تلفزيون -إفادة ذاتية- .. إلى «أبطال جامعة حلب» في جمعتهم

إبراهيم اليوسف

يخيَّل إلى أذهان بعضهم، أن الظهور على شاشات الفضائيات، عربية، كانت، أم كردية، أو عالمية، أثناء الشدائد والمحن التي تمرُّ، أو التي مرّت، كما هو حال الثورة السورية التي لمايزل وطيسها مشتعلاً، الآن، وكما تم أثناء انتفاضة12 آذار2004، من قبل، بل ومنذ أن فتحت بعض الفضائيات، للناشطين، والإعلاميين، بعض نوافذها، لاستعراض واقع إنسانهم، وتوثيق انتهاكات النظام الاستبدادي في سوريا، إنما هو نوع من الترف، والاستعراض، والبهلنة، من قبل بعض الناشطين، والإعلاميين، عندما يرافعون، عن أبناء شعبهم، وبلدهم،
بالرَّغم من أن مشاركات هؤلاء، جميعاً، لا تأتي في إطار حضور حفلات الختان، أو الولائم، والمآدب، ولا مهرجانات في مدائح الطغاة وأصحاب “المال” أو السطوة، والجاه، بل تأتي، من أجل فضح آلة الظلم، والاستبداد الدموي، من قبلهم، وهو ما يجعلهم يعرضون أنفسهم للخطر، ولطالما تمَّ الضغط، على بعضهم، وتهديده بالتصفية، ولعل كلاً من الشهيدين الشيخ معشوق الخزنوي ومشعل التمو، كانا أنموذجين ساطعين يدعوان للفخار، ممن كانت لهم اتصالاتهم بالفضائيات، أوفي توصيف آخر، أنهما ما كانا ليعتذران من مثل تلك الفضائيات، إن طلبت منهما آراءهما، وشهاداتهما، في القضية الكردية، أو عذابات الكرد خصوصاً، والسوريين، طوال العقود الماضية، عموماً، إلى حدِّ البسالة، بل إلى الحدِّ الذي يمكن أن نقول فيه: إن نصف أسباب استشهادهما، كان للسبب ذاته، وما أكثر هؤلاء الناشطين الغيارى البواسل، الذين لا يزالون أحياء، ولم يقصروا في أداء واجبهم، القومي، والوطني، والإنساني،  وكأنَّ بطلين سوريين، وهما خالد أبو صلاح، أو فدوى سليمان -على سبيل المثال- كانا يبحثان عن الشهرة، والمجد، البائس، والمال، مادام أن كل ذلك لمتوافر لدى فضائية الدنيا وأخواتها…..!؟
لا أريد أن أنظِّر كثيراً، هنا، لأني أعتقد أنني -وبكل تواضع- أحد الذين لم يغلقوا هواتفهم، يوماً ما، في وجه أية فضائية” شريفة”-حسب فهمي-وللعامل الزمني هنا دوره، بل كنت ممن قدموا مداخلاتهم، وإنه ليشرفني، أن أولى تغطية إذاعية،لانتفاضة 12 آذار، وبعد دقائق من حادثة الملعب البلدي بقامشلي،عن طريق صوت أمريكا وبوساطة الصديق دخيل شمو، كنت قد قمت بها،بل إن أول اتصال من القسم الكردي في فضائية روج تف، بعد ذلك مباشرة، وهكذا بالنسبة لفضائية ك.

ت.

