كردستان … الساحة الحقيقية للنضال

  بافي لقمان

  إن كان ليس ثمة من أصدقاء للكرد سوى الجبال، فإنّ هذه الجبال هي ذاتها التي وقفت في وجه أعداء الكرد ودفعهتم ليتعاملوا مع الكرد بأقسى أساليب المؤامرة والاستبداد، الوجه الحقيقي لتلك الأنظمة.

 فلم تحسم المعارك الدائرة في قمم الجبال أو على جبهات القتال (المعضلة الكردية، كما كان يحلوا لأعداء الكرد تسميتها آنذاك) فلجؤوا إلى التحالفات، مع تلك الدول التي تقسم كردستان وتتحكم في مصير الشعب الكردي.
لقد كان من غريب صفات الاستبداد لتلك القوى أن وضعوا كل خلافاتهم الدائرة فيما بينهم جانباً وتكالبوا على الكرد، فالعراق الذي كان يمتلك كامل سيادته على مياه شط العرب، تنازل بموجب اتفاقية آذار 1975 عن هذه السيادة لصالح إيران، لقد كان الكرد دوماً الشوكة المغروزة في خاصرتهم، وكانوا يتوهمون أن الكرد هم العدو الأوحد لهم جميعاً.
إن وقفةً متأنية لتلك العقلية لتدعو للاستغراب، فما الذي فعله الكرد ليكونوا بهذا القدر من الضراوة في نظرهم؟!
 وإن أي متابع للأحداث التاريخية آنذاك سيرى بأن الكرد لم يكونوا يشكلون كل تلك الدعاوي في حقهم ليستحقوا حقد الأنظمة القائمة في استبدادهم.
ورغم كل المعاهدات والبروتوكولات التي أبرمت بحق الكرد، (اتفاقية الجزائر مثلاً) والتي كان الهدف من وراءها ومن وراء الاتفاقيات الأخرى هي القضاء على الثورة الكردية واجتثاثها من جذورها.
 وربما يكون من مفارقات ذلك التاريخ الأسود لتلك الاتفاقيات بين الدول الثلاثة أنها لا تذكر اسم الكرد صراحةً، وذلك إمعاناً في الكراهية والحقد اتجاههم، لقد كانت الأنظمة الحاكمة تكشر عن حقيقتها السوداء أمام الكرد، لدرجة نكران اسمهم حتى في تلك الاتفاقيات.
إن القيادة الكردية عندما أعلنت وقف القتال مؤقتاً بسبب تلك الاتفاقيات الظالمة بحقهم، أشادت بكفاءة  وقوة البيشمركة العالية (إن الإيمان بشرعية مطالبهم وحقوقهم، هي التي جعلتهم يفوقون كل معنويات الجيش العراقي وأسلحته المتطورة آنذاك، والذي كان يفتقد وللأسف للوازع الأخلاقي)
فكان مما قاله البارزاني: ” إن سبب فشلنا وانهيار ثورتنا ليس الكفاءة العسكرية وبرغم تفوق الجيش العراقي وخلال كل المعارك الدائرة بيننا وبينهم خلال الفترة الطويلة لن يستطيعوا إحراز أي نصر حاسم لصالحهم (إلا من خلال الاتفاقيات السرية ومن تحت الطاولة )”
وصدر القرار المتعلق بالقضاء على الثورة جرّاء المصالح المتبادلة للقوى الكبرى على حساب الكرد، لأن التفكير الغربي وقتها كان منغلقاً بعمامة نفطية سوداء، ولا يرى في المنطقة إلا النفط، فأداروا ظهرهم للثورة وأطلقوا يد الأنظمة المستبدة للقضاء على الثورة وإخلاء القرى وحرق البساتين وتشريد النساء، والأطفال.
اعتقد أعداء الكرد ببربريتهم ووحشيتهم أنّ هذا الإجراء كفيل باجتثاث الثورة من جذورها، وتنازل النظام العراقي عن كل شيء لصالح النظام الإيراني، لأجل القضاء على الكرد (إخوتهم وشركائهم في الأرض).
إلا أنّ الكرد وبإرادتهم القوية وتمسّكهم بحقوقهم المشروعة وبعد أشهر قليلة من اتفاقية الجزائر، وبقرار من القيادة الكردية وإيعاز من البارزاني الخالد قرروا النظر في جميع أوضاع الحزب وكيفية الرد على المؤامرة، لأنّهم تنبهوا إلى المؤامرة المُحاكة ضدّهم، والتي هدفت للقضاء عليهم، وجعلوا يوم السادس والعشرين من أيار انطلاقة جديدة للثورة والرد على المؤامرة وبكل ما أوتوا من قوة، سواء من خلال جبهات القتال أو على الساحة السياسية، لفضح المؤامرة ودحر العدو.
كان ما كان من ويلات ومؤامرات ضد الكرد إلاّ أنّ الإرادة العظيمة للحياة، والكفاح ضدّ الظلم والاستبداد، جعلتهم يهتمّون بالوضع الدراسي والتعليمي، فكانوا يعلّمون الأطفال في الكهوف والمغاور، وتحت الخيم المنصوبة على عجلٍ، وإرسال البعثات إلى الخارج لأنّهم تيقنوا بأن العلم هو الوجه الآخر الجميل والراقي للنضال، وبدون التعليم لا يمكنهم أن يحققوا النصر الأكيد.
إن كان التاريخ يعيد نفسه دوماً، فإنّه يعود الآن بلبوسٍ جديد وبظروف جديدة وهذه المرة باختلاف الجغرافية أيضاً، حيث الكرد جنباً إلى جنب مع أخوتهم العرب وجميع الشرائح الأخرى من الشعب يقفون يداً واحدةً لإنهاء عهد من الظلم والاستبداد، في ثورة العزة والكرامة التي بدأها الأخوة العرب ووقف الكرد معهم يداً بيد، ولعل الكرد انخرطوا وبشكل قوي من خلال حراكهم السياسي الذي تمثل بإقامة المجلس الوطني الكردي(26/ 10، وللملاحظة فإن تاريخ 26 يتكرر متقاطعاً مع 26 أيار الثورة، باختلاف في الأدوات، حيث أن الظرف التاريخي يحتّم دخول الكرد هذه المرة بالسياسة أكثر من أي شيء آخر.
إنها الحرب السلمية إذاً، لإنهاء عهد من الظلم والقمع.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…