برعاية رابطة الكتاب والصحفيين الكورد, الكاتب محفوظ رشيد يقدم محاضرة بعنوان «ذهنية التكتل وثقافة التشظي»

(قامشلو – ولاتي مه – خاص) السبت 9/6/2012 بدعوة من رابطة الكتاب والصحفيين الكورد اقيمت محاضرة للكاتب محفوظ رشيد بعنوان: «ذهنية التكتل وثقافة التشظي»وذلك في قاعة المؤتمرات في قامشلو.

افتتح الجلسة الناشط خوشناف مرحبا بالحضور باسم الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا ورابطة الكتاب والصحفيين الكورد في سوريا, ودعا الى الوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الثورة السورية وشهداء الكورد, ورحب الكاتب احمد حيدر باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكورد بممثلي الاحزاب السياسية والكتاب والصحفيين و الفعاليات الثقافية , الاجتماعية والتنسيقيات الشبابية, واكد ان هذه المحاضرة تندرج ضمن فعاليات الرابطة في تفعيل الحراك الثقافي كشكل من اشكال النضال السلمي ضد الظلم والقهر والاستبداد , وتحدث حيدر عن تاريخ وظروف تأسيس الرابطة وتركيبتها واستعرض الأعمال التي قامت بها, واشار الى صدور العدد الأول من جريدة “القلم الجديد” الناطقة باسم الرابطة, ودعا الى حماية الرابطة من الانشطار..

من جانبه السيد آرشك بارافي رحب بكلمة ارتجالية باللغة الكوردية بالحضور واكد ان هذه المحاضرة هي فرصة للتلاقي وتبادل الأراء وتمنى لهم الاستفادة من هذه المحاضرة..
ثم بدأ الكاتب محفوظ رشيد بقراءة محاضرته التي سننشرها كاملة في نهاية هذا التقرير ليطلع عليها الجميع ولتكون مادة للنقاش امام المهتمين .
جرى بعد ذلك نقاش موسع من قبل الحضور, منهم من تطرق الى موضوع المحاضرة وطرح حلول واقتراحات, ومنهم من بحث الوضع الكوردي بشكل عام بعيدا عن موضوع النقاش..
وقد أشار احدهم الى ضعف القاعدة الحزبية للعديد من أحزاب المجلس الوطني الكردي وقال ان الكثير من احزاب المجلس لا يملكون عضو واحد في بعض المدن كـ “تربه سبي” مثلا , واقترح على المجلس ان يطرح قانون للأحزاب ضمن المجلس لوضع آلية لدمج الأحزاب التي لا تتوفر فيها شروط الحزب, وتقليص عدد هذه الاحزاب إلى ثلاثة أو أربعة أحزاب فقط..
 ونوه كل من الدكتور فريد سعدون والكاتب احمد اسماعيل الى خلو المحاضرة من المعالجة الفكرية بل مجرد توصيف للحالة القائمة ودعا السيد إسماعيل الى ثورة ثقافية ضد المفاهيم الخاطئة , وأشار الى سياسة الاضطهاد والتهميش التي مارستها الأحزاب ضد المثقفين والشباب ..


وارجع السيد فؤاد عليكو العلة في العقلية العشائرية التي تتحكم في قيادات الاحزاب وتاثر مناهجها بالستالينية والأحزاب الشيوعية, وانتقد طريقة تشكيل المجلس الوطني الكردي التي غلبت عليها العقلية الحزبية وتعيين المسقلين من قبلها فبات هؤلاء تابعين للاحزاب وبالتالي يتخوفون من ابداء أي راي مخالف لها..

واقترح تشكيل مؤسسات المجتمع المدني لينتخبوا ممثليهم بحرية الى المجلس الوطني..
ودعا السيد دروست الى مراجعة الذات لبناء المجلس على اسس صحيحة, ودعا ايضا الى محاربة الانشقاقات داخل المجلس وليس مكافئتها, واستغرب وجود احزاب لا يتجاوز عدد أعضائها أصابع اليد الواحدة , ودعا الى تشخيص الأخطاء وعدم السكوت عليها…
ولم تخلوا بعض المداخلات من انتقاد موجه للرابطة ودعوتها الى الشفافية في العمل وافساح المجال امام الآخرين من خلال الدعوة لعقد مؤتمر عام لانتخاب قيادة جديدة لها ..

