أيها الكرد.. نحن بأمس الحاجة إلى العقلانية

صالح بوزان

لا أقدم هنا نصيحة، بل أعبر عن خشيتي من المستقبل.

هناك حقائق يجب أن نأخذها بعين الاعتبار.

الأولى هي أن النظام السوري زائل مهما ارتكب من جرائم.

لأنه لم يستطع كسر إرادة الشعب السوري.

الثانية أن المجتمع السوري أمام تغيير جذري.

هذا التغيير سيؤدي إلى قيام الجمهورية الثانية، التي يجب أن تسع لكل مكونات الشعب السوري بحقوق متساوية.

والثالثة أن المجتمع الكردي السوري هو جزء من المجتمع السوري.

فيه خلافات اجتماعية وسياسية وفكرية.

وإدارة هذه الخلافات لا تتم إلا  بالحوار وليس بالاقتتال.

كل تجارب التاريخ، ومنها التجارب القريبة تبين أن الاقتتال الداخلي يستنزف الشعب أكثر مما يستنزف الساسة والأحزاب.

فمن يناضل من أجل شعبه، عليه أن يتجنب هذا المصير المشؤوم.
لدى جميع الساسة والمثقفين الكرد القناعة بأن انتقال الخلافات في المجتمع الكردي إلى صراعات دامية سيقضي أول ما سيقضي على برامج جميع الأحزاب الكردية دون استثناء، وستتحول هذه الأحزاب من قوة سياسية إلى ميليشيات.

وكلكم تعرفون أن مفهوم المليشيا تعني الدفاع عن مصالح فئة، طائفة، حزب، وليس الشعب.

إن أي طرف كردي يحاول السيطرة على المجتمع الكردي بالقوة (وهذه القوة ليست دولة) ستكون سيطرة مؤقتة.

فبمجرد انتهاء النظام السوري ستعود الدولة السورية للسيطرة على كل الخارطة السورية من جديد.

ولا أعتقد حينئذ تستطيع قوة كردية ما (أو غير كردية) رفع السلاح بوجه الدولة، أو بوجه قوة أخرى.

وإذا فعلت فإنها ستقضي على نفسها أولاً، وستلحق الكارثة بالمجتمع الكردي السوري ثانياً.
هناك خصوصية للحركة الكردية السورية منذ بداياتها.

وهي أن هذه الحركة محكومة بالديمقراطية وليست بالقوة.

لا أريد أن أكرر ما يقوله أكثرية الشعب الكردي السوري، لكن أريد فقط أن أذكر هنا: كيف يمكن أن نطالب بالديمقراطية، وسلوكنا عكس ذلك، وهل نستحقها أصلاً في هذه الحالة؟.

كيف يمكن أن نطالب بحرية الرأي ولا نسمح ذلك في المجتمع الكردي.

والأهم من ذلك كله، كيف يمكن أن نطالب بحقوق الشعب الكردي إذا كانت الفئة الأوعى منه، سواء كانوا ساسة أو مثقفين يقومون بهدر حقوق بعضهم بعضاًً.


من المستحيل أن نقدر على توحيد الحركة الكردية السورية على برنامج معين، في هذه المرحلة الانعطافية، إذا كانت لغة التخاطب بيننا هي التخوين.

وأخيراً، لا يمكن أن يثق الشعب بأي جهة، حزبية أو غير حزبية إذا كانت أولويتها هي إزاحة الآخر من الساحة السياسة عن طريق الصراعات البينية الدامية.


لا أريد أن أكرر ما يقوله جميع الوطنيين بضرورة التكاتف في هذه المرحلة.

في الحقيقة أختلف سياسياً على نقاط عديدة مع جميع الأحزاب الكردية، كما لدي ملاحظات(أعتبرها جوهرية) على جميع المجالس في الساحة السورية، الكردية منها والعربية.

ولكن أعتبر كل ذلك وجهات نظر.

أي لا أدعي أنني مصيب، وفي الوقت نفسه لم يقنعني الطرف الآخر بوجهة نظره.

