حسين جلبي
بينما كُنتُ في مدينة هانوفر التي تبعد عن مكان إقامتي حوالي 140 كم، أُشارك في التظاهرة الإحتجاجية ضد إستمرار أعمال القتل و التدمير التي يمارسها النظام الدكتاتوري ضد شعبنا الثائر و مدنه لإستعادة حريته و كرامته، نـطَّ أمامي أحدهم دون مقدمات، مخاطباً أياي دون تكليفٍ أو تعريف، مستنكراً ما أكتبه و خاصةً عن حزبه، موجهاً تهديداً مبطناً لي، بسؤالي فيما إذا كنت لم أسمع عن عودة الحزب إلى سياسة ضرب الناس، و خاصة حادثة ضرب ذلك الشاب قبل أيام قليلة حسب قوله !؟ و كان ذلك بوجود شخصين من المعارف سمعا كل الحديث حيث كُنت واقفاً بينهما نتبادل أطراف الحديث، أحدهما عضوٌ في الحزب ذاته، و الذي أخذ رفيقه المعتدي بعيداً لكي لا يتطور الموقف أكثر، لكن بعد أن أعطاني الأخير درساً في الكتابة، و لائحةً بالمواضيع التي يسمح لي بالتطرق لها، و وجهة نظره التي يجب أن أتبناها، و أبرزها أثناء ذلك.
كمواطن في جمهورية ألمانيا الإتحادية، فإن أول خطوة يجب أن أقوم بها في هذه الحالة هي التقدم ببلاغ إلى سُلطات بلادي ضد الشخص الذي هددني، لكي أُخلي مسؤوليتي فيما إذا حصل شئ سئ فيما بعد أولاً، و لأن الأمر لا يتعلق بالإعتداء على حقوقي الشخصية فقط بل هو إعتداءٌ على المجتمع الذي أعيش فيه ثانياً، و إعتداء كذلك على قوانين و دستور دولة ألمانيا التي تكفل لي ممارسة حقوقي ضمن إطارها، و منها حرية التعبير عن الرأي.
لكن الإنتماء إلى الجذور الشرقية يجعل الطبع يغلب التطبع أحياناً، و يجعل المرء يُخالف قوانين الدولة التي يحمل هويتها، و إن كان ذلك ضد مصلحته الشخصية، لا بل قد يتسببُ له في أذىً قد يقتصر على الأضرار النفسية جراء وجود مثل هذه العاهات، لأنه يقول لنفسه في مثل تلك اللحظات أن جرجرة مثل هذا الشخص أمام القانون، و هو الذي لم يسمع ربما طوال حياته بشئ أسمه قانون، و يجهل بالتالي عاقبة فعلته، رغم أنه يعيش على هذه الأرض، قد يسبب الضرر لعائلته التي لا يكون لها ذنب في تصرفه، و قد يفتح ملف الجهة التي ينتمي إليها، و التي تنطع هو للدفاع عنها ـ ربما ـ دون أن تكون موافقة على سلوكه، فيترك المرء المسألة للحظة ما قد يكون (للشيطان) دورٌ فيها، و ذلك عندما يندفع لإتخاذ الخطوة التي تنسجم مع كونه شخص متمدن مرجعيته القانون بعيداً عن العواطف البالية.
………………..
رغم توجه السيد صالح مُسلم في نهاية توضيحه إلى زملاءه في هيئة التنسيق الوطنية بضرورة توخي الحذر في جميع تصريحاتهم الصحفية (بحيث لا يعطوا الفرصة لمن يتصيد الكلمات لإستغلالها في خدمة مآربه الخاصة)، لكنه هو نفسه أكد في ذلك التوضيح ما جاء في التصريحات الصحفية الأخيرة للمنسق العام للهيئة عدا نقطتين.
فهو أكد ما جاء فيها من إلتزام حزبه و كأحد القوى المشكلة للهيئة بالمواثيق و الإتفاقات التي أقرتها هذه في مؤتمراتها و مرجعياتها، و هو ما كنا قد أشرنا إليه في مقالنا السابق عندما قمنا بالتذكير برفض عبدالعظيم للفدرالية كحل محتمل للقضية الكُردية و التي أكد السيد مسلم كذلك رفضه لها، (عبدالعظيم ذكر رفض الهيئة للفدرالية و الحكم الذاتي و الإدارة الذاتية) إضافة إلى إعلان الأخير ـ السيد مسلم ـ بأن (زيارة وفد هيئة التنسيق إلى تركيا أمر طبيعي جداً نظراً للدور الذي تلعبه في الأزمة السورية)، وهو ما كنا قد أشرنا إليه كذلك بالقول أن زيارة الوفد لم تكن لتتم لولا رضا حزب الإتحاد الديمقراطي و بالتالي فإن الهيئة تمثل الحزب كذلك أمام الأتراك و كل التصريحات التي صدرت عنها هناك تعتبر كأنها صادرة عنه.
