الكرد في الدقيقة الإضافية

صبري رسول

كلّ المعطيات المتوفر عن وضع سوريا، تؤكّد أنّ الثورة الشعبية تتقدّم وتزداد قوة، كما تؤكّد أنّ المواقف الدولية بشأن بلادنا، وتمادي النّظام في استخدام القوة المفرطة، وعدم جدية الأسرة الدولية في إيجاد حلّ سلمي للأزمة، قد أدخلَتْ سوريا في نفقٍ مظلم.

فما يتعلّق بالمواقف الدولية يمكن التأكيد أنّ حرباً بارداً قد بدأتْ من الساحة السورية، حيث تحاول روسيا القيصرية إثبات وجودٍ لها في الصراعات الدولية بعد فشلها في القضايا الدولية منذ انهيار رمز المطرقة والمنجل والحزب الأحمر الذي أوصل كادحي شعوب الاتحاد السوفيتي إلى حالة من الفقر والتسوّل، واستعادة مجدها الضائع، والتعويض عما خسرته في أوربا، وخاصة في البلقان وكوسوفو،
 كما أنّ روسيا التي ضحّتْ بصربيا نتيجة عجزها، وتخلّت عن العراق وليبيا، ولا ننسى هزيمتها في أفغانستان، وسلسة الهزائم السياسية والاقتصادية التي تلاحقها، تحاول التعملق على حساب الدم السوري، وإثبات موطئ قدمٍ لها في الصراعات الدولية، كلاعبٍ يعرف كيف يدير الأوراق في ثلاث مسائل حساسة كالدرع الصاروخي في أوربا الشرقية، والملف النووي الإيراني، والأزمة السورية،

طبعاً هذه المواقف تظهر على حساب غياب جدية الغرب في الحلّ المناسب، والاكتفاء بتسجيل المواقف، كمعادلٍ موضوعيّ للأحداث الدولية، وانعكاساتها على الساحة السورية، وفي هذا الوقت لا يبدو في الأفق أيّ بادرة للحلّ، فالنظام يستخدم كلّ ما يملكه من أسلحة حربية في معركته مع الشعب، ولا أحد يملك القوة السحرية لمعرفة سبيل الخروج من هذه الأزمة التي تُحرِقُ الأخضر واليابس.


وحدها المعطيات الميدانية تؤكّد دخول البلاد مراحل حرِجة، وحساسة، ومنعطفات خطرة، فلا حلّ في داخل البلاد وفق الدم المُراق، ولا حلّ إقليمياً ودولياً وفق الصراع الذي بدأت أشواطه الأولى على حساب سوريا، ولا مبادرات سياسية تلقى قبولاً.

في هذا الوقت بدل الضائع كيف يرى الكرديّ مستقبل شعبه وسط هذه الحرائق اللعينة؟
بمَ يفكّر الكردي؟ ما البرامج العملية التي يرسمها واضعاً المصلحة الكردية العليا نصب أعينه؟
مانشاهده على الأرض، وما نسمعه، وما نستنتجه، يُثبتُ أنّ ساسة الكرد (من قادة الأحزاب أو المستقلين والفعاليات الأخرى المهتمة بهذا الأمر) لم يرتقِ مستوى تفكيرهم السياسي إلى مستوى التحديات المحدقة بالبلاد.

فكلُّ يركض وراء كسبٍ آنيّ وشخصي، سواء على المستوى الشخصي أم الحزبي أم في إطارات أوسع(المجلس الوطني الكردي، ومجلس شعب غربي كردستان، واتحاد القوى الديمقراطية) فكلّ يريد إحراز نصرٍ هشٍّ هنا أو هناك، وإثبات نفسه على أنّه القوة التي تتحكّم هناك أو هناك.


ويمكن الإشارة هنا إلى البيان الثلاثي بين المنبر الديموقراطي السوري والكتلة الوطنيّة السوريّة والمجلس الوطني الكردي في سوريا المنشور قريباً كمؤشر على ولادة تفاهمات جديدة، وأعتقد أن الذين وقعوا البيان من الجانب الكردي لم يلجؤوا إلى استشارة قيادة المجلس، مما يولّد تساولاتٍ صعبة، وقد يصعب على المجلس الكردي التعاطي مع البيان.


الكرد منشغلون بهذه الأمور، ومدافع الوقت تُطلق دقائقها إنذاراً بأنّ الدقيقة الإضافية أوشكتْ أن تنتهي؛ مثلهم كمثلِ رجالِ الدّين الذين تصارعوا واختلفوا على جنس الملائكة (هل الملائكة ذكورٌ أم إناث)؟ بينما كانت المدافع تدكّ عاصمتهم (قسطنطينية) وهي قاب قوسين أو أدنى من السقوط.


سننتظر عما يمكن للكرد أن يفعلوا، وهل ستظهرُ مهاراتُهم في استغلال الدقيقة بدل الضائعة لإحراز النّصر وعمل شيء يُسجّل لهم على مدى التاريخ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…

خليل مصطفى ما تُظهرهُ حالياً جماعة المُعارضة السورية (وأعني جماعات ائتلاف المُعارضة المُتحالفين مع النظام التركي) من أقوال وأفعال مُعادية ضد أخوتهم السوريين في شمال شرق سوريا، لهي دليل على غباوتهم وجهالتهم ونتانة بعدهم عن تعاليم وتوجيهات دين الله تعالى (الإسلام).؟! فلو أنهُم كانوا يُؤمنون بالله الذي خالقهُم وخالق شعوب شمال شرق سوريا، لالتزموا بأقواله تعالى: 1 ــ (تعاونوا على…