المحاضرة : ذهنية التكتل وثقافة التشظـّي

المحاضر : محفوظ رشــيد              1/5/2012

      منذ استيلاء نظام حزب البعث على الحكم في سوريا، تصحّرت الحياة السياسية، وأُفرغت أغلب الأحزاب بمختلف مناهلها وتوجهاتها الموجودة على أرض الوطن من مضامينها ومفاعيلها، فتمزقت أوصالها، وتحول قسم منها إلى عصائب انتفاعية وأخرى تابعية لا حول لها ولا قوة، اقتصرت مهمة الكثير منها على الهتاف باسم الحزب والقائد والمبايعة الأبدية له، واعطاء الشرعية لسلطاته وأحكامه، وقسم آخر إلى فصائل متمردة نالت القمع والتصفية بكل حزم وقسوة، وقسم إلى جماعات مترددة متشبثة بالمنطقة الرمادية المائلة إلى السواد.
     لم تسلم  فصائل الحركة الكوردية السياسية من تلك التأثيرات والتبعات والاجراءات، إلا أن الخصوصية القومية لها ببعديها القومي والوطني، والقوانين الاستثنائية والمشاريع العنصرية المطبقة بحق الكورد ومناطقهم مكنتها من الاستمرار رغم  مساراتها الوعرة والمتعرجة عبر مراحل نضالها المليئة بالتحديات والأزمات والمفاجآت..، فالصراعات الايديولوجية، وتدخلات القوى الكوردستانية في شؤونها، وتفاهمات الأنظمة المقتسمة لكوردستان واتفاقاتها الأمنية عليها، وتفشي الفساد والاستبداد والقمع في المجتمع والدولة، وبتركيز استثنائي في المناطق الكوردية (حيث الموروث القديم من العلاقات اجتماعياً والمتخلف اقتصادياً الذي نشأن نمطاً غير متطور في الفكر والوعي) وغياب الارادة الدولية، والخلافات الحزبية والخصومات الشخصية والعائلية، وعدم جدارة بعض قياداتها وعدم أهلية كوادرها، ..

وغيرها من العوامل نشرت ثقافة التآكل داخلياً ورسخت ذهنية إعادة الإنتاج في آليات العمل والتفكير والتنظيم، فأصبح التشظي سمة، والتعصب منهجاً، والتخندق والاصطفاف سلوكاً…
    فقد أصبحت أعداد الأحزاب كبيرة وغيرمنطقية، لاتتوافق مطلقاً والحالة الكوردية ديموغرافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً..