أما أولى نقطتي الخلاف بين تصريحات الرجُلين فقد كانت عن مؤتمر هولير، حيث ذهب عبد العظيم في حديثه للأتراك إلى أن السبب في عدم ذهاب حزب الإتحاد إلى كُردستان لحضوره هو (سورية الحزب، و إلتزامه كنتيجة لذلك بوحدة سوريا أرضاً و شعباً)، في حين يقول السيد صالح أن لا شأن للهيئة في الأمر، لكنه لم يقل بصحة أو عدم صحة أقوال المنسق العام.
النقطة الثانية هي قول عبد العظيم (أن حزب الإتحاد الديمقراطي قدم بروشور عن الإدارة الذاتية الديمقراطية لهيئة التنسيق الوطنية و نحن من جهتنا أكدنا أن يكون المشروع لكل سوريا و هذا ما سنناقشه في الأيام القادمة)، و رد السيد مسلم بعد قليل بأننا (قمنا بطرح الإدارة الذاتية على الهيئة حيث لاقت قبولاً من جميع الأطراف، بل هذه الأطراف رأت مشروعنا يشكل أرضية مناسبة لتعميم الديمقراطية في عموم سوريا)، فبصرف النظر عن الرأي في مشروع الإدارة الذاتية، و في تأكيد الطرفين على صلاحيته لكل سوريا، و كأنهم الطرف الوحيد المتواجد على الساحة، المنوط به إيجاد الحلول لمشاكلها، و فرض هذه الحلول حتى لو خالفت إرادة الآخرين، فإن هناك فارق بين قول عبدالعظيم بأن المشروع (ستتم مناقشته في الأيام القادمة) و قول نائبه بأن المشروع (لاقى قبولاً من جميع الأطراف)، فشتان بين الأمرين، و كان على الأطراف الإنتباه لتصريحاتها المتعارضة فعلاً، لتجنب البلبلة، و أن تلجأ كحل للإشكال إلى نشر الوثيقة المتضمنة قبول المشروع على موقع الهيئة، إن وجدت، أليس كذلك؟
………………..
كل ما يفعله المجلس الوطني الكُردي خلال الفترة الأخيرة هو مجرد هروبٌ إلى الأمام، هروبٌ من الإستحقاقات الكُردية و السورية، فهو لا يمتلك مبادرة عملية لقيادة المرحلة داخل المناطق الكُردية في سوريا، لذلك نراه يحاول ملاحقة الأحداث بالبيانات التي لا تساوي شيئاً في بورصة السياسة، كما أنه لا يمتلك مبادرة لإذابة الجليد الذي أوجدته مواقفه المتصلبة مع المعارضة السورية، رغم التذبذب في تلك المواقف مؤخراً.
و للتغطية على فشله على الجبهتين معاً نجد المجلس يقوم بتنظيم رحلات تعارف مكوكية لأعضائه حول العالم، تردنا أخبارها مدعومة بصور تذكارية جميلة لأعضاء الوفود، الأنيقين حقاً، و هُم في مع موظفين لدوائر مختلفة في مكاتبهم الفخمة، و كأنهم قد قاموا بفتح الفتوح.
ماذا يعني عدم تواجد المجلس على خريطة الأحداث الغامضة في الأحياء الكُردية في مدينة حلب مثلاً و التي أدت لسقوط عدد من الشهداء و الجرحى إضافةً إلى الخسائر المادية، و كأن تلك الأحداث تجري في مناطق نائية أو مُعادية و مغلقة أمامه، و بالمناسبة حتى مثل هذه المناطق يخترقها اليوم صحفيون شجعان ليزودوننا بتقارير عنها.
و ماذا يعني تضييع المجلس للفرصه التاريخية التي وفرتها له الثورة السورية للتقرب من المعارضة السورية، للتعرف عليها، فرداً فرداً، و حتى تكوين صداقات شخصية معهم، لشرح القضية الكُردية لهم على جُرعات، بصورة تسهل المهمة فيما بعد عند سقوط النظام، و طرح مشروع حل عادل لها، بدلاً إخافة المعارضة، و مخاطبتها بأسلوب فوقوي، جاف و متعجرف، يفتقر للدبلوماسية، ملخصه هذا حقنا و نقطة إنتهى، و كأن مطالبة بالحقوق لا يحتاج إلى إبتسامات جميلة كتلك التي يظهرونها أمام العدسات مع مضيفيهم الأجانب.
