موت أي كردي هو ضرورة تاريخية ؟

إبراهيم محمود

 أي نموذج إله يؤمِن به الكرديُّ يا ترى، ليُعرف ويتعرَّف به، وهو يعرفه كما ينبغي، في قسَمه وفي عليائه، وفي علاقته بمؤمنيه؟ ما هو مضمون هذا الإله الذي يلتزم به ويراهن عليه على صعيد حياته اليومية وفي علاقاته المختلفة بغيره؟ ومن يكون هذا الكرديُّ الجدير بالحياة، والأهم هنا هو  أي كردي فقَدَ صلاحيةَ البقاء، وعليه التلاشي أو الموت رمزياً؟ إن المسافة الفاصلة والدلالية لكبيرة جداً، بين قول أحدهم يا “الله”، وحين يتندر به كردياً ومن قبل كرديٍّ مناداة أو قسماً! ليس السؤال متعلقاً بإلهه بالذات وبلغته، وإنما بحقيقته، كما هو شأن إله سواه، وصِلته بذاته الثقافية والاجتماعية والقيمية.
 السؤال يطال الكردي، يعنيه فيما هو عليه من وعي ديني وتداخله مع ممارساته الشعورية واللاشعورية وموقعه، وكيف أنه لا يواجِه نفسه بالأسئلة الكبرى وهي في مستوى المستجدات من حوله، ليكون الكائن الجدير باسمه وطموحاته، وفي غمار الجاري من حوله، كما لو أنه استثناء منه، وهو في لائحة مثالبه الكبرى نفسياً وفكرياً وتربوياً وسياسياً واجتماعياً..

 نعم، كأن الكردي لا شأن له بالمتحولات التاريخية الكبرى، وهو يستمر دون شعور تاريخي يُذكَر بما هو طارىء ومستجد.

 لا أتحدث هنا عن تغييره للباسه في الصيف والشتاء، وإنما عما يلبسه حين يكون صيفه شتاء وشتاؤه صيفاً دون استئذان! إنه لعبءٌ كبير ومهلِك حين استمرار هذا الكردي الذي ينظر إلى الوراء أكثر مما ينظر إلى الأمام، إلى لباسه لا إلى الملتبَس عليه، حيث تتداخل فصوله كما تختلط عليه اتجاهاته وهو في مرمى المتربصين به والتاريخ، والذي يمعن النظر في ظله، أكثر مما يفكّر في الخطى التي يقطعها في الطريق صعَداً نحو الأمثل والأرحب مكانة وقيمة.

أعلن هنا، وبوصفي المعايِش لهذا الكردي المنمذج: الجثَّة، الكردي: المحنَّط وهو سائر هنا وهناك، والكردي: الوثن المغبرُّ والملوَّث داخلاً وخارجاً، أعلن موته، موت الكردي الذي استمر طويلاً دون أن ينعى، أو يذاع موته أو يدفن في التاريخ، وهو مبعثر أو متناثر في الشتات الجغرافي أكثر مما يتصور هو معلَّق أو مرفوع أحياناً عالياً على خازوق تاريخ سواه، موت الكردي الميْت أصلاً باعتباره اسماً عَلَماً ونوعية إلهه ومعتقده، حيث انتهاء صلاحية العمل به، وإعلان الآخر وتطويبه، أعني أي نوع يجب أن يموت ويخلي الساحة لغيره، أي صنف يجب أن يستلم دفة القيادة في الحياة والمجتمع؟.

إنه الموت المنتظر منذ زمان طويل، والذي يشكّل التسريع بالتخلص منه، ونسيانه ضرورة تاريخية، لصالح الكردي، الموت المحوَّل من الكردي الذي صار عبئاً على نفسه وعائلته وأهله وناسه والإنسانية جمعاء، وفاحت “ريحتو”! الكردي الذي يُنتظَر، وفقدَ الكردي المستقبليُّ الصبر، والقدرة على النظر، فلا بد إذاً من إعلان موته والحسم في ذلك.

 من هو الكردي المعلَن في موته، والداعي إلى دفنه سريعاً، والتخلص من تاريخه الموبوء والمثقل بالخطايا والأخطاء؟ ما أكثر صنوف الكردي، أو لائحة الأدوار التي جسَّدها الكردي الميّت، فكان الذي يقوم به وبالاً على الكردي في تاريخه:
 1- الكردي الذي مضت عليه عقود، وهو يفكّر بالطريقة ذاتها، و” يفلسف” الأمور بالطريقة الكردية ذاتها، دون أن يتغير فيه شيء، بقدر ما أساء إلى كل شيء، مثل ناقل العدوى، وليس لديه أدنى استعداد لسماع غيره والتحاور الودي معه.

وربما من هذا المنطلق كان مضرب مثل أحدهم” ما تستكردنيش”، ومن هذه الزاوية فقط فقط وليس سواها.
 2- الكردي الذي بات مثل مهرّج السيرك بالنسبة للآخرين، يضحكهم بتصرفاته وأقواله، وفي ظنه أنه يضحك عليهم أو حتى معهم.

نعم، لدينا الكردي” القشمر”، و” الأحمق”، و” بابا حسن”، و” همشري”..