وأضحت أسماؤها كبيرة وعناوينها متشابهة لهياكل تنظيمية بعضها صغيرة إن لم نقل مهملة، تفتقر إلى أبسط شروط ومقومات تشكيل الأحزاب (فمثلاً جاء في قانون الأحزاب الذي أصدرتها السلطات العام الماضي الشروط الواجب توفرها في الحزب المراد ترخيصه، نذكر ثلاثاً منها ،الأول أن يتواجد الحزب في خمسة محافظات على الأقل، والثاني ألا يقل عدد أعضائه عن 1000 ،والثالث أن تكون لها ميزانية معتبرة)، وبخاصة التي تتصدى لمهام جسام كالتحرروالتقدم والديموقراطية والسلام ..(وبأكثر خصوصية ضمن الأوضاع الصعبة والظروف الاستثنائية الراهنة)، وتعوز غالبيتها إلى قواعد جماهيرية معتبرة ومؤثرة، وتفتقر أيضاً لمشروع سياسي واضح، ولبرامج وخطط (تكتيكية واستراتيجية) عملية وواضحة على الصعيدين القومي والوطني، وراحت تنزف طاقاتها المتجددة والحيوية على الدوام، حتى أصبحت بقاؤها وحمايتها غاية بحد ذاتها دون المطلوب والمأمول، وذلك خدمة لمصالح أفرادٍ(بقاؤهم واستمرارهم مرهون بها) وتنفيذاً لأجندات جهات ، وأضحت أداة ووسيلة بأيد قيادات تمرست على البقاء في مواقعها، متحديةً كل الإرادات والتغيرات والتطورات..، ومعطلة كل القواعد والأعراف والتقاليد التنظيمية والديموقراطية المتبعة عالمياً، فقد وصلت معظمها إلى حدّ تغوّل الوهن والجمود والتقوقع والعجز في أجهزتها الفكرية والحسية والحركية، مما أدت إلى تشكل فراغ في المجتمع الكوردي، والسماح بانتعاش تيارات دينية وعشائرية فيه، وظهور منظومات (متطرفة وشمولية ومتشددة…) غريبة عن عاداتنا وتطلعاتنا وقيمنا، حاولت السيطرة على الشارع الكوردي ودفعه نحومسارات تسيء بشكل أو بآخر لقضايانا وخصائصها القومية والوطنية وحقوقنا المشروعة والعادلة.
    استمرت فصائل الحركة التحررية الكوردية على هذا النمط والمنوال غير مؤثرة على الأوضاع الطارئة والظروف المستجدة بالشكل المطلوب ، ففي كل مرة تداهمها أحداث وتفاجئها تحولات على الصعيدين الداخلي والخارجي لعدم استعدادها لها، وتعبرعن عدم قدرتها على مواكبتها واستثمارها لصالح القضية الكوردية، وخير مثال على ذلك أحداث 12 آذار  2004 ومجرياتها وتداعياتها، فبعد أن تتلقى الصدمة ويفوت الأوان تحاول مترددة خجولة البحث عن ذاتها وتلملم جراحاتها ، فتراجع حساباتها وتعيد تعريف نفسها من جديد، وترتب أوراقها  لتحدد مواقعها المناسبة ومواقفها المطلوبة على الساحة وهكذا تتكرر الحالة، وحينما تشعر بالخطر على وجودها ككيانات منفردة ومستقلة تتذكر حينها أهمية العمل المشترك، فتسارع الخطى وتتوجه إلى الجماهير بشعارات قومية عالية السقف والنبرة، وتطالب بتوحيد البيت الكوردي وترميمه وتقويته، استثماراً لذاك الخيار الحتمي والضروري، والعامل الهام والاستراتيجي (سابقاً ولاحقاً ودائماً) في بناء الحركة الوطنية الكوردية، والمطلب الجماهيري الرئيسي منذ الانشقاق الأول في جسم الحزب الأم (المحاولة الأولى على يد البارزاني الخالد في ناوبردان 1970) ولتاريخه،، ذاك المطلب الذي كانت تستثمره الأحزاب مزاجياً وآنياً لأغراض حزبية محضة ، وتستعيض عنه بردود أفعال غيرسليمة ،وذلك بنشكيل تحالفات أوتفاهمات ثنائية وثلاثية ولمراحل زمنية معينة (جبهة،ميثاق،تحالف،..).


     في مثل هذه الظروف الحرجة والغامضة تبدأ الأحزاب بطرح رؤاها ومشاريعها، فتتعدد المقترحات والآراء، وتكثرالأطر والكتل، وتطول النقاشات والحوارات، إلى أن تمر الحالة فتبرد المشاعر وتخور الهمم، وتنتفي دواعي الاجماع وتزول أسباب الوحدة(تزول ردود الأفعال بزوال الأفعال)، ويعود كل فصيل إلى مداره المعتاد والآمن، ويرجع إلى آلياته المعتادة والمألوفة.
    أن التراكمات الثقيلة والتغيرات العارمة في ظل العولمة ومفاهيمها العصرية وتقنياتها الهائلة، والتي جعلت من الكرة الأرضية قرية صغيرة في كافة المجالات، وخاصة في مجال المعلوماتية والاتصالات فرضت عليها انتاج اطار تجميعي شامل لها والمتجسد بالمجلس السياسي الكوردي ثم مشروع مجموع الأحزاب الكوردية قبيل بدء الربيع الشرق اوسطي بوقت قصير، واللذان لم يدوما طويلاً بسبب تباين الآراء والمواقف وتفاقم الخلافات الحزبية وعدم الاحساس بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها، واختلاف وجهات النظر من الأحداث الجارية آنذاك، والتى كانت منقسمة أصلاً على نفسها ومتوزعة على عدة تجمعات وطنية معارضة كهيئة التنسيق وإعلان دمشق …
    ومع استشهاد البوعزيزي في تونس واندلاع الثورات الشبابية وانتشارها، وظهور بوادر التغيير وملامح التجديد في البلدان التي تعمها، تجددت الدعوة والحاجة إلى ترميم البيت الكوردي وتوحيد صفوفه وخطابه من جديد لتثبيت حضورالكورد ضمن المرحلة المفصلية الراهنة، واستغلال الفرصة الذهبية السانحة لتأمين حقوقه..

