انتخابات على وقع الدم والألم

عمر كوجري
 

استنفرت صباح اليوم جميع وسائل إعلام النظام السوري الحكومية أو الخاصة لرصد انتخابات مجلس الشعب، وتوقعت أن التصويت سيكون «عالياً جداً» دون أن ترتكز على أية معطيات واقعية أو موضوعية، وتحدثت عن أجواء تنافسية وعن «قطار الإصلاح الوطني الديقراطي» والإيحاء لجمهور المصفقين في الداخل أو الخارج بأن الأمور في سوريا طبيعية، وأن المسألة كما يقولون في طريقها للحل.
هذه الانتخابات،  لا تجري في ظروف صحية وصحيحة بسبب أن البلد يعاني من أزمة سياسية عميقة منذ أكثر من أربعة عشر شهراً، ولا يبدو في الأفق أية بوادر حل قريبة رغم تدويل المشكلة، ودخول الأمم المتحدة على الخط السوري الساخن، ورغم تطمينات النظام لمؤيديه بقرب «الانفراجة الكبرى»
الانتخابات تجرى اليوم، وثمة سبع محافظات على الأقل بدلاً من بأن تزدان بصور المرشحين ولافتاتهم، وتملأ صناديق الاقتراع مراكزها الانتخابية في الدوائر الرسمية والمدارس، أصبحت جدرانها ملأى بصور الشهداء، وشوارعها مقفرة وأهلها مشرّدين في قفار الله في الداخل والخارج،  فثمة تقارير تتحدث عن تهجير أكثر من مليون ونصف المليون داخل البلاد وعشرات الآلاف خارج البلاد في المهاجر القريبة والبعيدة.
ناهيك عن دك القرى والمدن بالأسلحة الثقيلة في رغبة محمومة لقهر وكسر إرادة الشعب السوري.
أمام هذا الوضع الذي بات في الوقت الراهن أكثر من شائك كان ينبغي على النظام أن يفكر جدياً بوقف النزيف الذي هو مسؤول عنه باعتباره السلطة الحاكمة، أن يسحب دباباته وأسلحته الثقيلة من المدن والبلدات والقرى السورية، ويقوم بإصلاحات حقيقية لا شكلية هي بمثابة رسائل موجهة للخارج أكثر مما هي موجهة للداخل، ويدعو كل أطراف المعارضة في الداخل والخارج للاتفاق على كلمة سواء توقف هدر دماء شباب وأطفال ونساء سوريا.، ولا يفصل معارضة « وطنية» على مقاس مصلحته، ويشطب على معارضة أخرى تغرد خارج سربه، وينعتها باللاوطنية.
النظام مازال مستمراً في تجاهل كل ما يحدث في سوريا، ويعتبر الحدث، وكأنه عابر وغيمة راحلة، ومازال مصراً على حله الأمني الذي لم يؤت أكله رغم كل هذا الدمار الذي يلف سوريا، وكل الجراح الناكئة، والتي يتطلب وقت طويل حتى تندمل لان مساحة هذه الجراح كبيرة ورقعة الدم ضخمة ومخيفة.
أمام هذا الوضع، لن تكون هذه الانتخابات ذات فائدة على مستوى الوطن، وكان بالإمكان تأجيلها إلى حين تأمين مصالحة وطنية حقيقية، لا غالب فيها، والإقرار بأن الخطأ الكبير حدث، والجميع مغلوب، والخاسر الأكبر في كل هذه الآلام هو سوريا الوطن..

سوريا الشعب.
لم تشترك المعارضة السورية في هذه الانتخابات، وعدّتها صورة فوتوغرافية عن سابقاتها، حيث نجاح الناجحين مؤمن قبل كل شيء، وسقوط غير المرغوب بنجاحهم مؤكد، ورأت أن التوقيت غير ملائم بالمطلق لإجراء انتخابات، والشباب نشطوا في كتابة عبارة (شبيح) على  صور المرشحين، ومزقوا صورهم  جهاراً دون خوف.

بالتأكيد ستجرى هذه الانتخابات، وسيصل عدد المشاركين إلى «أرقام عالية جداً»، إلى ملايين المشاركين حسبما قالت الوكالة الوطنية، وفي « أجواء ديمقراطية جداً جداً » وبتأكيد مؤكد  سيستمر نزف دماء السوريين..

أما متى يتوقف؟؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…