إنها دعوة للمجلس الوطني الكُردي للتوجه إلى ساحته الحقيقية، لأن وزنه هناك لا يعادل حجمه المُعلن أو الذي يعلنه هو، و دعوة لتكون الصورة القادمة (و مع حفظ الألقاب) مع صالح مسلم و رفاقه و مع برهان غليون و رفاقه، إبتسموا، و ستكون الصورة أجمل.
إنه التحدي الحقيقي أمام المجلس الكُردي، فماذا ينفعه إذا طاف كل العالم و ربح كل من قابله، و لكن خسر هؤلاء جميعاً.
لكن الإنتماء إلى الجذور الشرقية يجعل الطبع يغلب التطبع أحياناً، و يجعل المرء يُخالف قوانين الدولة التي يحمل هويتها، و إن كان ذلك ضد مصلحته الشخصية، لا بل قد يتسببُ له في أذىً قد يقتصر على الأضرار النفسية جراء وجود مثل هذه العاهات، لأنه يقول لنفسه في مثل تلك اللحظات أن جرجرة مثل هذا الشخص أمام القانون، و هو الذي لم يسمع ربما طوال حياته بشئ أسمه قانون، و يجهل بالتالي عاقبة فعلته، رغم أنه يعيش على هذه الأرض، قد يسبب الضرر لعائلته التي لا يكون لها ذنب في تصرفه، و قد يفتح ملف الجهة التي ينتمي إليها، و التي تنطع هو للدفاع عنها ـ ربما ـ دون أن تكون موافقة على سلوكه، فيترك المرء المسألة للحظة ما قد يكون (للشيطان) دورٌ فيها، و ذلك عندما يندفع لإتخاذ الخطوة التي تنسجم مع كونه شخص متمدن مرجعيته القانون بعيداً عن العواطف البالية.
………………..
رغم توجه السيد صالح مُسلم في نهاية توضيحه إلى زملاءه في هيئة التنسيق الوطنية بضرورة توخي الحذر في جميع تصريحاتهم الصحفية (بحيث لا يعطوا الفرصة لمن يتصيد الكلمات لإستغلالها في خدمة مآربه الخاصة)، لكنه هو نفسه أكد في ذلك التوضيح ما جاء في التصريحات الصحفية الأخيرة للمنسق العام للهيئة عدا نقطتين.
فهو أكد ما جاء فيها من إلتزام حزبه و كأحد القوى المشكلة للهيئة بالمواثيق و الإتفاقات التي أقرتها هذه في مؤتمراتها و مرجعياتها، و هو ما كنا قد أشرنا إليه في مقالنا السابق عندما قمنا بالتذكير برفض عبدالعظيم للفدرالية كحل محتمل للقضية الكُردية و التي أكد السيد مسلم كذلك رفضه لها، (عبدالعظيم ذكر رفض الهيئة للفدرالية و الحكم الذاتي و الإدارة الذاتية) إضافة إلى إعلان الأخير ـ السيد مسلم ـ بأن (زيارة وفد هيئة التنسيق إلى تركيا أمر طبيعي جداً نظراً للدور الذي تلعبه في الأزمة السورية)، وهو ما كنا قد أشرنا إليه كذلك بالقول أن زيارة الوفد لم تكن لتتم لولا رضا حزب الإتحاد الديمقراطي و بالتالي فإن الهيئة تمثل الحزب كذلك أمام الأتراك و كل التصريحات التي صدرت عنها هناك تعتبر كأنها صادرة عنه.
أما أولى نقطتي الخلاف بين تصريحات الرجُلين فقد كانت عن مؤتمر هولير، حيث ذهب عبد العظيم في حديثه للأتراك إلى أن السبب في عدم ذهاب حزب الإتحاد إلى كُردستان لحضوره هو (سورية الحزب، و إلتزامه كنتيجة لذلك بوحدة سوريا أرضاً و شعباً)، في حين يقول السيد صالح أن لا شأن للهيئة في الأمر، لكنه لم يقل بصحة أو عدم صحة أقوال المنسق العام.