فتعالت النداءات والدعوات والمبادرات من الحريصين والمخلصين للكوردايتي، والتي كانت من الأوائل الهيئة المستقلة للحوار الكوردي – الكوردي لأجل بناء مركز قرار كوردي جامع، والذي أفتخر وأتشرف بمساهمتي من خلالها شخصياً في تكوين وانضاج وبلورة فكرة تشكيل المؤتمر الوطني الكوردي في سوريا، إلى أن أثمرت المساعي بتأسيسه في 26/10/2011 بعد أن تبنتها الأحزاب الكوردية والتزمت بتحقيقها، والذي اعتبر وبحق انجازاً تاريخياً بالرغم من نواقصه وأخطائه، وأصبحت الأنظار متوجهة نحوه ليكون متماسكاً قوياً وفاعلاً يتبوأ مهمة التمثيل والقيادة للحركة الكوردية على جميع الساحات الوطنية والكوردستانية والعالمية ..

وذلك عبر مؤسساتها ومنظماتها المفترض انتخابها ديموقراطياً ضمن الإمكانات والظروف الواقعية المتاحة، والآن وقد بات حماية المجلس وتفعيله كعنوان ٍ موحد ضرورياً وهاماً بكل المقاييس والشروط، ولكن وللأسف تتنشط العقلية الحزبوية المتجذرة لدى البعض وتتقوى يوماً بعد يوم، وبدأت تنخر جسد المجلس وتشكيلاته، وتبث فيه الفرقة والتعطيل والتمزيق..، كي يصبح هيكلاً فارغاً لا يقوم بدوره المناط به داخلياً ولاتنفذ المهام الملقاة على كاهله، ولا توضع المقررات والبرامج التي تم اقرارها في جلساته حيز التطبيق والتنفيذ ..
    للأسف نلاحظ سأم معظم الفئات والشرائح الاجتماعية الكوردية وتململها من أداء المجلس، وبدأ التشاؤم والنفور واليأس  يدب في أوساطهم وينؤون بأنفسهم عن مجالسه وتجمعاته، التي تسيطر عليها التسابق على المناصب والمكاسب(اقتسام الكعكة)، والتصارع على تجميع أكبر عدد من الأسماء والعناوين لرفع الأسهم ، وذلك للانتقام من المنافسين والمعارضين وبالتالي تحقيق الانتصار الوهمي على الشقيق الخصم ، ولو كان الثمن هدر الطاقات واضاعة الفرص اللازمة لتوحيد الصف الكوردي وتقوية أطره المتمثل بالمجلس الوطني الكوردي، والابتعاد عن مهامها ومسؤولياتها التاريخية المطلوبة.
     لقد أصبح الروتين والتواطىء والتماطل والتباطؤ سلوكاً واضحاً للكثير من أحزاب المجلس من خلال التأجيل المتعمد والمتكرر لعقد جلسات المجلس والهيئة التنفيذية واللجان الاختصاصية، بسبب الصراعات والسجالات الماراثونية العقيمة بين الأطراف الحزبية، التي تختلق الذرائع والذوابع وتثير الشكوك والقلاقل، وتشجع التكتل والتخاصم، (ففي قلب المجالس المشتركة الرسمية يتوقف المنطق لدى معظم أعضائها، وتتوقف المحاكمة العقلية لدى أصحاب الفكر والرأي، بسبب الاتفاق مسبقاً وحسم الأمور بالاصطفاف والتخندق، وبناء عليه فقد تحددت المواقف من المواضيع التي ستطرح على جدول الأعمال قبل الدخول إلى المجالس ودون الاستناد إلى أية معايير سياسية أو وطنية أو فكرية،..).
     وكذلك فإن زعزعة التفاهم والتآلف بين مكونات المجلس،  وفقد الثقة والمصداقية أصبحت عنواين بارزةً لها من خلال إضعاف التنسيقيات الشبابية وتفتيتها واحتوائها أو تدجينها..، ليسهل التحكم بها والسيطرة على إرادتها وحراكها، وتمارس نفس الحنكة والأسلوب مع المستقلين لشق صفوفهم وتجريدهم من استقلاليتهم وحياديتهم، وإجبارهم على الانحياز إلى طرف ما والانضواء تحت عباءته، أو إلزامهم التبعية أوالصمت أوالجمود أوالهروب..، علماً بأن المجلس بني على ثلاثة قوائم، وأي اختلال أو اضطراب في توازن المعادلة لصالح أي طرف سيكون مصير المجلس على كف عفريت ..
   أجل! إن الأحزاب هي الركيزة الأساسية في بناء الحركة الوطنية الكوردية والمجلس الوطني الكوردي، على اعتبارها المؤسسات والمنظمات السياسية والاجتماعية والثقافية… لشعبنا، وبالتالي الذاكرة القومية والوطنية خلال عقود ٍ من النضال والكفاح (لقد ثبتنا هذه الحقائق ودافعنا عنها في مقالات عدة منها تحت عنوان : النيل من الحركة الكوردية خط أحمر، نشرت على نطاق واسع في معظم المواقع الالكترونية والعديد من الجرائد المركزية للأحزاب الكوردية منها الوحدة ودنكي كورد..

