توفيق عبد المجيد
تركيا … هذه الدولة الإقليمية المجاورة … هذه الدولة الغريبة عن دول هذه المنطقة بتركيبتها العجيبة … بتخبطاتها السياسية …فهي تارة دولة مدنية … وأخرى علمانية … وثالثة غربية حضارية ، وإذا اقتضى الأمر وبتكويعة ذكية سرعان ما تنقلب إلى دولة إسلاموية ، وهي أبعد ما تكون عن الإسلام ، تدعي الديمقراطية … والديمقراطية منها براء … وتدعي الحضارية والمدنية وهما أبعد ما يكونان عنها ، ولقد كانت على الدوام ومازالت أكبر قاعدة للدول الطامعة بهذه المنطقة وذلك بانضمامها إلى كل الأحلاف التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية لتطويق ما كان يعرف سابقاً بالاتحاد السوفييتي ، ولخنق كل التطلعات المشروعة لشعوب المنطقة نحو الحرية والديمقراطية والتحرر والانعتاق .
لن نطيل كثيراً في تاريخ دولة العسكر والجندرمة والجيش الانكشاري ، ذلك التاريخ الذي يوسم هذه الجمهورية الجنرالاتية بشتى النعوت والتوصيفات كتحصيل حاصل لممارساتها الإجرامية البشعة من ذبح وتقتيل وتشريد لكافة مكونات الشعوب التي عاشت وتعيش في كنف هذه الجمهورية الكوكتيلية ما عدا العنصر التركي طبعاً .
لقد أثبتت أنها مخلصة جداً لعنصرها التركي – خير العناصر وأفضلها على الإطلاق – فغزت جارتها قبرص وأقامت جمهورية ومن جانب واحد للأقلية التركية هناك بالضد من إرادة العالم الذي لم يعترف بها حتى الآن ، ثم حاولت وباستماتة أن تحرض الأقلية التركمانية ضد الدولة العراقية المجاورة وذلك بإثارة الفتن والقلائل والتدخل في شؤون الغير، ولكن محاولاتها باءت بالفشل الذريع عندما أثبتت الوقائع على الأرض أن التركمان ليسوا بالحجم الذي أرادته وتصورته تركيا ، وفي محاولة يائسة أخرى منها لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء ، استضافت مؤخراً مؤتمراً في عاصمتها استانبول أطلق عليه زوراً اسم ( مؤتمر نصرة العراق ) للمساهمة في إيقاف بل وفرملة الجهود الرامية إلى تثبيت الاستقرار السياسي والأمني في العراق وذلك بالتزامن مع مؤتمر( المصالحة الوطنية العراقية ) الذي حضرته معظم القوى السياسية الفاعلة في العراق ، وارتفعت أصوات عديدة من داخل العراق مطالبة الحكومة العراقية ( بسحب السفير العراقي من تركيا احتجاجاً على استضافتها للمؤتمر ) .
أما آخر ما تمخضت عنه العبقرية التركية من نظرة شوفينية وعنصرية فقد جاء على لسان رئيس وزرائها في مؤتمره الصحفي الأخير في نيويورك عندما قال وبصريح العبارة ( لا يحق للكرد في تركيا المطالبة بالحقوق ) ، عجباً كيف يحق للجالية والأقلية التركية أن تقيم دويلة ممسوخة على جزء من أراضي جزيرة قبرص ، ولا يحق لأكثر من عشرين مليون كردي أن يطالبوا بحقوقهم القومية المشروعة ؟ كيف يحق لبعض التركمان أن يطالبوا بحقوقهم ويثيروا الفتن والقلاقل ويتحركوا بموجب الإيعازات التركية إليهم ولا يحق لأكبر مكون رئيس في تركيا وهم أبناء الشعب الكردي بملايينهم العديدة المطالبة بحقوقهم القومية المشروعة ، ولا نبالغ إذا قلنا ، قد يكون الكرد يفوقون في عدد السكان أبناء القومية التركية الحاكمة نفسها ؟
أسئلة نضعها أمام العالم المتحضر الذي ينوي الأتراك أن يدخلوا إليه ، أليس السيد رجب طيب أردوغان نفسه من قال في العام الماضي عندما كان في زيارة إلى بعض المناطق من كردستان تركيا (القضية الكردية تعتبر قضية جزء من الشعب، بل هي مشكلة عامة، القضية الكردية هي قضيتى، تحصل اخطاء في جميع الدول، وتمر الدول بظروف صعبة، حيث ان التغاضي عن الاخطاء السابقة لاتليق بالدول الكبرى) فلماذا هذا التناقض في التصريحات ولماذا هذا التخبط في اتخاذ المواقف من قضايا تركيا الساخنة التي تستوجب الحل الإسعافي السريع ، ولنطمئن السيد أردوغان أكثر نذكره بآخر التصريحات التي صدرت عن مسؤوليين أوربيين ( على تركيا أن لا تحلم بدخول الاتحاد الأوربي )
نقول ونحن على ثقة تامة : لن تنفع الحكام الأتراك سياسة النكران وعدم الاعتراف بمن كانوا يسمونهم ( أتراك الجبال ) حتى وقت قريب ، لن ينفعهم ارتداء أثواب الحداثة ، لن ينفعهم تسديد الفواتير والاستحقاقات الكردية في تركيا بالتقسيط ، والتقسيط المريح ، لن تنفهم هذه المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي سمحوا بها مؤخراً بعد أن كبلوها وأثقلوا كاهلها بهذه القيود والممنوعات الكثيرة ، الشعب الكردي هو القومية الثانية في تركيا ولا نقول القومية الأولى ، وليست المواطنة شيئاً من الكماليات إنها مثل الخبز والملح والهواء ، وهي حق مقدس منحه الرب ، وليست هبة أو صدقة أو منحة من أحد ، المواطنة حق مقدس ، والكردي صاحب حق تاريخي دفع الكثير الكثير للحصول عليه .
