جريمة الحولة: تجسيد لفكرالنظام

فدوى كيلاني
Shyar68@gmail.com

لأيام متتالية، لم أتمكن من نسيان منظر أطفال ونساء وضحايا مجزرة الحولة التي ارتكبها النظام الدموي، وهو يؤكد من خلال هذه الجريمة النكراء على أنه تجاوز كل الصفات التي يملكها حتى الوحوش التي لا تفترس حتى أبناء جنسها، رافقتني مناظر هؤلاء الضحايا على مدار أوقاتي، فلم أتمكن من التخلص منها لأنها كانت ترتسم في عيني، وهي في لحظة مواجهة الذبح بدم بارد من قبل شبيحة النظام ومخابراته وجيشه الجبان.

وجريمة الحولة التي يبدو أنها صارت أكبر من أن يتمكن النظام الخائن ادعاء البكاء على ضحاياها بعد أن خطط لذبحهم من الوريد إلى الوريد، لأنها جريمة مستعصية على التغطية بدموع التماسيح، وبمزاعمهم في إدعاء الوطنية والإنسانية لأنهم مجردون من كل القيم ولاعلاقة لهم بها، كما أن لاعلاقة لهذا النظام كما ذكرت حتى بالوحوش لأنها أنبل وأشرف منه.
إن من يتابع كل حروب العالم منذ بداية التاريخ وإلى الآن يجد أن الجيوش المحتلة كانت لهم أعرافهم وأخلاقهم وقيمهم، وهناك قائمة ممنوعات لايقترب منها أحد من طرفي الحرب، بل يتم الالتزام بها، ولا يمكن تجاوزها تحت أية حجة أو ذريعة، إلا أن النظام الأسدي البغيض الذي ابتليت البشرية به ركل كل المبادىء والأعراف والأخلاق لأنه دون أخلاق ودون أعراف ودون مبادى ومن يقتل شيخا مسنا أو امرأة أو طفلاً فهو يكشف عن نفسه، ويبين للعالم كله من هو، وأية ثقافة تربى عليها.
ومن اللقطات التي لاتفارق خيالي لقطة تلك الطفلة شقراء الضفيرتين التي كانت ضفيرتاها مخضبتان بدمائها أثناء الذبح من قبل المجرم الذي اقتحم عليها وعلى أسرتها البيت، وربط أيدي أفراد الأسرة الواحد بعد الآخر، وصار يتلذذ بذبحهم إيماناً منه بدخول الجنة الموعودة، طالما أنه ينال مكافأته من قبل الفروع المخابراتية التي ترعاه وترعى أمثاله من المجرمين الذين هم عار على جبين البشرية، كما أن نظام الأسد عار على جبين التاريخ.
جريمة الحولة المنظمة التي تأكد للعالم كله أن من قام بها النظام القذر، وإن كان من عادة المجرمين عبر التاريخ عدم الاعتراف بجريمتهم، واتهام الأبرياء بارتكابها، وهذا ما يقوم به هذا النظام الآسن الذي لابد أن تتطهر منه سورية، الآن، وليس غدا، لأنه نظام مجرم بحق الإنسانية.
إن من يقتل الطفل يقصد بذلك قتل الحياة، وقتل مستقبل البشرية، وإنني أتعجب من القاتل الذي يقتل طفلاً في الحولة أو درعا أو حمص أو حماة ويذهب مساء إلى بيته وهو مرتاح الضمير، ويقبل طفله، إنه وحش كاسر، ويشكل حالة وباء على البشرية وإن وجوده خطر على العالم كله، وعلى كل صاحب ضمير أن يرفع صوته الآن وليس غدا، مطالباً بإسقاط هذا النظام ومحاسبته، وعلى الجميع أن يدركوا أن أول من هو مسؤول عن الجريمة الطاغية المجنون بشار الأسد ومن يليه بالترتيب من حاشيته وشبيحته حتى أصغر قاتل مباع الضمير والأخلاق.
وأنا أتصو رتلك الطفلة ذات الضفيرتين، تلعب الآن هي وأخواتها وأخوتها من شهداء الثورة السورية، ينتظرون إطلاق زغرودتهم بعد سقوط النظام، بعدما مهدوا الطريق لأطفال سورية الذين تتالوا أجيالاً في ظل القمع والخوف، لينعموا بدفء الحياة وعذوبتها، بعد عذابهم الطويل.

 إننا لن ننسى أطفالنا هؤلاء، كما أننا لم ننس من قبل أطفال حلبجة الذين نتذكرهم يومياً وكانوا السبب في جلب الحرية والسلام لشعبهم العظيم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…