في الوقت الذي كانت الأصوات تعلو هنا وهناك تستهدف الأحزاب وتسقطها)، وللأحزاب الحق والمشروعية في تقوية ذاتها وإثبات وجودها عبر التنافس الشريف والنشاط السليم، ولكن ينبغي أن تتوقف المصالح الحزبية عند حدود القضايا المصيرية التي تتطلب التوافق والإجماع .
    إن الأوضاع الراهنة وما استجدت من تغيرات هيأت مكونات الحركة الكوردية نفسياً ووفرت لها شروطاً موضوعية شجعتها للخوض في غمار الإجماع والاتفاق، لا بل الاندماج والوحدة بين المتقاربة منها سياسياً وفكرياً وتنظيمياً، والعمل معاً ضمن إطار ٍعام وشامل(كتبنا مقالاً عن الموضوع في مثل هذه الأوقات من العام الفائت على المواقع الالكترونية، وناقشناه مع العديد من القيادات الكوردية)، وهذا لن يتحقق إلا بتوفر الإرادة الصادقة والنزعة التوافقية والندية والرغبة التنازلية..، لدى الجميع وتلك من مسلمات العمل الإئتلافي المشترك والموحد.
    إلا أن الهواجس المسيطرةً على عقول وسلوك معظم النخب الذين نشؤوا وتربوا في أحضان ٍغير طبيعية وظروفٍ غير اعتيادية وشروط ٍغيرصحيحة، وما زالوا مثقلين ومكبلين بركام التعصب والريبة والتوجس والتخندق والانتقام … في تفكيرهم وتعبيرهم وتدبيرهم (بغض النظر عن نظرة الحزبيين إلى بعضهم)، فمازالوا  ينظرون إلى المستقلين والشباب من منظار سلطوي ووصائي واستعلائي، ويرون أنفسهم الورثة الشرعيين للقضية ويرفضون أي منافس أو شريك لهم، فقد قضوا زمنا ًطويلا ًفي النضال، ويدّعون الخبرة والقدرة التي تؤهلهم للتنظير والإقراروالقيادة، ويعتبرون المستقلين قاصرين ودخلاء على الحراك السياسي مهما بلغت درجة مؤهلاتهم وقدراتهم (مع الاشارة أن جلّهم إن لم نقل كلّهم خريجون من رحم حزب الأم لعام 1957 وامتداداته)، وبنفس الوقت يخشون أن يخسروا الريادة وزمام الأمور، وبالتالي ضياع جهودهم وتاريخهم سدىً كما يتصورون(؟!).
     وكذلك ينظر الحزبيون إلى التنسيقيات الشبابية على أنها هبّة طارئة وعارمة ومرعبة وغير ناضجة بآن واحد ، وقد أنتجتها الثورة، وهي قوة هائجة وغير منضبطة قادرة على قلب الطاولة في وجوههم، بمعنى آخر مازال الكثير منهم أسرى أفكار ومفاهيم ولت زمانها، حيث يعرّفون الحركة التحررية الكوردية بالأحزاب السياسية وحدها، ويهملون المكونات الأخرى لها من الفعاليات الثقافية والاجتماعية والدينية والشبابية ..والتي هي موجودة وفاعلة على أرض الواقع.
    هذه الهواجس لا تنفي مطلقا ً صحة جزءٍ من هذه الادعاءات ، فالوقائع والمعطيات تشير فعلاً إلى وجود أجندات يحملها بعض المستقلين والشباب عن وعي ٍوإصرارٍ ٍوتصميمٍ وبدعمٍ معلوم و توجيه مكشوف من قبل جهات (والأحزاب لا تستثنى من القاعدة أيضاً) ، ويعبرون عن عدم ثقتهم بأداء بعض الأحزاب على أنها كلاسيكية في تنظيمها وأدائها وأيديولوجياتها وآليات عملها الروتينية والغير منتجة، وينظرون إليها على أنها مترهلة وعاجزة عن قيادة الشعب الكوردي وتقرير مصيره، وعائقة أمام تطوره وتقدمه، ويتهمون الاحزاب بالتشرزم والعجزوعدم قابلية الاصلاح وانتهاء فترة الصلاحية تشبيهاً بالأنظمة التي تطيح بها ثورات الشباب، (وقد عبر البعض عنها فعلياُ عبر لافتات تدعو إلى اسقاط الأحزاب