ف، كنت قد قمت بهما، وأتذكر أخوةً آخرين، لابدَّ من أن أوثق أسماءهم كاملة، ذات يوم،  وظللت على ذلك المنوال، وهي خدمة متواضعة-أخجل من الإشارة إليها- في سبيل أبناء شعبي، وقضيتي، بل أتذكر أنني رفضت الحوار مع التلفزيون السوري، بعد أيام فقط، من الانتفاضة، ولايزال مقالي” أنا والتلفزيون” موجوداً، في موقعي الفرعي، في الحوار المتمدن، بينما هناك من هرع، لإجراء المقابلات، مع الوفد عينه، والتابع للفضائية عينها، وكان هناك الآلاف من أهلنا في السجون، ولا يزال أنين الجرحى الكرد، يملأ الأرض والسماء، وما بينهما، بينما شهداء الانتفاضة، كانوا في أعلى عليين..!
ومادمت في حرم ذكرى انتفاضة آذار، فإني لأتذكر مواقف كثيرة، من بعضهم، تقاعسوا خلالها، وأعفو نفسي من الإشارة إلى حوادث معروفة، لئلا أغمز من قناة أحد، بل سأشير إلى حادثة واحدة-لن تظهرمن خلالها شخصية صاحبها وله تحديداً مواقف كثيرة حول التهرب من الظهور التلفزيوني عند الحاجة إلى الإدلاء برأيه- وهي أن هذا الشخص أرادأن يأتي إلى بيتي، في أحد الأيام الأولى من الانتفاضة-وكان هذا  البيت المتواضع باعتراف أحزاب الحركة الكردية كلها آنذاك بيتاً إعلامياً، ولا أقول أكثر من ذلك، حتى وإن كان التوصيف لسواي، وكان صاحبي، لا يجرؤ، حتى على الاتصال الهاتفي بي أو بغيري، و يريد أن يوصل معلومة ما إلي، لأنشرها، وإن ما لدي من أدوات، كان موجوداً لديه، تماماً، سواء أكان ذلك خطَّ إنترنت، أو حاسوباً، أو إمكانات التعبير اللغوي، بيد أنه لم يفعل ذلك، وتفتق ذهنه، عن إبداع كبير، ليأتيني، تجلى، في أنه جاء مع حرمه، ومعهما أحد أطفالهما، وإبرة “ديكلون”، وقطن طبي، وكحول، ودخلوا البيت، دون أن يطرقوا الباب، قائلين: انظروا أية خدعة لجأنا إليها، لزيارتكم،  وكان أن أوصل رسالته، وعاد، مع بقية أفراد أسرته، وهو ما لم أقله، إلا الآن، بل إنني لن أشير إلى بقية فصول المسرحية نفسها..!.
عموماً، عندما يقوم واحد مثلي، بالرد على هاتف من إحدى الفضائيات، أو يساهم في أحد البرامج، عبر السكاي، أو من خلال الحضور الشخصي إلى أحد الاستديوهات -وهذا الأخير نادراً ما أفعله- فحسبي، بذلك، أنِّي أخدم الثورة، وأني أؤدي خدمة ضئيلة لدماء شهداء الثورة السورية، ومن بينهم شهداء شعبي الكردي، وإن فائدتي من ذلك كله، أنني نقلت تعسفياً، من عملي، من مدينتي إلى مدينة أخرى،إلى ساعة إحالتي إلى التقاعد المبكر، وكان ذلك بعد بضعة عشر عاماً، من الإبعاد، عن سلك التربية، وأنا المدّرس، المجاز، بل وأن يتشتت كل أبنائي، إلى خارج الوطن، الآن، لمواقف يعترف بها الشرفاء، من أبناء شعبي، وليكون كل ذلك، على حساب اللقمة، والأمان، وهو ما يصبح لا شأن له، أثناء تذكر نقطة دم، من أصبع أيِّ كان، من أبناء شعبي، ووطني العظيمين..!.
وحين أكتب مثل هذه الإفادة، لا الشهادة، وهي ليست عني فقط، بل عن كل من يرافع عن أهله، فإنني لم أمِلْ طوال الفترة التي تلت الانتفاضة لتناول هكذا قضاياـ قد تثير شجون بعض الأخوة، وليس في نيَّة أحد من الذين يؤدون واجبهم، لاسيما بعد انتشار ظاهرة “المواطن الصحفي” بفضل الثورة السورية-وكان جوان قطنة وغياث مطر من هذا الأنموذج- فإن ذلك يأتي، لأن كثيرين من الذين يمتلكون إمكانات وانتهاء بنوى، دون أن أنسى أي شبر من أرض سوريا التي احتضنت الثورة، كان عليهم، فعل أي شيء، ولا أعني الظهور في التلفزيون، وإن كان –هناك في المقابل- الآلاف من أصحاب الأقلام الشرفاء الذين يؤدِّون واجبهم، في مجال التدوين، ورفد الفضائيات، أو المواقع الإلكترونية، بصمت، وهؤلاء جميعاً، لاتنسى أسماؤهم البتة.
وإذا كنت قد قدمت -هنا- شذرات ذاتية، كجواب على سؤال أحد الأخوة الإعلاميين،  بعد أن ترددت في الإجابة عنه، طويلاً، قبل أن أحسم الأمر أخيراً، فإنَّما هو لئلا يسجل “المنهزم” من مثل اللقاءات التلفزيونية التي هي”فرض عين” ضربة استباقية في وجه من يضع روحه وأرواح أسرته على كفه، مغامراً بالكثير، ملبياً نداء ضمير الحق، والثورة،  بل إن كل مالدي مما أشيد به، أو لدى الآلاف من أمثالي، البعيدين عن ساحات الكرامة، لايشكل جزءاً ولو طفيفاً من شجاعة، هؤلاء الشباب الشجعان، وهم بالملايين، ومن بينهم شبابنا الكردي، ممن حطموا حاجز الخوف، وباتوا يواجهون الرصاص والخوف، بصدورهم العارية، فتحية لهم، وها أنا وسواي، نجدنا تلامذة في مدرستهم، نتعلم كيفية أداء الواجب الملقى على عواتقنا، لئلا نشعر بالخجل، أمام محاكمة الأجيال المقبلة…!؟.

الجمعة18-5-2012

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…