انطلقت زغاريد نسوية ممن يهمهن أمر أزواجهن وأحبة أزواجهن ومتحزبي أزواجهن وأزلامهم فرحاً بالزيارة المرتقبة: زيارة البيت الأبيض، صحبة ترنيمة محوَّرة: أنا كردي يا نيَّالي…يا نيَّالي أنا كردي!.
عاد الكردي من واشنطن حسب التوقيت الذي لم يتدخل فيه الكردي، إنما الكردي يتم تحريكه في هذا المنحى أو ذاك، وكله يقين كردي أن واشنطن كلها تأهبت لاستقباله المراسيمي بدءاً بأوباما وليس انتهاء بهيلاري كلينتون..
إنما السؤال الاستباقي: وماذا بعد؟ ما يهمُّ هو الوسم وليس الاسم، يهم المطبوخ في الطنجرة المعلومة باسم الكردي، وليس مجرد رؤية الطنجرة..
يهم المثار والمُعدُّ له باعتباره كردياً ليس وحيد اسمه، وليس ما دعيَ باسمه علانية أيضاً، يهم الكردي الذي يفرح بالزيارة دون أن يعلم من يكون هو كما يجب، وأن يكون لديه ما يجب قوله، وما هو عليه بنيةً نفسية وتاريخية، وليس ما يشده اسمه إليه، حيث الفرق كبير بين دعوة الكردي من قلب واشنطن، وما هو مخطَّط له بجعله أكثر “مفروكاً من أذنه” ليعي تاريخاً لم يصنعه هو، وليدخل في تاريخ لم يتهيأ هو له، وليكن أكثر” تأدباً”، لأنه لم يتهيأ به لفهم ألفباء تاريخ المتحولات من حوله.
لا يهم الكردي المنتقى وفدياً بمقاييس العشيرة الكردية والوجاهيات الكردية وحساباتها المهرهرة، ما رآه في واشنطن، والأيام التي قضاها في مكاتب خاصة أو جهات تعنى به لرؤيته عن قرب أكثر، رغم أنه معروف منذ زمان، ولا حتى الصور التذكارية التي ” يفلقنا” بها كل يوم، تأكيداً على أن الزيارة حقيقة لا وهماً، إنما المهم هو أن الكردي الذي ذهب إلى واشنطن كان أكثر تعرضاً لرؤية صنَّاع القرار المتعلق بجهات متوترة، كما هي جهة الكردي، كنوع من الطبطبة على كتف الكردي المائلة، ودغدغة المشاعر التي ينبري فيها الكردي، ومصافحته.
وتلك هي غاية المنى واللحظة المنشودة.
يا لحسد الكردي من الكردي، ونقمة الكردي على الكردي، وحقد الكردي على الكردي، واحتقان الكردي، على خلفية زيارة تاريخية من هذا النوع، وكيف تتم إدارتها وتسويقها في الوسط الجماهيري الكردي، وأي إعلامي حزبي كردي أو من يُكترى لهذا الغرض أو جاهز لهذا الأمر، لاعتبار الزيارة فوزاً جماهيرياً ساحقاً للمنعم بالزيارة، وغم من لم يحالفه الحظ، أو لم يتهيأ لذلك، لأن الذي خطط وظبَّط كان هو الآخر له دور مسمَّى لدى ” أخوته” الأميركان طبعاً! لا يخدعنَّ كرديُّنا السوري أنه دعي إلى وشنطن باعتباره ممثلاً كردستانياً، وأن أرضه الموعودة قاب قوسين أو أدنى منه، تُجهَّز له في احتفالية غير مسبوقة.
إنما هو إجراء اعتيادي من ذوي السياسات في عالم ما وراء البحار لعالم يتبخر بذويه..
ثمة دروس مجهَّزة، وطمأنة معينة كافية لجعل الكردي يقفز خفَّة واعتبارها ضمانة واجبة ليكون كردستانياً، هي الطمأنة التي تتمثل في الذين يعرفون الكردي عن قرب، ومن يكون عن قرب، والإيحاء إليه إلى أنه بات مزعجاً أكثر مما يجب، وأن عليه أن يكون أكثر تحركاً، لأن ثمة من هو مدلل أكثر منه، وبدقة أكثر: لأن الكردي، كما هو النموذج المنتقى وفدياً يلزمه الكثير ليصفَّ على الدور، ويُصغى إليه، وتدرَس طلباته الانتسابية إلى جغرافيا تفرز باسمه وحدود تسمَّى باسمه! اُستقبِلَ الكرديُّ في واشنطن! يا لخدَع الكردي الذاتية، وسرعة قابليته للتصديق أنه محتفىً به، كما هي سرعة قابليته لتصديق نفسه أنه الأفضل في الخيار لتشكيل وفده، والأوفى بالشروط ليمثّل جموع كردّيه.