الكوردية أثناء المظاهرات في بدايات الثورة من العام الفائت) ويحملون مشاريع سياسية تتجاوز سقف الأحزاب الكوردية (كان هذا سبباً مباشراً في استقالة بعض زملائنا من الهيئة المستقلة للحوار الكوردي – الكوردي، فاختار بعضهم خط النقد والتقريع والتشهير، وقسم اتخذ منحى آخر وبعنوان آخر،وهكذا أيضاً حال بعض التنسيقيات) ، مع الإشارة إلى أن الحزبيين ومهما بلغت حدة خلافاتهم فإنهم يجمعون على تمتعهم بالحصانة بعكس المستقلين والشباب، ويتشابهون في مناوراتهم ومهاراتهم ومكايدهم..،ويتفقون على استثمارهم، وتمرير سياساتهم وتسويق مخططاتهم عبرهم، وبالتالي تمييعهم أو تحييدهم أو تجميدهم أو تزييفهم..، وإخراجهم من الساحة.
    كما يجدر الاشارة إلى أن  ظاهرة التكتل والتخندق أكثر وضوحاً وفضاحة لدى المستقلين بسبب روح الانتهازية والأنانية المتجذرة والمستفحلة لدى الكثير منهم، فالتنقل زئبقياً بين المواقع، وركوب التيار، واقتناص الفرص أصبحت معتادة، فعلى سبيل الذكر لا الحصر امتنع بعض المثقفين عن ابداء الرأي أو تحديد الموقف من الثورة السورية والحراك الكوردي أو المشاركة  في بناء المجلس الوطني الكوردي منذ البدايات، ورفض البعض الآخر الحديث في هذه المواضيع جملة وتفصيلاً، وغابوا عن المشهد السياسي والثقافي تماماً، وما أن تجلت الملامح واتضحت الصورة وأصبح المجلس حقيقة، والفعاليات السياسية والنشاطات الجماهيرية واقعاً، والقافلة مستمرة في التقدم، بدأ هؤلاء بتسويق أنفسهم من خلال عناوين براقة أوشعارات ضخمة أوانتقادات لاذعة أوملامات شديدة..،وبمبررات وذرائع زائفة، ليلتحقوا بالقاطرة التي فاتتهم، ليصلوا إلى مآربهم الشخصية الضيقة بكل تواضع ونفاق..ومازالت محاولاتهم حثيثة ومساعيهم مستمرة.
    مساع حثيثة وجهود ضخمة بذلت ومازالت تبذل لتفتيت البيت الكوردي واضعافه وتحييده، فما تأسيس أحزاب جديدة ،وظهور تجمعات مركبة أو بسيطة  من بعض الأحزاب التنسيقيات والمستقلين (تغيب بعض الأحزاب عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الكوردي قبل انعقاده بأيام، وعدم التحاق بقية الأحزاب  بالمجلس الوطني الكوردي) واستمرارها على التغريد منفردة خارج السرب إلا دليل قاطع على عقلية التشرذم والتكتل بأن واحد واصرارها على اضعاف الحضور الكوردي ودوره.
   وعلى صعيد المجلس الوطني الكوردي فإن الترويج والسعي لترسيخ حالة التخندق والاصطفاف  بين كتلتين متصارعتين ضمن المجلس من منطلق السيطرة والتفوق العددي والتحكم بمقدرات المجلس وقرارته، وتعطيل المجلس في الداخل بذريعة اكتساب المجلس الاعتراف والشرعية على الأصعدة الكوردستانية والوطنية والدولية، والاكتفاء بالعمل السياسي الدبلوماسي خارجياً، ومحاولات تغييب القوة الثالثة وتصفيتها من المجلس المتمثل بالمستقلين والشباب (المفترض الحفاظ عليها  كقواسم مشتركة وعوامل توفيق وحسم في اتخاذ القرارات السليمة والصائبة في القضايا الشائكة والمتشابكة والمصيرية) أخطاء جسيمة غير محسوبة وغير محمودة في العواقب،حيث ستنعكس أثارها على حقيقة تركيبة المجلس وتسميته و أدائه، وبالتالي على شرعية وجوده وتمثيله للشعب الكوردي في المحافل والملتقيات والمؤتمرات..