وهذا كله جو حضاري مادمنا نسمع آراء بعضنا بعضاً ونقف عند هذا الحد.


علينا جميعاً أن نكون واقعيين وننظر لمتطلبات المرحلة بما يحقق ما نريده جميعاً في المستقبل.

هناك بنية أساسية للتفكير في هذه المرحلة تجمع كل الكرد:
1-  ما يجري في سورية ثورة شعبية، بل هي من أعظم ثورات التاريخ من حيث الدم المسفوك حتى الآن.

والشعب الكردي السوري جزء من هذه الثورة منذ بداية اندلاعها وشارك فيها.


2-  الحركة الكردية السورية كانت لديها شعار جوهري” الاخوة الكردية- العربية” واليوم يحتاج الشعبان العربي والكردي إلى هذه الأخوة أكثر من أي مرحلة سابقة.
3-  مشكلة الشعب الكردي السوري الأساسية مع النظام، وليس مع أي جهة سورية أخرى.

قد ننتقد المجلس الوطني السوري(أو غيره من المجالس المشكلة)، قد لا نتفق معه تماماً حول رؤيته لمستقبل سوريا وكيفية الوصول إليه، قد نجد بين صفوفه من هو ليس أقل عداء للكرد من النظام.

ولكن هذا كله يبقى في إطار خلافات في الرأي.

علينا أن نجنح إلى لغة الحوار وليس إلى وضع هذا المجلس أو ذاك في صف النظام أو الأعداء.
4-  لا مشكلة للشعب الكردي السوري مع الجيش الحر.

لأن هذا الجيش تكون على مبدأ وطني أساسي، وهو أن جنود وضباط لم يقبلوا أن يطلقوا النار على أهلهم في المظاهرات، ففضلوا الانشقاق عن الجيش لحماية أنفسهم وحماية المدنيين.

قد يكون بينهم عقليات شوفينية تجاه الكرد، قد يكون بينهم أصوليين أو سلفيين.

ولكن هناك فرق بين الموقف من مبدأ تكوينه، وبين بعض ممارساته التي تستحق الانتقاد.

زد على ذلك أن في هذا الجو المضطرب السائد تكونت عصابات كثيرة، بعضها من صنع النظام، لا يجوز أن نضع هذه العصابات والجيش الحر في خانة واحدة.

أعتقد أن ذاكرتنا الكردية لم تجف بعد، عندما كان جنودنا يُقتلون غدراً في جيش النظام منذ الانتفاضة الكردية عام 2004.


5-  إن أي مسعى لخلق أو تسعير خلافات ميدانية ، سواء عن قصد أو بدون قصد، بين الكرد والعرب سيلحق الضرر الأكبر بالكرد.

نحن والعرب محكومون بالجغرافية ومحكومون، على الأقل، حوالي قرن من التاريخ والعيش المشترك في إطار سوريا الحديثة، وما دامت سوريا هي على هذه الشاكلة فوطننا سوريا وعاصمتنا دمشق، وسندافع عن هذا الوطن بدمائنا.

وهذا ما فعله الجيل الذي سبقنا في النضال ضد الاستعمار الفرنسي.
6- لكل طرف أو حزب كردي حقه الكامل في تحالفاته وتوجهاته.

ولكن ما يجب أن يلتزم به الجميع هو حذف كلمة خيانة أو عمالة من قاموسنا السياسي.

فليس من المعقول أن تكون أحزابنا وطنية عندما تتفق وخونة عندما تختلف.
7- بالرغم من كل انتقاداتي لنظام الحكم في إقليم كردستان العراق.

لكن الحقيقة تقال، أن الأكراد في العراق كانوا النموذج الأفضل في العمل السياسي في مرحلة ما بعد صدام حسين.

لم ينزلقوا إلى صراعات دموية في الداخل، كما حدث في الأقاليم العربية، تفاهموا على السلطة رغم نواقص هذا التفاهم.

