في انعكاسات الحدث المصري على الحالة السورية

صلاح بدرالدين

لايمكن التعاطي مع مايجري بمصر الا من منطلق الشعور باالأهمية البالغة لموقع هذا البلد عربيا واقليميا وعالميا والدور الكبير لشعبه العظيم في مجال العلم والفكروالمعرفة والابداع ولايجوز اعتبار مايجري هناك منذ ربيعه الثوري كأية حالة ثورية نشهدها في بلدان أخرى لأن محصلة الحراك والصراع على السلطة ومعارك الدستور والنظام السياسي القادم ومآل ثورة الشباب لن تقتصر على نطاقها المصري المحلي فحسب بل ستترك آثارها على جميع بلدان الربيع الثوري في المغرب والمشرق من جهة الاجابة على تساؤلات عديدة قيد الانتظار والترقب
 من قبيل: التأكد من جدية ارادة التغيير حتى نهايتها وحقيقة المضمون الوطني والديموقراطي لموجة الانتفاضات والحركات الناشبة منذ أكثر من عامين على مساحات واسعة من هذه المنطقة الحبلى بالأحداث الجسام وتحديات البدائل والآمال المعقودة على انجاز شروط وقواعد التعايش السلمي والشراكة العادلة بين الأقوام والأديان والمذاهب وآفاقها المستقبيلية في ظل عهود مابعد الاستبداد الذي تسلط وتجبر ضمن المنظومات الأمنية المتحكمة بكل شيء وأسس لأحادية مفرطة عبر القمع والتنكيل والغاء الآخر المختلف ونتائج وعود وبرامج وعهود وشعارات ثورات الشباب من سياسية واقتصادية واجتماعية وموقع الجيش الوطني في عملية التغيير من جهة وكذلك في صفوف الثورة المضادة والأهم من هذا وذاك طبيعة النظام السياسي القادم الذي يحاول الاسلام السياسي تصدره عبر ركوب الموجة ومن خلال العملية الانتخابية وحشد واثارة الغرائز والعصبيات ماقبل الوطنية واستغلال مشاعر العامة باالشعارات البراقة .

 أولا – السباق الرئاسي
    عبر مشهد الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في مصر ونتائجها عن مدى توق الجماهير الى التعبير عن ارادتهم الحرة كما ظهر من المقابلات والتصريحات الاعلامية التي أجريت مع مختلف القطاعات الشعبية والمواطنين العاديين حيث أبدوا عن مشاعرهم الصادقة عندما أكدت الغالبية عن قيامها للمرة الأولى بالتعبير الحر عن اختيار من تراها مناسبا لتمثيلها في سدة الرئاسة كما عبر المشهد أيضا عن مدى ذكاء المواطن المصري ومبادرته السريعة في استعادة وعيه الذي كان مازال تحت تأثير – الصدمة السعيدة – لدى سقوط النظام وصوت من دون تفكير طويل لممثلي جماعات الاسلام السياسي وفي مقدمتها الاخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب – البرلمان – وسرعان ما أعاد النظر في خياراته بعد شهور أربعة حيث تراجعت النسبة بحوالي النصف وقد تحمل نتائج الدورة الثانية بعد عدة أسابيع مفاجأة غير سارة تضح حدا لطموحات تلك الجماعات اللامحدودة في التفرد بحكم مصر والتسلط على كافة السلطات – التشريعية والتنفيذية والقضائية – وتفرض على الناس ماتريده تحت شعار الاسلام هو الحل ومن دون شك فان مايحدث الآن في مصر من نزع الشرعية الشعبية عن تلك الجماعات تؤكد مرة أخرى على أن مسألة سيطرة الاسلاميين على مقاليد سلطة مابعد الاستبداد في ربيع الثورات ليست قدرا محتما ولو أعيدت الانتخابات مجددا في تونس فلن تحصل – النهضة – (اخوان تونس) على النسبة السابقة وأن السوريين واذا تسنى لهم التعبير بحرية فلن يختاروا الاخوان المسلمين كما يصور ذلك نظام الأسد وكما يردده المسؤولون الروس زورا كفزاعة وذريعة لاطالة أمد عمر النظام القاتل في دمشق ولن تتكرر الفعلة الشنيعة عندما سيطر الاخوان على – المجلس الوطني السوري – ولن تتحول الى سابقة لاالآن ولا مستقبلا وما انشداد الاخوان نحو تبوؤ السلطة مهما كلفهم ذلك في مصر وغيرها الا محاولة لاتخلو من توجهات الثورة المضادة لعرقلة عملية التغيير الديموقراطي العلماني ووأد ثقافة العيش المشترك بين مكونات الشعوب القومية والدينية والمذهبية وقطع الطريق على طموحات الجيل الشبابي من النساء والرجال في الحداثة واللحاق بركب التطور وتاريخ جماعات الاسلام السياسي مليء بمثل هذه الردات وملطخ بسواد التواطىء مع أنظمة الاستبداد حتى الأمس القريب وفي خدمة الامبريالية العالمية باسم الجهاد ومواجهة الشيوعية والآن نسمع أصواتا حتى من ضمن صفوفها تدعو الى المراجعة فقد  قال الدكتور محمد حبيب، النائب الأول السابق للمرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر”إنه يسعى حاليا لتكوين جماعة إخوان جديدة، هدفها المساهمة في البناء السياسي والحضاري للمجتمع بحيث تكون جمعية دعوية وتربوية، لكنها لن تنافس على السلطة ولن تمارس العمل الحزبي والسياسي” .

 ثانيا – محاكمة الرئيس المخلوع
      بغض النظر عن التفاصيل وردود الأفعال من هنا وهناك فان ادانة الرئيس المخلوع رمز الاستبداد في مصر لعقود واصدار الحكم عليه بالحبس المؤبد يعتبر محاكمة لنظامه السابق وسابقة يحتذى بها في بلدان أخرى واذا كان قد اتهم بالمسؤولية عن هدردماء ثمانمائة مصري فان شبيهه بشار الأسد يتحمل مسؤولية قتل أكثر من خمسة عشر ألف سوري وهدم مئات الآلاف من المنازل وتشريد عشرات الآلاف من النساء والأطفال والرجال واستباحة البلاد في جلب قوى مسلحة وميليشيات أجنبية لدعم نظامه وهدر أموال الشعب للحفاظ على سلطته وتخريب الاقتصاد الوطني .
  وهكذا فان خصوصيات كل ثورة في حدود بلدها لاتنفي توفر مشتركات عامة تجمع الثورات الشبابية الوطنية في مختلف بلدان المنطقة وتتحول الى معادلة متوازنة في العلاقة بين الأبعاد العامة والخاصة في عملية التحول والتقدم وستشكل التجربة المصرية معينا لمثيلاتها .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…