النقطة الثانية هي قول عبد العظيم (أن حزب الإتحاد الديمقراطي قدم بروشور عن الإدارة الذاتية الديمقراطية لهيئة التنسيق الوطنية و نحن من جهتنا أكدنا أن يكون المشروع لكل سوريا و هذا ما سنناقشه في الأيام القادمة)، و رد السيد مسلم بعد قليل بأننا (قمنا بطرح الإدارة الذاتية على الهيئة حيث لاقت قبولاً من جميع الأطراف، بل هذه الأطراف رأت مشروعنا يشكل أرضية مناسبة لتعميم الديمقراطية في عموم سوريا)، فبصرف النظر عن الرأي في مشروع الإدارة الذاتية، و في تأكيد الطرفين على صلاحيته لكل سوريا، و كأنهم الطرف الوحيد المتواجد على الساحة، المنوط به إيجاد الحلول لمشاكلها، و فرض هذه الحلول حتى لو خالفت إرادة الآخرين، فإن هناك فارق بين قول عبدالعظيم بأن المشروع (ستتم مناقشته في الأيام القادمة) و قول نائبه بأن المشروع (لاقى قبولاً من جميع الأطراف)، فشتان بين الأمرين، و كان على الأطراف الإنتباه لتصريحاتها المتعارضة فعلاً، لتجنب البلبلة، و أن تلجأ كحل للإشكال إلى نشر الوثيقة المتضمنة قبول المشروع على موقع الهيئة، إن وجدت، أليس كذلك؟
………………..
كل ما يفعله المجلس الوطني الكُردي خلال الفترة الأخيرة هو مجرد هروبٌ إلى الأمام، هروبٌ من الإستحقاقات الكُردية و السورية، فهو لا يمتلك مبادرة عملية لقيادة المرحلة داخل المناطق الكُردية في سوريا، لذلك نراه يحاول ملاحقة الأحداث بالبيانات التي لا تساوي شيئاً في بورصة السياسة، كما أنه لا يمتلك مبادرة لإذابة الجليد الذي أوجدته مواقفه المتصلبة مع المعارضة السورية، رغم التذبذب في تلك المواقف مؤخراً.
و للتغطية على فشله على الجبهتين معاً نجد المجلس يقوم بتنظيم رحلات تعارف مكوكية لأعضائه حول العالم، تردنا أخبارها مدعومة بصور تذكارية جميلة لأعضاء الوفود، الأنيقين حقاً، و هُم في مع موظفين لدوائر مختلفة في مكاتبهم الفخمة، و كأنهم قد قاموا بفتح الفتوح.
ماذا يعني عدم تواجد المجلس على خريطة الأحداث الغامضة في الأحياء الكُردية في مدينة حلب مثلاً و التي أدت لسقوط عدد من الشهداء و الجرحى إضافةً إلى الخسائر المادية، و كأن تلك الأحداث تجري في مناطق نائية أو مُعادية و مغلقة أمامه، و بالمناسبة حتى مثل هذه المناطق يخترقها اليوم صحفيون شجعان ليزودوننا بتقارير عنها.
و ماذا يعني تضييع المجلس للفرصه التاريخية التي وفرتها له الثورة السورية للتقرب من المعارضة السورية، للتعرف عليها، فرداً فرداً، و حتى تكوين صداقات شخصية معهم، لشرح القضية الكُردية لهم على جُرعات، بصورة تسهل المهمة فيما بعد عند سقوط النظام، و طرح مشروع حل عادل لها، بدلاً إخافة المعارضة، و مخاطبتها بأسلوب فوقوي، جاف و متعجرف، يفتقر للدبلوماسية، ملخصه هذا حقنا و نقطة إنتهى، و كأن مطالبة بالحقوق لا يحتاج إلى إبتسامات جميلة كتلك التي يظهرونها أمام العدسات مع مضيفيهم الأجانب.
إنها دعوة للمجلس الوطني الكُردي للتوجه إلى ساحته الحقيقية، لأن وزنه هناك لا يعادل حجمه المُعلن أو الذي يعلنه هو، و دعوة لتكون الصورة القادمة (و مع حفظ الألقاب) مع صالح مسلم و رفاقه و مع برهان غليون و رفاقه، إبتسموا، و ستكون الصورة أجمل.
إنه التحدي الحقيقي أمام المجلس الكُردي، فماذا ينفعه إذا طاف كل العالم و ربح كل من قابله، و لكن خسر هؤلاء جميعاً.
11.05.2012
jelebi@hotmail.de
jelebi@hotmail.de