في سباق التنازلات الكوردية

جان كورد

يوم الأحد الماضي، عدت مع أحد كوادرنا القدامى في الحركة الكوردية، المستقاين منذ أكثر من ثلاثة عقودٍ من الزمن، من مدينة إيسن الألمانية، بعد المشاركة في سيمينار لرابطة الكتاب والصحافيين الكورد بالاشتراك مع جمعية نوبهار الثقافية، وفي الطريق تحدثنا عن أوضاع الحركة، فقال:”لقد تنازلنا بعد تأسيس بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا في خمسينيات القرن الماضي عن هدفه المعلن آنذاك، ألا وهو (تحرير وتوحيد كوردستان) حتى نبعد عنا تهمة العمل من أجل (الانفصال) عن سوريا، ولكن مع هذا، منذ ذلك الحين حتى اليوم، فإن التهمة التي تلقى على كوادر الأحزاب الكوردية المعتقلين هي (العمل على اقتطاع جزء من سوريا وضمه إلى دولة أجنبية)… أليس هذا بغريب؟”
برأيي، هذا ليس بغريب، لأن عقلية من في النظام السياسي السوري، وكذلك معظم الذين في المعارضة السورية، عقلية متخلفة ومتشنجة، قوامها التربية القومية الضيقة، التي لم تربي المواطن لقبول الآخر، مهما كان صاحب حق، بل إن كل البشر الذي نطلق عليهم اسم “كورد”، وهم بحدود 35-45 مليوناً من أبناء الجن والعفاريت، ليسوا في نظر هؤلاء العنصريين إلا دخلاء وأجانب ومهاجرين ومتطفلين على “الدول التي تأويهم”، وما عليهم إلا السكوت، طوعاً أو كرهاً، إن أرادوا العيش في بلاد العرب والترك والفرس، دون استمرار الاضطهاد والتشريد والاقصاء بحقهم، إذ ليس للكورد وطن في رأيهم إطلاقاً، وإن وجد فليس في ما تحت أيديهم من بلاد.

قبل شهورٍ عديدة، وفي خضم الثورة السورية الكبرى، تأسس في صفوف الحركة الوطنية الكوردية تجمع كبير باسم “المجلس الوطني الكوردي”، فحدد الأسس الكبرى التي قام عليها، ألا وهي الاتفاق على مبدأ “حق تقرير المصير” وضرورة أن يكون للشعب الكوردي حق دستوري في “إدارة نفسه” في “لامركزية سياسية”، فسرتها بعض الأطراف في المجلس ب”الفيدرالية القومية”، إضافة إلى اساس واضح للعيان، وهو أن هذا “الشعب الكوردي يعيش على جزء من ارض وطنه”… بمعنى وجود جزء من كوردستان في سوريا… ثم لاحظ  “الواقعيون!” بأن المجلس قد “نسف الجسر” بذلك بينه وبين فصائل المعارضة السورية، التي يرى هؤلاء الواقعيون أو “الحمائم” ضرورة أن يكون المجلس الكوردي ضمنها وملتزماً بمواثيقها، حتى يتم قبوله كمكون سياسي سوري، فتباحثت “الحمائم” مع “الصقور”، وتوصل المختلفون إلى قناعة مفادها أن الطريق لقبولها في أطر المعارضة السورية، التي ربما ستصل إلى الحكم عن طريق امتطاء ظهر الثورة السورية، هو إصدار بيان سياسي خالٍ من كل الأسس التي يتبناها المجلس حقيقةً، فصدر بيان اعتبره ناقدو المجلس الكوردي”صك ترضية لبعض العنصريين” في المعارضة السورية، وفي حين اختلفت ردود فعل زعماء المجلس على نقد الشارع الكوردي لبيانهم هذا، فقد جاءت اللطمات الموجعة حقيقةً من رئيس المجلس الوطني السوري ومن الأمين العام لهيئة التنسيق الوطني السورية، الأستاذ حسن عبد العظيم، ومن رئيس حزب “الاتحاد الديموقراطي”، السيد صالح مسلم، الذي لم يكتف بدعوة المجلس إلى الالتزام بالهيئة ذاتها، باعتبار حزبه جزءاً مؤسساً منه، وانما يوافق السيد حسن عبد العظيم على “عروبة سوريا” ويتراجع بصراحة عن كل ما آمن به ايام شبابه بصدد القضية القومية لأمته الكوردستانية، فهو يكاد يعتبر “كوردستان” في تصريحه الأخير مع راديو “نه وا” خيالاً مقابل اعتبار “سوريا جزء من الأمة العربية” واقعاً لابد من قبوله، وهذا يعني عملياً التملص من كامل مسؤوليته تجاه قضية كوردستان، وتنازله في سبيل “إرضاء حفنة من العنصريين” ضمن جوقة الهيئة السورية التي انضم اليها على حساب الشعب الكوردي… وكأنه يقول:”لاوطنية سورية للشعب الكوردي باستقلالية الحركة الكوردية”.، مع أن الأصل هو الحرية في التحالفات.
http://www.youtube.com/watch?v=EOg5jEATMZk&feature=youtu.be

هذا السباق بين المجلس الوطني الكوردي وحزب الاتحاد الديموقراطي في تقديم التنازلات لن يجدي، كما أن تهمة “اقتطاع جزء من سوريا والسعي لضمه إلى دولة أجنبية!” لاتزال تطلق لدى كل محاكمة لناشط كوردي طالب لشعبه بحقٍ من الحقوق، ضمن سوريا موحدة وديموقراطية.

وبسبب شعور بعض “الأذكياء” في قيادات الحركة السياسية الكوردية بأنهم بتنازلات أحزابهم يفسخون العقد بينهم وبين شعبهم ويحدثون شرخاً يبعدهم عن هذا الشعب، فإنهم مضطرون للبحث عن ساحات لانجاز لانتصارات سياسية، منها الساحتان الكوردستانية والدولية، ولكن الشعب الكوردي أوعى من أن يخدع بهذه الأساليب ويتنازل عن حقه القومي الناصع والواضح كالشمس.

برأيي، لو وضعت القوى الكوردية بناء “تحالف” خاص بها وشامل لكل فصائلها دون استثناء، لكانت في وضعٍ أفضل مما هي عليه الآن، وعندها فإن الديموقراطيين ذوي اللهجة العنصرية من أمثال برهان غليون وحسن عبد العظيم مضطرون للمجيء إلى الكورد بهدف التباحث معهم، ولما ظهر هذا السباق الأرعن في تقديم التنازلات بين الفصائل الكوردية لمن يقول لهم باستمرار:”هل من مزيد!”

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…