من المعروف لدى الجميع أن النظام في سوريا-خاصة بعد الحركة التصحيحية- حاول الإجهاز على الحياة السياسية في البلاد عبر أجندة تم الإعداد لها بدقة وإحكام، منها:
– الاعتماد التام على القرار الأمني في كافة مفاصل الحياة في سوريا السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية…بحيث لا يمكن أن يصدر قرارا يخص حياة الناس دون موافقة هذه الأجهزة إلى درجة أن السلطات الأمنية حلت محل مختلف مؤسسات الدولة (التربية، القضاء، البلديات، قضاء، زراعة ….) من تزكية مواطن بسيط ليشغل إحدى الوظائف في دوائر الدولة إلى تزكية مدير عام أو وزير أو المناصب القيادية في حزب البعث الحاكم…إلخ.
وبحيث تكونت لدى المواطن قناعة تامة وسادت في المجتمع ثقافة خاصة تتضمن أن حل أية مشكلة مهما صغرت تخص دوائر الدولة أو تخص الحياة الاجتماعية، على سبيل المثال لا الحصر الخلاف العائلي بين الزوج وزوجته لا يمكن أن يجد طريقه إلى الحل إلا عبر المرور ببوابة الأمن!!.
– طالما أنيطت كل هذه المهام بالأجهزة الأمنية كان من الطبيعي التوسع والإكثار منها، بحيث غطت وتغطي كل بلدة ومدينة على مساحة الأراضي السورية.
– إطلاق يد عناصر هذه الأجهزة بعد إقرار العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية وبشكل مقصود ومدروس لتزرع الرعب في نفوس المواطنين وتنشر الفساد في البيت والشارع والمؤسسة…إلخ.
– تم التعاطي مع الحياة السياسية ممثلة بأحزابها العربية والكردية منها عبر هذه القنوات الأمنية، فأصبحت هذه الأجهزة تفعل فعلها، فتقدم المغريات إلى ضعاف النفوس وتهدد أصحاب الضمائر الحرة منهم بالوعيد، وإنْ هم أبوا الامتثال لإرادة هؤلاء الأشرار!!، فإنهم يلاقون الويل على أياديهم.
ونتيجة لهذه الضغوط المتزايدة التي تعرضت لها هذه الأحزاب ومنتسبيها من قمع، ملاحقة ومطاردة, سد أبواب الرزق أمامهم… حلت بهذه الأحزاب ما حلت من انشقاقات وأزمات …وفقدت تواجدها وشعبيتها بين الناس وأصبحت غالبية قياداتها تعيش في عالم خاص بهم بعيدة عن هموم الناس ومعاناتهم، وبذلك حرمهم النظام من سندهم الشرعي الوحيد – الذي هو الشعب بأبنائه – حيث وجدت هذه القيادات الوهمية ضالتها في العيش على فتات هذا النظام وتركوا الشعب جانباً وتناسوا أن الشعب هو مصدر قوتهم وشرعيتهم.
هذا جزء من صورة الحقيقة التي آلت إليها الحياة السياسية في سوريا، ولم تكن الحياة السياسية الكردية ممثلة بأحزابها بمعزل عن هذه التطورات والتغيرات، فتعرض جسدها أيضاً إلى النخر والتآكل، فكانت هذه الجهات الأمنية تداعبها أحياناً وتلوي عنقها أحياناً أخرى, وساد اعتقاد في الشارع الكردي أن حل القضية الكردية في سوريا يمر عبر البوابة الأمنية وتناسى أصحاب هذا الاعتقاد أن القضية الكردية هي جزء من قضية الديمقراطية في البلاد، وأن الأجهزة الأمنية ليست في وارد إيجاد حلول لمشاكل الوطن والمواطن، وإنما لها أجندتها الخاصة بها، وفي الوقت نفسه، عملت الجهات الأمنية على دفع الأكراد وتوجيه أنظارهم إلى خارج الحدود السورية وإيهامهم بأن القضية الكردية في سوريا تحل عبر بوابات عواصم إقليمية أخرى وليس عبر بوابة دمشق!!.
وتعرض الخيرون من أبناء هذا الشعب من أحزاب وشخصيات وطنية ومؤسسات إلى مثل هذه الأطروحات الهدامة والمسيئة في الوقت نفسه لنضالات الشعب الكردي في سوريا وقضيته العادلة، هذه الأطروحات التي وصلت إلى درجة التشكيك بحقيقة وجود شعب كردي في سوريا يعيش منذ فجر التاريخ على أرض آبائه وأجداده.
وكان حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) – الذي يفتخر محي الدين شيخ آلي بأنه أحد مؤسسي هذا الحزب وأحد أبرز قادته- إلى جانب أغلبية أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سوريا، ممن تصدوا لهذه الأجندة التي تهدف إلى نكران الوجود الكردي وجعل القضية الكردية دمية بيد الدول الإقليمية واستخدامها عند اللزوم، وبالمقابل عملت هذه الأطراف وبذلت المستحيل من أجل لم شمل أبناء الشعب الكردي ممثلة بأحزابها السياسية والبحث عن إيجاد مرجعيات كردية تضم ممثلين لمختلف هذه الأطراف بالإضافة إلى شخصيات وطنية فاعلة على الساحة الكردية.
وبالموازاة عملت وتعمل هذه الأطراف على مد يد التعاون والشراكة مع الأحزاب والشخصيات الوطنية التي تعمل على الساحة السورية من أجل الوصول إلى إطار سياسي يجمع كل الفئات والشرائح الفاعلة، وما (إعلان دمشق) إلا ثمرة من ثمار هذا الجهد المتواصل الذي بذله ويبذله الخيرون من أبناء هذا البلد من عرب وكرد وآثوريين لتأطير نضالات الشعب السوري من أجل الوصول إلى التغيير الديمقراطي المنشود، فهذه الأطر الجامعة لنضالات الشعب السوري هي التي يحسب لها كل الحساب، وهي التي كانت وراء اعتقال السياسي البارز محي الدين شيخ آلي الذي كان له الدور المتميز في ولادة هذه الأطر وانطلاقتها.
———————
* ناشط سياسي