يا للمقارنة المثيرة للضحك على أرض الواقع، إذ يقف أو يجلس الكردي على طرف والأميركي على طرف آخر، لتكون الندّية ويكون الإصغاء بذات النسَب في الحوار والترجمة من وإلى الكردية، والعلَم الكردي على طاولة الحوار والغداء أو العشاء محضَّر على أعلى مستوى، وثمة تلفزة تذيع كل نشاط جار ٍ، أول بأول دونما نظر في موقع إعراب الكردي في الجملة الأميركية السياسية.
شتّان بين فرح الكردي بكرديّه، وما يتعرض له الكردي من اختبار وهو غائب أو مغيَّب عما يجري حوله بدقة! بالتأكيد، لن تكون النقطة التي انطلق منها الوفد الكردي السوري، نظيرة تل أبيب في العرف الأميركي حتى الآن، لتسلَّط الأضواء الفضائية والأرضية عليها وعليه، إنها نقطة لم تشكل بعد خطاً معلوماً له اتجاهه المرئي في الحساب الأميركي.
ليعلم الكردي المنتفش بريشه ذلك.
وليس الكردي المعنيُّ بوفده نظير إيهود باراك أو نتنياهو ليمد له البساط الأحمر أميركياً، في ميزان الاعتبارات السياسية، كما أن الإسرائيلي لن يهبَّ بغتة من نومه على وقع صدى صوت الكردي لأنه يتحدث إلى أميركي ” معتبَر” كما لو أنه غريمه، بل ربما سيضحك في عبّه، حين يعتقد مقابله أنه هكذا.
لن يكون الكردي الكردستاني، حتى اللحظة، في مقام الإسرائيلي أو الكوسوفي، أو حتى الموريتاني ليهبَّ الأميركي إلى نجدته كما يريد الكردي! إن المسألة هي علاقات قوى، وحيث إن الكردي الميمَّم به في حساب معلوم إلى ما وراء البحار، لا حول له ولا قوة، إلا من جهة وسيط مقدَّر هو نفسه لا حول له ولا قوة، إلا في سياق لعبة مساومات لا يُعتدُّ بها..
ليست كردستان الواقع الجغرافي هي كردستان الرغبة الكردية، إنما كردستان تحت الإقامة الجبرية، ومحوَّلة باسمها، بقدر ما هي مفيَّشة من الخارج، بقدر ما تكون في نطاق المحاصصة الإقليمية، وبالتالي لن يكون في الكردي، سواء أكان حاسر الرأس أو واضع الحطة على الرأس، حتى في مستوى العرَّاب المحلي، ما يحثه على أن يتنفس الصعداء في لعبة نرد مجرّباً حظه، إذ اللعبة تجعله داخلاً فيها وليس صانعاً لها ومتحكّماً بها، لأن ثمة الحدود المجيَّرة والمدارة من الخارج.
لذا، سيتحدث الأميركي عن الكردي المرئي في أمكنة محدَّدة له، إنما ليس بصفته الفاعل والمؤثر في السياسة الأميركية، إنما باعتباره موضوع درس اختياري، وفي سياق مناورة لا تستحق أن تسمّى في استعراض أخبار المساء، لأن الأخبار ذاتها تمثّل دلالات قوة ورموز كيمياء أنظمة معنية بمواقع لها أهميتها أميركياً، والكردي لم يفعَّل دوره المنظَر بعد.
عاد الكردي من واشنطن، طائراً في طائرة من الفرح، وربما مصحوباً بهدايا وغيرها، وما يذكّرها بالماركة الأميركية من لباس وتذكارات، وربما قنينة كوكاكولا الأميركية الأصلية، وربما أكثر، قنينة ويسكي معتَّق، في علبة مذهبة تعبيراً عن انفتاحه العصري، وصور مرتَّبة تبعاً لتواريخها، والكثير منها مع ” الأصدقاء الأميركان” وفي أمكنة بحثية لـ”لأصدقاء الأميركان”، وهي لقطات تاريخية” مبروزة”، تستحق أن تقدَّم لمن ينتظر رؤيتها أو مشاهدتها أو التفرج عليها، وما في ذلك من انتشاء الذكورة الكردية والفحولة السياسية الكردية، بدءاً من الزوجة، وأهل الزوجة، والذين جهَّزوا موادهم الدعائية للرفع من شأن الموفد إلى أميركا..
اقرأوا إذاً، مجدداً، كتاب الأميركي” جوناثان راندل”( أمَّة في شقاق…)، تكتشوا حقيقة الابتسامة والقهقهة معاً!