إشكالية العلاقة بين المثقف والسياسي

  حسن جمعة

شهدت السنوات الأخيرة اختلالا خطيرا في العلاقة بين المثقفين والحركة الوطنية الكردية في سوريا.

ومن تجلياتها انسحاب المثقفين من المؤسسات الحزبية, وظهور نزعة سخط المثقفين داخل أحزاب الحركة الوطنية الكردية التي تلجأ باستمرار إلى تفسير سهل لهذه الأزمة بإحالة مسبباتها إلى ذاتية المثقف المفرطة وتردداته وسرعة عطبه في فترات تعرضه للضغوطات, ورغم صحة بعض هذه التوصيفات لطبيعة المثقف الذاتية, إلا أنها تتجاهل الأسباب الموضوعية التي تؤدي إلى انتباج هذه الذاتية بعد أن حصل تفاوت كبير في ديناميكية الوعي بين القيادة السياسية التي تستمد مشروعيتها من الاستمرارية التاريخية للحركة على اختلاف فصائلها, وبين المثقف الذي امتلك أدوات معرفية يعتقد أنها تجعله أكثر جدارة من هذه القيادات.
وقد تحول الخلل بين المثقف والسياسي إلى أطروحة نظرية تدعو إلى قطيعة اطلاقية بين أي مثقف وأي سياسي على أساس أن السياسي بالمطلق معني بالزمن المباشر والحقيقة الجزئية الراهنة, بينما يعني المثقف بالزمن التاريخي والحقيقة الكلية .
في الاختلاف بين الثقافي والسياسي هناك عناصر تكامل تغطي على عناصر القطيعة لكن الخلل يبدأ من غياب الديمقراطية وممارسات تلك الأحزاب وبنيتها.
فخلال مقاومة السياسي المضطهد لعسف السلطة المستبدة تتلبس الضحية بعض سمات جلادها فالمظلوم كما يقول أفلاطون  :(المظلوم يصعب عليه أن يكون عادلا) وتفرض عليه المعركة   الدفاعية ضد عسف السلطة شكلا من الخطاب الدفاعي الأحادي يقوم على اعتبار نفسه مالكا للحقيقة والمعرفة ولذلك تسير الشعارات والبيانات من مركز القرار باتجاه واحد إلى قاعدة منفذة وجماهير تبلع دون أن تهضم, لأن خطاباته تأتي على هيئة أنساق بيانية تستدعي جملتها الأولى جملتها الثانية آليا, كما يتناقض الخطاب الحزبي الأحادي مع النزعة الاستقلالية للمثقف الذي يشعر بالمسؤولية أمام المجتمع والحياة أكثر من مسؤوليته تجاه المراكز الحزبية العليا ولهذا كلما ارتفع وعي المثقف السياسي ومسؤوليته الاجتماعية ارتفعت مسؤوليته عن سياسة السياسي  ولذلك يصعب عليه أن يمنح السياسي توقيعا على بياض, كما لا يمكن أن يكون تابعا ثانويا يقوم بتلبية الحاجات الإعلامية اليومية للسياسي وتزداد حاجته للمشاركة في صياغة القرار من خلال حوار مفتوح باتجاهين – بحيث يرتفع اهتمام السياسي بالثقافة كقيمة لذاتها لتطوير الوعي الفردي والجماعي وتغتني رؤيته السياسية بالوعي التطبيقي الذي يتوفر للمثقف من خلال المشاركة الحية في الحياة, وما من إطار لإعطاء هذا السجال حيويته وفاعليته إلا بإشاعة الديمقراطية داخل الأحزاب, وهذا كفيل بالقضاء على ظاهرة الانتهازية والاستزلام والتي قد تتعارض مع مصالح دعاة السياسة الذين تجاوزتهم الجماهير بوعيها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يكتسب الخطاب الشعبوي سلطته وسطوته حين يتم استغلاله كأداة لإعادة تشكيل الواقع وفرض رؤية محددة، لتسيدها، بغض النظر عن صحتها أو توافقها مع منطق الواقع. هذا النوع من الخطاب لا يكتفي بتقديم المواقف الخاطئة بوصفها حقائق، بل يتجاوز ذلك إلى تشويه المواقف العقلانية، وتجريم كل من يتبنى رأياً صائباً، في محاولة لترسيخ الوهم وإضعاف كل محاولة للتصحيح. إن…

فرمز حسين ليس سهلاً البقاء في القمة، مقولة سويدية و تعني أن الحفاظ على البقاء في القمة أصعب بكثير من الوصول اليها. هذا المثل ينطبق حرفياً على هيئة تحرير الشام و الفصائل الاسلامية المسلحة الأخرى التي دخلت دمشق منتصرة. الأسد سقط و زمرته بعد ثورة شعبية دامت أكثر من ثلاثة عشر عاماً شارك فيها الأغلبية الساحقة من السوريين مضحّين في…

نظام مير محمدي* لقد أشعل تحرير سوريا الجدل من جديد حول الفرص الضائعة التي أطالت أمد نظام بشار الأسد الوحشي. فقد كشف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في مقابلة أجريت معه مؤخرا أنه في عام 2013، خطط هو والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون لشن ضربة لزعزعة استقرار الأسد بعد استخدامه للأسلحة الكيميائية. ومع…

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…