الوطنية والكوردستانية والدولية (كما تبين من بعض الردود والتعليقات عن طبيعة وفد النساء الكورديات إلى مؤتمر المرأة الكوردستانية المنعقد في هولير مؤخراً، وكذلك من المشاحنات والمصادمات في الشارع أثناء المظاهرات بين مكونات المجلس نفسها، وامتعاض بعض المستقلين والشباب والنساء من استهدافهم واقصائهم من لجان المجلس والهيئة التنفيذية والأمانة العامة..

).
    هذه العلاقات الغير السليمة والغير المتوازنة والمشيرة إلى  انعدام المصداقية والثقة والحميمية بين المكونات الثلاث، والغير المبنية على أساس الشراكة والمساواة والتكافؤ في الحقوق والواجبات تنذر بمستقبلٍ غير متفائلٍ به للمجلس الوطني الكوردي على المدى المنظور إن لم تخلص النيات وتتوحد الارادات لتعالج الهفوات وتسد الثغرات التي خلقتها المنافسات الحزبية والاصطفافات الرقمية..، والمسؤولية العظمى تتحملها الأحزاب عامة ، لأنها عموماّ بمثابة مؤسسات رسمية تحترف السياسة وتمارس التنظيم وتسيطر على الإعلام وتمتلك الأموال وتحظى بدعم كوردستاني واعتراف محلي، كما وترتبط بعلاقات وتحالفات مع أطراف وطنية وأخرى ديموقراطية في العالم، وتتمتع بممثلين ومؤيدين ومؤازرين في مختلف المناطق والتجمعات في الوطن والمهجر.


    الأفكار المطروحة آنفا ً ليست مجرد تكهنات أو توجسات بقدر ماهي مشخّصة في مواقفٍ بارزة و قرائن ٍ ملموسة منذ الإعداد والتحضير لعقد أول جلسة للمؤتمر ولتاريخه، فالانقسامات في جسم الأحزاب منذ عشية الجلسة الأولى وحتى غداة الجلسة الثانية جاريةٌ (فقد انشطرت أربعة أحزاب)، وتشكّل اتحادات ومنظمات وجمعيات على قدم ٍوساق بتخطيط ومباركة ومؤازرة من بعض الأحزاب (ومنها موازية للقائمة منها والمؤسسة للمجلس كرابطة الكتاب والصحفيين الكورد مثلاً) ، وتشتيت المستقلين وتصنيفهم ضمن قوائم حزبية ووفق معاييرٍ غير موضوعية ومقاييس ٍغير منطقية وانتقائهم خارج الشروط الموضوعة من قبل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الكوردي مثل النزاهة والكفاءة والفاعلية والاستقلالية..