وكلها تسميات لمسمَّى واحد.
 3- الكردي الذي لم يعد صالحاً لأن يكون معيل أسرة أو أب أطفال، أو نزيل مجلس، جرّاء المعمول به أو الطارىء عليه، في زحمة المتغيرات، وهو كأنه ليس هو، وسط آخرين، حتى أولئك الذين كان يعلّق عليهم بالأمس القريب.
 4- الكردي الذي يتباهى بأصله، وهو عبء على أصله، كما يتباهى بعشيرته، وهو مضرب المثل في سوء الانتماء، وهو يتفاخر بحزبيته، وهو عالة على مفهوم الحزبية، إذ ما أبعده عن عالم المدينة وضرورة التغير المستمر فيها.
 5- الكردي الذي يحمل قلماً ويعتبره قلم كاتب أو أديب أو صحفي، بخيلائه، باعتباره هكذا مذ ولدته أمه، أين منه مقامات الآخرين، دون أن تكون لديه الجرأة في التعبير عما هو مستجد، أو يجسّد ما هو هروبي وانتهازي، ثعلبي أو جقلي عند الضرورة، ولا يكفُّ عن النيل من الآخرين، مسخّر قلمه في خدمة من أشرت إليهم، وفي الوقت نفسه يزعم أنه مظلوم أو مهمَل، أو لم ينل حقه من الشهرة” وعورته طالعة أنَّى اتجه”، يعيد انتاج وساخته كما هو وسطه الوسخ الذي يعرَف به .
6-الكردي الذي لم يتعلم من بيئته وأناسه العفويين، وينسى ما كان عليه بالأمس، ليبرز نمراً أو سبعاً، أو مدّعي الشجاعة، منافساً سواه، إنما حين ينتقل إلى مجتمع آخر، باسم “المغترب”، بقدر ما يعيب على الآخرين صمتهم، وتقاعسهم عما هو مطلوب منهم، وهو يتراءى إنساناً بلا ذاكرة، يستغفل الآخرين، دون أن يعلم أنه بات مهزلة المهازل في زئبقياته اللافتة.
 7- الكردي الأخطر في نوعه، والذي يدخل السوق: كذاباً لمن يريد منه أن يكذب، شاهد زور، لمن يستهويه ذلك، سيء الخلق عند اللزوم وحيث يستجيب للطلب، واشياً حين الطلب، نمَّاماً، مهدّداً غيره بغيره، نهّاباً لأعمال غيره وفضلهم، دساساً، استزلامياً، وكل ذلك بحساب، حيث توجد تسعيرة أو عروض أسعار، وعلى أعلى مستوى، يلف على كل صاحب سيرة محمودة، زاعماً أنه الأول في المناقب، وهو شتائميُّ الأمس، مناقبي اليوم، وماذا سيكون غداً؟ ذلك يعتمد على سوقه.
 وهذا النوع الأخير هو الأكثر انتشاراً في وسطنا الكردي داخلاً وخارجاً، مستغبياً الآخرين الذي يلمُّون بسيرته، بدءاً من تاريخ ولادته، إلى حيث حط به الرحال، وصار ذا مكانة عند من يطلبه لهذا الغرض، ودور الذي يستخدمه لأداء مهمات ذات مردود سلبي عليه في النهاية، كون صاحب السيرة الموبوءة لن يدع صالحاً يظهر، قدر استطاعته، حرصاً على نفسه.

ثمة ميتات طبيعية، تخص الناس جمعياً، لكن المشكلة في الميتات الاجتماعية والسياسية والثقافية والتربوية والحزبية..الخ، هي التي يجب التوقف عندها، كما هو حال أي أداة تفقد مرونتها مع الزمن، إن لم يجر إصلاحها، أو تبديلها من أجل الأفضل، ولدى الكردي من الميتات المطلوبة، وتبعاً لتطلعاته ، ما لا يُعَد ويحصى،، حرصاً على الكردي، حتى يعدو مهزلة الآخرين، وعلى أعلى مستوى.

تُرى إلى متى يمكن إعلان نشر نعوات هؤلاء الأصناف في الجهات الأربع من الدنيا، ليقبلنا الآخرون ممن لا يتكلمون لغتنا، على أننا نستحق الحياة، والتنافس المستحق، وحتى دولة تعنينا تماماً ككرد.

للتذكير فقط:  قبل أكثر من مائة عام، نادى الفيلسوف الألماني نيتشه بموت “الإله”! إنه نموذج إله معين بدلالته ومواصفاته المميَّزة، اُستهلِك باسمه المتداول ومعناه، ودُعيَ إلى نموذج إله جديد وفق متطلبات العصر ومتغيرات التاريخ، وقبل نصف قرن، أعلن الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، موت الإنسان، مشيراً إلى إنسان جديد لا بد منه ثقافةً وتفكيراً وتفاعلاً مع المجتمع والذات، وبالمقابل كان ينعي إنسانه القديم الذي فقد صلاحيته في التعاطي مع متغيرات التاريخ.

وما أثيرَ طيَّ المقال سالفاً، مستفيد مما هو مثار هنا، ولو في ظرف تاريخي مختلف ومن زوايا مختلفة، فكان التنويه!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…