رسالة الى الدكتور عبد الرحمن آلوجي

 أمين عمر

أعلم إنك تسمعني رغم إن الجميع يعتقد غير ذلك ، أعلمُ جيداً، روحك لا زالت عينُها علينا جميعاً ، تتجول في كل العوالم لا تسأل عن المسافات ، تجتاح قلوبً، كوسائد حُبٍ  لصفائك، فتمنحه، بل تريه تأشيرته الابدية ، فيدرك ، فتدرك ، لأول مرة العِداد الحقيقي، الأعداد الحقيقيين، لمحبيك، المتوارون  في المجهول، والصامتون بسببٍ ومن دون سبب.

لجهلي كالآخرين، اعتقدت إن من يملك تلك الخزائن، تلك الكلمات، و لا يخطئها مهما اختلطت الرسائل، مهما اشتدت عليه حروب العبارات، لجهلنا كنا واثقون إن مالك تلك القوة والإرادة لن تكسره كلمة المَرض ، ولن يجرؤ الموت من الاقتراب من حصنه إلا بعد شيخوخةٍ من الشيخوخة، كي يضمن قهر خصمه.
كنت أنتظر منك لقاءً قريباً ، في قلب الثورة أو بعد ، فكلاهما ليس ببعيد، تنهرني، تقرعني فيه وأكثر ، وأنا أتقبله منك بوجهٍ ضاحكٍ لا جرياً على العادة، حيث الضحك بات خصماً دائماً لا يمارس معنا حتى طقوس السياسة، بعدها يشعر كلانا، المعلم والتلميذ، أن الحق عاد الى أصحابه، كنا سنكتفي بردك شفوياً على كلماتٍ لي قلتها فيك، في السياسة ، لم تكن إلا في السياسة لعنها الله.

ولكنك كغير عادتك، كغير آلوجيتك، انسحبت بهدوءٍ وبقيت كلماتك صامتة لا تعرف صهيلاً من الحزن، ومعك غادرت كوكبة من عشاق الحرية، شهداء، غادرتَ المسرح معتقداً أن لا أحد يراقب الأبطال الهادئين، تركته ليسرح فيه ظالمٌ، وغيره، ممن لا يلمون بسيناريو الحرية ومشاهد الرجولة إلا القليل.

أيةُ مخلوقاتٍ أخبرتك بأنفاسك الأخيرة، فلم ترضَ إلا أن تطلقها في كردستانك هناك، حيث الأخضر والأحمر والأصفر يرسمون السماء ، حيث الأنفاس مخلوطة، مصنوعة من الحرية التي عشت من أجلها لتراها أو يراها غيرك .
هناك في عالمك النبيل ، ينتظرك أحِبةٌ كثر، هناك الأنقياء يفهمون كل شيء من دونِ كلام، وأول ما يفعلونه يتعانقون بشدة كالصغار ، هناك مشعل و برهك ينتظرون منك العناق.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين من المعلوم انتهى بي المطاف في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام ١٩٧١ ( وكنت قبل ذلك زرتها ( بطرق مختلفة قانونية وغير قانو نية ) لمرات عدة في مهام تنظيمية وسياسية ) وذلك كخيار اضطراري لسببين الأول ملاحقات وقمع نظام حافظ الأسد الدكتاتوري من جهة ، وإمكانية استمرار نضالنا في بلد مجاور لبلادنا وببيئة ديموقراطية مؤاتية ، واحتضان…

كفاح محمود مع اشتداد الاستقطاب في ملفات الأمن والهوية في الشرق الأوسط، بات إقليم كوردستان العراق لاعبًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمة تاريخيًا، وعلى رأسهم تركيا وحزب العمال الكوردستاني، وسوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في هذا السياق، يتصدر الزعيم مسعود بارزاني المشهد كوسيط محنّك، مستفيدًا من شرعيته التاريخية وصلاته المعقدة بجميع الأطراف. ونتذكر جميعا منذ أن فشلت…

خوشناف سليمان في قراءتي لمقال الأستاذ ميخائيل عوض الموسوم بـ ( صاروخ يمني يكشف الأوهام الأكاذيب ) لا يمكنني تجاهل النبرة التي لا تزال مشبعة بثقافة المعسكر الاشتراكي القديم و تحديدًا تلك المدرسة التي خلطت الشعارات الحماسية بإهمال الواقع الموضوعي وتحوّلات العالم البنيوية. المقال رغم ما فيه من تعبير عن الغضب النبيل يُعيد إنتاج مفردات تجاوزها الزمن بل و يستحضر…

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…