، وفرز الأحزاب والشباب والمستقلين مزاجياً، وتصنيفهم على أسس ٍغير سياسية أو فكرية أو مبدئية..

سارية المفعول والنفاذ.


    تلك الشواهد تشير بجلاء إلى مكامن الخلل والهشاشة في جسم الحركة الوطنية الكوردية وجسم المجلس الوطني الكوردي والتي تمنح الفرصة لأجندات غير واقعية وغير مسؤولة وغير متزنة من التوغل في مفاصل المجلس والسيطرة عليه، وتعطيل خلاياه العقلانية الخبيرة النشطة، وبالتالي تحييده وتمييعه وإخراجه من مساره الحقيقي والصحيح على أقل تقدير.
    فدرءاً لحدوث الممنوع ووقوع المحظور لا بد من الترفع على المصالح الشخصية والحزبية والارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية ضمن هذه الظروف الاستثنائية الراهنة، والمرحلة المفصلية الحاسمة، لأجل تثبيت حضور الكورد وتأمين حقوقهم القومية والوطنية العادلة والمشروعة ضمن وحدة البلاد كما تقره العهود والمواثيق الدولية والأممية، كما لا مناص من الشراكة والتوافق تحت سقف المجلس، والالتزام بالبرامج والوثائق المقرة في جلساته، وكذلك التأكيد على مأسسة المجلس ودمقرطته في هيكليته وتنفيذ برامجه وتوصياته وتشكيل وفوده ولجانه..،ووضع معايير واضحة وضوابط صارمة في آليات صياغة قراراته وتطبيقها، وذلك انطلاقا من المصلحة العليا للشعب الكوردي وقضاياه المصيرية، لأنه المجلس هو العنوان الأكبر والأفضل للتحدث باسمه والعمل تحت رايته.
وفي الختام نؤكد على عدة نقاط نعتبرها هامة وضرورية:
1-    حماية على المجلس حاجة وضرورة ومسؤولية  كعنوان(عام وشامل وموحد) وممثل شرعي للكورد في سوريا في المرحلة الراهنة والاستعداد والتأهيل للمرحلة اللاحقة الجديدة بمعطياتها وظروفها وشروطها ومستلزماتها…
2-    تفعيل المجلس الوطني الكوردي  ومأسسته وصيانته وتطويره هام وضروري، والحفاظ على حالة التوازن والتوافق والشراكة بين مكوناته وتنظيم العلاقات بينها وفق أسس وضوابط ، ليبقى المرجعية العليا في المواقف السياسية والمواقع الميدانية .
3-    ربط المجلس الوطني الكوردي بالمجتمع الكوردي بمختلف شرائحه وفئاته عن طريق بناء مؤسسات وروابط تخصصية موحدة تعبر عن آرائها وتدافع عن قضاياها.
4-    اعتماد الأسس الديموقراطية، والمعايير الموضوعية، والخيارات الواقعية، والامكانات الحقيقية، والأساليب السلمية، والمناهج التخصصية، والضوابط الوطنية، والمصلحة القومية، والالتزام بالقواعد الأخلاقية والأدبية، والمسؤولية التاريخية في التعاطي مع المتغيرات والمستجدات من الظروف والأوضاع.
5-    الحفاظ على استقلالية المجلس وتحصينه من الأجندات والتدخلات والضغوطات والصراعات الداخلية والخارجية.
6-    التأكيد على سلمية الحراك الكوردي ضمن الثورة واستمراريتها، والحفاظ على السلم الأهلي، واعتماد مبدأ الحوار كخيار أساسي في حل جميع القضايا والأمور.


7-    التأكيد على التعاون والتنسيق والشراكة مع القوى الوطنية الديموقراطية السورية في الثورة،لإزالة كل أسباب وأشكال الفساد والاستبداد ،ولبناء دولة مدنية ديموقراطية تعددية تحقق العدل والمساواة لكل مكونات الوطن وأبنائه ،وتضمن للكورد حقوقهم القومية وفق العهود والوثائق الدولية.

8-     الاستفادة من العمق الكوردستاني، والرأي العام العالمي الديموقراطي والانساني لصالح قضايانا العادلة والمشروعة.

          

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…