الثابت والمتحول في معادلة الثورة السورية

  افتتاحية جريدة آزادي
بقلم رئيس التحرير

 لئن كانت الثورة السورية قد بدأت في أواسط آذار من العام المنصرم بشكل عفوي ومفاجئ ، إلا أنها ولدت في ظروفها الملائمة بما تعني توفير العوامل والمستلزمات الأساسية لها ، الموضوعية منها و الذاتية ، حيث التغيير الذي جرى ويجري في العالم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي ، مرورا بأوربا الشرقية وشعوب البلقان ، وصولا إلى أفغانستان والعراق ، ثم جاء الربيع العربي استكمالا لذاك التغيير الذي غدا أشبه بمشروع كوني عام ، تتوالى حلقاته عبر نضوج العوامل الداخلية أو المجتمعية من حيث تراكم المعاناة لتبلغ ذروتها في تشديد القبضة الأمنية للأنظمة الاستبدادية على رقاب الجماهير والقوى السياسية قمعا وتعسفا ، ومع تفاعل وتهيئة تلك العوامل ،  تأتي فرص الأسباب المباشرة لاكتمال الشروط الأساسية لاشتعال الثورة في بلدان ذات الأنظمة الشمولية ، وبدأت بتونس ومن ثم مصر وليبيا واليمن وصولا إلى بلدنا سوريا ..
هذا وقد مضى على اندلاع الثورة السورية السلمية هذه حوالي أربعة عشر شهرا ، استخدمت السلطات في مواجهتها مختلف الأسلحة والذخائر الحية لتجعل ألوان طيف المجتمع السوري على طول البلاد وعرضها عرضة للقتل والقمع والتشريد والاعتقال فضلا عما تكبدها من خسائر مادية جمة في سلب ونهب للأموال والممتلكات وهدم للمباني والمحال التجارية وحتى للمنازل فوق رؤوس أصحابها ، كل ذلك ما جعل من أهالي العديد من المناطق والمدن والبلدات وحتى الأرياف المضي في طريق اللاعودة ، والعمل من دون هوادة أو تردد وجنبا إلى جنب إخوانهم في النشاط والحراك الجماهيري العارم  ، لأنهم يرون في ذلك سبيل خلاصهم ، حيث لا خيار آخر لهم سوى الاستمرار والمضي في الثورة حتى تحقيق أهدافها ومراميها في إسقاط النظام و إنهاء الاستبداد وضمان الحريات الحقيقية والعيش بأمان واطمئنان في ظل نظام ديمقراطي برلماني تشاركي يكفل العدل والمساواة الحقيقية بين مختلف مكونات الشعب السوري بكل انتماءاته القومية والدينية والسياسية من دون تمييز أو امتياز لأحد ..

وأمام هذا الوضع المأساوي وعبر مسيرة هذه الثورة ، ازدادت المبادرات والمشاريع وعلى مختلف المستويات الداخلية والخارجية الإقليمية منها والدولية بغية حل الأزمة التي تعصف بالبلاد ، وتكللت الجهود العربية والدولية بمبادرة توافقت عليها الأطراف المعنية ، وهي مبادرة المبعوث الدولي كوفي أنان ، التي ارتضتها المعارضة الوطنية وامتداداتها الإقليمية والدولية كسبيل – إذا ما تم تنفيذها – في إنهاء النظام ونقل السلطة إلى المعارضة سلميا ، وكذلك قبلها النظام وامتداداته الإقليمية والدولية سبيلا للمماطلة والالتفاف على حساب الزمن وأملاً في قلب الموازين لصالحه للخروج من هذه الأزمة مع الاحتفاظ بسيطرته على مواقع القرار ، أي أن كل من السلطة والمعارضة بدتا تتقاذفان المبادرة بغية استثمارها وكل منهما لصالحه ، ذلك على حساب دماء الضحايا والشهداء ودموع الثكلى من الأمهات ..الخ .

هكذا وعبر استمرار دوامة العنف ، وخلال التداخلات الإقليمية وتشابكات المصالح السياسية والاقتصادية لأطراف من المجتمع الدولي ، فإن الوضع بمجمله يثير الارتياب في مصداقية البعض من تلك الجهات بوضع العصي أمام عجلة الثورة السورية بغية عرقلة تقدمها ، أو تأخيرها عن إنجاز مهامها وتحقيق أهدافها ضمن سياق الزمن الأنسب ، فبالأمس القريب كان نظام الاستبداد يصرخ ” بوجود مؤامرة دولية عليه ” واليوم تبدي المعارضة على لسان بعض رموزها ” بوجود مؤامرة على الشعب السوري ” أي أن موازين القوى حقيقة غير ثابتة في الوقت الحالي فهي تتبدل وتتغير وفق المؤشرات والمعطيات التي تتجدد ، لكن الأمور في مجملها تسير نحو الأفضل طالما أن قوى الثورة مازالت متماسكة وفاعلة وهي أشد قوة وأكثر مراسا ..
واليوم ، تزداد اللوحة ضبطا للثابت والمتحول في موازين الثورة السورية ، ذلك من خلال المشهد السياسي الذي يزداد تفاعلا ويوحي في مجمله إلى أن المتحول ليس إلا في بعض القضايا السطحية دون الجوهرية ، وهي ترتبط ببعض موازين القوى المؤقتة والأزمنة والمصالح الآنية التي تدخل لصالح هذا التوجه أو ذاك ، أو الخاضعة لبعض العقبات والعراقيل المرحلية التي تنتهي بانتهاء أزمنتها القصيرة ، كما يشير ذاك المشهد إلى أن الثابت في هذه المعادلة أن الثورة السورية مستمرة ، وأن علاقات القوى الحليفة تتفاعل أولا بأول ، وأن المعارضة السياسية تتقارب أكثر ، واللقاءات والمحافل المرتقبة سوف تفضي إلى نتائج هامة أو أنها ستهيئ لأجواء وظروف أكثر ارتياحا ، وأن قضايا الخلاف تنحسر ومسائل التوافق تزداد تعميقا ورسوخا بين الأطراف الوطنية المعنية ، أي أن المعطيات في مجملها تشير إلى إمكانية تحقيق نوع من التوافق والانسجام بين مختلف كتل المعارضة الوطنية عبر اللقاءات والمؤتمرات في هذا الشأن ، وبينها وبين قوى الثورة الفاعلة على الأرض ، ذلك بمزيد من مد يد المساعدة والدعم المادي والمعنوي  لها من لدن تلك القوى ، كل ذلك إلى جانب قوى المحبة للحرية والديمقراطية والسلام  ومساندة المجتمع الدولي لها ، والتي تؤكد في معظمها بداية النهاية للاستبداد ، الأمر الذي يبعث على الارتياح ويطرد من النفوس كل أسباب  اليأس والقنوط ، وهي في مجملها تؤكد أن المسألة هي مسألة الزمن ليس إلا ، وأن بزوغ فجر جديد هو ( قاب قوسين أو أدنى ) ، لينعم كل ذي حق حقه ، في وطن بناه الكل ويتسع لجميع مكوناته الوطنية القومية والسياسية والدينية  ..


8/5/2012

* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (444)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…