وسترك يا زرادشت النبي …!! كيف حدث ذلك فلا أعلم أيضاً .
هذا ما حدثنا به عم كنت أكن له الاحترام والتقدير واسمه “H.Ş” في حديث مقتضب وهو من العشائر الأومرية المعروفة الذي كان يسكن حي القدور بك الشرقي منذ أكثر من /20/ عاما .وحينذاك كان يرتاد قرانا ليشتري الحقول المزروعة بالخضرة الجاهزة من فلاحي القرى ” الجبس والبطيخ ” بعد أن ينبت الحقل قليلا والآن لا نعلم فيما إذا كان حيا أو انتقل إلى جوار ربه .
فقال : البركة فيكم أنتم هذا الجيل أما نحن فقد انتهينا ومن الأسباب الكثيرة التي جعلت من الكرد في هذا الوضع المتخلف هو ذيل الحمار الأسود .
فقلت كيف وما علاقته وهل تمازح ..؟ .
فقال: لا يا ابن أخي وهل ترى في وجهي ومن لحيتي البيضاء وأنا بهذا السن من مازح في مثل هكذا أمور ولكن أريد أن أقول لك هذه الحكاية التي جرى معي وقس على ذلك الأسباب الأخرى التي جعلت منا نحن الكرد أعداء للبعض إلى أن ضعنا جميعا وضاعت معنا الحقوق وهدرت الكرامة ولا أحد يحترمنا في هذا العالم وللعلم أن أبنا للعم (ح.
ِش) قد استشهد في كردستان الشمالية فيما بعد .
قال العم والحديث له :في زمن أيامي هناك لم يكن يوجد في المناطق الأومرية حمار له ذنب سليم .
فجميع الحمير هناك قد قطعت أذنابها تماما أو كاد .
فقلت له لماذا يا عماه أهي حرب عليها أم عادة طهارة لأذيالها عند العشائر الأومرية.
فقال كلا يا بني ولكن لا ينام الأومري على ضيم من هتك العرض والشرف ومن ثم ابتسم قليلا بعد أن سحب نفسا عميقا من سيجارة ملفوفة بالتبغ المارديني.
قلت كيف ولم أفهم وما علاقة الحمير بالشرف والعرض.
ولا شك أن العشائر الأومرية رجال شجعان ويشهد لهم بكرم الضيافة ولي أصدقاء حميمين وما زالوا ولهم تاريخ طويل وباع في نضال الكردايتي .
فقال نعم وهم كذلك وأنت الصادق ولكن لنا في كل عرس قرص ولا تنسى أننا شجعان على بعضنا ولكن حكاية الحمير عندنا حكاية مثل حكاية الجمل بسوس عند العرب وتعتبر من العرض والناموس قبل الأرض وقد كان بالمثل لدى العشائر الكردية الأخرى….
استطرد العم “ح .ش” في سرد الحكاية قائلا : إن المناطق الأومرية تشتهر بزراعة الكروم والبساتين .
فلا يوجد بيت وإلا كان له حمار أو حماران أو أكثر لخدمة البساتين و الشؤون الأخرى وخاصة ممن يسكن في المناطق الجبلية .حيث يصطحب الفلاح حماره معه إلى الحقول وعادة ما يترك للرعي بين بستانه بعد الربط .
وإذا شاءت اللعنة أن يفلت الحمار ذات مرة من البستان أو من البيت ودخل في بستان جار مغل فيأتي صاحبه بالمسك به وقطع ذيله بمنجل التقليم أو بسكين حاد ويتركه انتقاما من جاره لحقد دفين سابق والذي ينتظر مثل هكذا فرصة بأحر من الجمر ليشفي غله وغليله في رأس الحمار المسكين كون العلاقات بيننا كانت سيئة على الدوام وحتى في الأعياد بين الأهل ناهيك عن الآخرين .
هنا وفي هذه اللحظة التاريخية تبدأ المعركة الحقيقية وتقوم القيامة .
فيهرع أهل كل طرف لنجدة الآخر ..عشائر ..أفخاذ..
..عائلات ..فيضرب الجميع بالبعض فأنت ونصيبك من الأذى ويقتل من يقتل ويهجر من يهجر وهكذا تدوم العداوة سنوات وسنوات بسبب قطع ذيل حمار وعمك الذي أمامك هو من ضحايا حرب الحمير وخاصة الحمار الأسود وما زلت أكرهه وبذلك تركت مملكتي وأملاكي .فكيف لي ولأبيك التفكير بمستقبل أفضل والحمار يعتبر من الشرف والناموس والعرض .
مغزى الكلام من الحكاية السابقة بعد أن دارت الأيام وتوالت السنين وإذا بنا هذا الجيل لا نقل عن الآباء والأجداد وعيا ومنهج تفكير في ترتيب الأولويات والأهداف ولا نعرف من السياسة الكردوارية سوى الصراع والتخندق ضد بعضنا البعض والنتيجة خسارة للجميع بل زدنا على السلف ذيل الحمار الأبلق والأبيض والوحشي وآذانه وحوافره وشواربه وياقته وبردعته والصراع على لحية القاضي وأصبحت القيم الفاسدة وتجارب الماضي المؤلمة دروسا وعبر نهتدي بها ونفتخر بالتقاليد والمفاهيم التي لا تخدم الكرد ونعمل به وهي في كلها محل استهجان وغير منتجة ولا تستحق أن تراق قطرة دم كردي أو حتى كلمة تجريح وما هدر الطاقات في ميادين بعيدة عن منحاها الصحيح ليست بسياسية حكيمة .
مع الأسف يبدو حتى الآن ليس هناك من حل لمثل هكذا تفكير متخلف وربما ستبقى تلك الثقافة سارية المفعول إلى أجل غير مسمى ريثما تتغير المفاهيم والقيم والغايات الأساسية لدى الإنسان الكردي ولكن كيف سيكون ذلك ..؟ فلا بد من حل في مطلق الأحوال ومن بناء إنسان كردي عصري يفهم ماذا يريد من هذه الدنيا وكيف سيعيش المستقبل.
12.5.2012