كفاكم هذه السياسة الإنكارية فأنتم في القرن الحادي والعشرين ، ألا تذكرون ما قاله بيل كلينتون في برلمانكم عام 1998 عندما جعل العقد الأول من الألفية الثالثة عقداً كردياً ؟
ختاماً أقول : سينتصر شعبنا في كردستان تركيا بالتأكيد ، وستضطر الدولة التركية الديكتاتورية دولة العسكر والجندرمة أخيراً إلى الاعتراف بحق الشعب الكردي في تركيا في تقرير مصيره بنفسه وبالطريقة التي يقررها هو ، وستتخلى الدولة التركية عن هذه الوسائل العنفية إن عاجلاً أم آجلاً وستنحني أمام العواصف الدولية العاتية ، فكفاكم هدراً للوقت ، وكفاكم سفكاً للدماء ، وكفاكم تبديداً لثروات الشعب التركي ، وكفاكم هذه النـزعة الاستعدائية الانتقامية الإلغائية ، وهذا التعامل الاستعلائي ، وهذا التدمير الممنهج ، وكفاكم تخندقاً وراء أيديولوجيا الإنكار والدعس والسحق والتدمير ، وستحصدون ما زرعتم ، وليكن في معلومكم (أن الحرمان والكبت والقمع والاستبداد، ينمي التعصب والتطرف بكل أشكاله ويولد الاحتقان والغلو ويسبب الانفجار ، حيث تكون السياسة ردود أفعال سلبية أكثر من أن تكون فعلاً ايجابياً ) .
وعليكم حل القضية الكردية في تركيا قبل فوات الأوان ، لأن الشعب الكردي نهض من خموله وخرج من كهوفه المظلمة ، وحطم حاجز الخوف ، ورفض أن يبقى إلى الأبد ضحية تغول الدولة التوتاليتارية المركزية واستبدادها القومي العنصري ، أم أنكم لازلتم مؤمنين بنظامكم الرجعي بامتياز ، رافضين نظرية تفكك الكيانات القمعية الدموية ، عاجزين عن التكيف والتعاطي مع المتغيرات والمستجدات ، ناسين أو متناسين أن زمن التعامل مع الأيديولوجيات اليقينية قد مضى وجاء وقت التعامل مع الواقع ، لكنكم عوضاً عن الاعتراف بالواقع المتغير دوماً ، تعودون القهقرى كلما وجدتم أنفسكم بمواجهة عقبات وعقد يستوجب عليكم حلها ، وتستمطرون ذاكرتكم المعطوبة فتجدون في زواياها المعتمة والمهجورة قول وزير عدلكم المسلم قبل ستة وسبعين عاماً ( إننا نعيش في تركيا أكثر بلدان العالم حرية ..
والتركي هو الحاكم الأوحد والسيد الوحيد في هذا البلد ، أما أولئك الذين لا ينتمون إلى العنصر التركي النقي ، فإن لهم عندنا حقاً واحداً لا غير ألا وهو حقهم في أن يكونوا خدماً ، حقهم في أن يكونوا عبيداً ، فليفهم أصدقاؤنا وأعداؤنا سوية هذه الحقيقة ولتفهمها أجبال هي الأخرى كذلك ) .
وبمقارنة بسيطة بين قول وزير العدل التركي الذي جعل فيه تركيا أكثر بلدان العالم حرية ، والعنصر التركي هو الحاكم الأوحد ، وما تبقى من ( العناصر ) خدماً وعبيداً ، وبين قول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي أوعز إلى جيشه الانكشاري بقتل الجميع طفلاً أو امرأة أو شيخاً : ( لا تميزوا بين طفل أو امرأة كردية ،أو شيخ اقتلوا الجميع ، ماذا يفعل الأطفال في التظاهرات ، مكانهم الحقيقي في منازلهم وليس في الشوارع والتظاهر ) نجد أن ( القديم لا يموت والجديد لا يولد وبين هذا وذاك تكمن المصيبة ) فهل سيدخل السيد رجب طيب أردوغان بهذه العقلية العدوانية الجديدة التي لا تختلف كثيراً عن القديمة بلاده إلى نادي الدول المتحضرة ، الاتحاد الأوربي ؟ أم سيبقى في النفق المظلم ؟ أم سينضم إلى نادي الدول المتخلفة والمتخلفة جداً ؟ خيارات عديدة نضعها أما السيد أردوغان وعليه أن يتعظ من الغير وليتذكر على الدوام آخر التصريحات الأوربية .
23-12-2006