وعلى الكردي في سوريا أن يكونوا نموذج سوريا المستقبل.

خصوصاً عند الاختلاف.

من يريد أن يتظاهر من الكرد تأييداً للنظام ليتظاهر بحرية، ومن يريد أن يتظاهر للمجلس الوطني السوري أو لهيئة التنسيق أو لصالح PYD  أو لصالح المجلس الوطني الكردي لهم الحرية الكاملة.

في المحصلة سيكون الشعب الكردي السوري هو الحكم.
8- أتمنى أن تتفهم جميع أحزابنا الكردية وظيفة المثقف الكردي.

من أهم مهام المثقف هو نقد الأخطاء، تحليل الواقع، كشف ملامح المستقبل، إنتاج أفكار جديدة، تعزيز القيم الإنسانية العليا، تنوير الشبيبة.

وكلما كان المثقف مستقلاً كلما كان قادراً على التفكير الحر والإبداع أكثر.

لقد انتهت مرحلة حزبية الثقافة والمثقف الذي  صاغته اللينينية في القرن الماضي.

من حق أي مثقف الانتساب إلى أي حزب والدفاع عن سياسته.

ولكن لا يجوز أن ينزلق إلى الهجوم على زملائه المثقفين في الجهات الأخرى بمنطق الصراع السياسي.

وفي الوقت نفسه أعتقد على المثقف المستقل أو الحزبي أن لا يهاجم حزباً ما أو زميلاً له هجوماً إقصائياً.

له الحق أن ينتقد مواقف سياسية لهذا الحزب أو ذاك، ينتقد أفكاراً معينة، سلوكاً معيناً للسياسيين والمثقفين.

ولكن من الضروري جداً أن يلتزم بقيمه، ولا سيما بالنقد الحضاري.

ولكن لا يمكن أن يكون الكلام نقداً، مهما كان عميقاً، ويبدأ بتوصيف الآخر بالخيانة، أو العمالة، أو بالمأجور لجهة ما.


9- أتمنى على أحزابنا أن تفكر منذ الآن بمرحلة ما بعد النظام.

لأن المرحلة القادمة ستتطلب عقلية سياسية مختلفة.

سيكون كل حزب محكوماً بالانتخابات الحرة، وعليه أن يجذب الشعب إلى برنامجه بلغة الإقناع، وما سيحقق للشعب أعمالاً ملموسة، وليس بالشعارات.

في سورية الجديدة لن يُجبر أحد على الإدلاء بصوته لصالح جهة معينة، ولن يصوت أحد بالإكراه أو بالتضليل أو بالرشوة.

  

في الختام أقول لزعماء كافة أحزابنا الكردية: أعطونا حرية الكلام، فنحن ككتاب ومثقفون ننتقدكم ولكن لا نعاديكم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…

خليل مصطفى ما تُظهرهُ حالياً جماعة المُعارضة السورية (وأعني جماعات ائتلاف المُعارضة المُتحالفين مع النظام التركي) من أقوال وأفعال مُعادية ضد أخوتهم السوريين في شمال شرق سوريا، لهي دليل على غباوتهم وجهالتهم ونتانة بعدهم عن تعاليم وتوجيهات دين الله تعالى (الإسلام).؟! فلو أنهُم كانوا يُؤمنون بالله الذي خالقهُم وخالق شعوب شمال شرق سوريا، لالتزموا بأقواله تعالى: 1 ــ (تعاونوا على…

  نظام مير محمدي* يمثل الخامس والعشرون من نوفمبر، اليوم العالمي للقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، فرصة للتأمل في أوضاع النساء في مختلف المجتمعات ومناقشة التحديات التي يواجهنها. وعند تأملنا في هذا السياق، تتجه أنظارنا نحو السجون المظلمة في إيران، حيث تُعتقل النساء ويتعرضن للتعذيب لمجرد ارتكابهن جريمة المطالبة بالعدالة وإعلاء أصواتهن لوقف القمع وتحقيق الحرية. هؤلاء…