ليس أكثر من اعتراف بمدى نجاعة التصرف، وفي الطرف الآخر، بيقين المسمّي أن اعتماد تسمية حزبية أو سياسية يعني الإفلاس والفشل الذريع.
إن التأكيد على شعور الكاتب أو المثقف بأنه حر، ويريد الإبداع، وليس عبداً أدبياً أو فنياً أو ثقافياً لأحد، هو التفكير في الحال في الاتجاه الآخر، والبحث عن نظير أدبي أو ثقافي أو فني له خارج رعاية حزبية أو سياسية كردية.
حتى الآن يتصرف السياسي أو الحزبي الكردي، وكأنه الأول والأخير، وليست الطريقة الكاريكاتيرية في تشكيل ما يسمى بـ(المجلس الوطني الكردي)، وضم بعض من الكتاب الكردي، بجعلهم تابعين له وفي الظل في الغالب، دون إيلاء أي اعتبار للصامتين المدركين لخطورة ما يجري، سوى الدليل الدامغ على انتفاء أي تعلم من التاريخ ومن المستجدات.
ليتعلم السياسي أو الحزبي الكردي من الآخر هذه المرة، ليلتفت إليه  ولو لمرة واحدة، ليوحي أنه ليس أسير نرجسيته، ليكن على بيّنة من أن الذي يجري يظهر مدى استهانته بالمستجدات، وهو المأخوذ بكلمات مستنسخة ميتة في المجمل.
ليخرج السياسي أو الحزبي الكردي من قمقمه، وليعترف بحضور الكاتب أو المثقف مقابله، ومرجعه عند الضرورة، طالما أنه لا يفكر إلا في اتجاه واحد، وأن إصغاءه إلى المثقف دخول به إلى رحابة التاريخ.
ليصحُ الكاتب أو المثقف المستأنس بحزبيّه أو سياسيه الكردي من غفلته، وليبرهن ولو لمرة واحدة أنه صادق مع نفسه، وليس منافقاً وانتهازياً، حين يقول لا لهذا الخراب الروحي الكردي الذي يمارسه الحزبي أو السياسي الكردي.
إن خطورة الأوضاع وتجلي المجتمع الممزق الذي نعيش فيه هو الذي يستوجب القيام بمثل هذه الخطوة.
إن عدم الدخول تحت الضوء ليس أكثر من الخوف من الظلام الذي يمنعه من الرؤية.
مغامرة الدخول في التاريخ تتطلب الجرأة، كما هي الثقافة الجادة والناهضة، فلا نامت أعين الجبناء…!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….