خطة عنان والدم السوري المراق

  افتتاحية جريدة آزادي
يكتبها سكرتير الحزب المحامي مصطفى أوسو

  خطة إعادة السلام إلى سوريا، التي اقترحها، المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، السيد كوفي عنان، والمتضمنة نقاط ست، لوقف القتال والتوصل بشكل عاجل إلى وقف فعال للعنف المسلح بكل أشكاله من كل الأطراف لحماية المدنيين وتحقيق الاستقرار في البلاد، وحث الحكومة السورية على الفور بوقف تحركات القوات نحو التجمعات السكنية وإنهاء استخدام الأسلحة الثقيلة داخلها وبدء سحب التركزات العسكرية داخل وحول التجمعات السكنية.
  هذه الخطة التي وافقت عليها الحكومة السورية وتعهدت بتنفيذ بنودها وتطبيقها على أرض الواقع، والتي وصفها العديد من الأوساط السياسية الدولية، ومنها “مؤتمر أصدقاء سوريا” المنعقد في باريس أواسط شهر نيسان الجاري بـ “الأمل الأخير” لحل الأزمة السورية، لم تؤدِّ حتى الآن ورغم مرور مدة زمنية لا بأس بها إلى الهدف المنشود منها، حيث لا تزال السلطات السورية، مستمرة في سياستها القمعية وحلولها الأمنية والعسكرية، وارتكاب أفظع وأبشع الجرائم والمجازر بحق المدنيين العزل من أبناء الشعب السوري، المطالبين بالحرية والديمقراطية وإنهاء حالة القمع والاستبداد وإسقاط النظام الشمولي القائم، مستخدماً في ذلك مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة ، بما فيها المدافع وراجمات الصواريخ والدبابات، التي لا تزال تتمركز داخل وحول العديد من التجمعات السكنية، تحت مرأى ومسمع بعثة المراقبين الدوليين التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى سوريا للأشراف الميداني على تطبيق الخطة المذكورة، ودون أن يتصدى المجتمع الدولي لهذه الخروقات بشكل جدي وحازم ودون أن يضع حد لها، رغم اعتماد مجلس الأمن الدولي لبيان رئاسي يطالب سوريا بتطبيق خطة عنان فوراً، وباتخاذ إجراءات دولية أخرى في حال عدم تطبيقها والالتزام بها في أواسط شهر نيسان الجاري أيضاً.

وكنا نعتقد وندرك منذ البداية، أن خطة السيد عنان، التي حظيت بتأييد ومباركة عربية وإقليمية ودولية واسعة، لن تؤدي إلى وقف استخدام النظام السوري للقوة المفرطة واستخدام العنف وممارسة القتل والتنكيل ومختلف أنواع انتهاكات حقوق الإنسان بحق المدنيين من أبناء الشعب السوري، لأن هذا النظام أثبت خلال الفترة الماضية من عمر الثورة السورية، عدم صدقه وعدم وفائه بالتزاماته وتعهداته، وحاول بشتى الأساليب والوسائل إفشال جميع الحلول والمبادرات السياسية المطروحة التي وافق عليها ووعد بالالتزام بها، مراهناً على عامل الوقت والزمن، من خلال بحثه في التفاصيل وإغراق الجانب المقابل بالجزئيات والهوامش، كما فعل تماماً مع مبادرة جامعة الدول العربية قبل أشهر عدة، عله يفلح في إخماد الثورة والقضاء عليها بالحلول العسكرية والأمنية.

  وما أن عزز من قناعتنا وإدراكنا بعدم جدوى خطة عنان وفشلها في تحقيق أهدافها، هو تراخي الضغوط الدولية على النظام، والذي انعكس بشكل جلي وواضح في المواقف والتصريحات المرنة الصادرة قبل إقرار الخطة، وأيضاً في نصها الخطة ذاتها، والتي لم تتضمن تحديد جدول زمني أو خطوات مبرمجة ومرتبة لوقف العنف، وكذلك عدم المطالبة بتنحي بشار الأسد وعملية الانتقال الديمقراطي للسلطة، وكذلك عدم البحث عن إيجاد مخرج سياسي للأزمة التي تتفاقم يوم بعد يوم، وراح ضحيتها حوالي عشرين ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والمختفين قسرياً والمهجرين والمشردين في داخل البلاد وخارج حدودها.
  ونتساءل هنا، إلى متى سيبقى المجتمع الدولي يتفرج على المأساة الإنسانية للشعب السوري؟ ويكتفي بمجرد إصدار تصريحات وبيانات القلق والشجب والإدانة والتحذير.

إن الشعب السوري الثائر على الظلم والقهر والاضطهاد، والمتطلع للحرية والعدالة والكرامة والمساواة، يتعرض لهجمة بربرية شرسة من قبل النظام الحاكم، الذي لا يعرف غير لغة العنف والقتل والتنكيل والتدمير والتهجير، وهو – الشعب السوري – يذبح بدم بارد وتستباح كرامته وعرضه وشرفه.

وتتحول مدنه وبلداته وقراه.

إلى حطام وركام، ليس هذا فحسب، بل أنه بات يلاحق بالرصاص الحي القاتل حتى خارج حدود بلاده في مخيمات اللجوء.
  إن الجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه، يرقى بلا أدنى شك إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى أنه سيتوقف عن ارتكاب هذه الجرائم بالطرق السلمية السياسية والدبلوماسية، فقد أثبتت مجريات الأحداث أنه متمسك بالسلطة والتحكم في مقدرات البلاد والعباد مهما كانت نتائج ذلك  كارثية على البلاد، ومهما كانت حجم الخسائر البشرية والمادية.

 ومن هنا، نرى أنه لابد للمجتمع الدولي أن يتخذ مواقف وإجراءات قوية رادعة وحاسمة بحقه، لإجباره على الرضوخ لإرادة الشعب السوري في الحرية والتغيير الديمقراطي، ولابد من اتخاذ خطوات جدية بإحالة ملف المسؤولين عن ارتكاب الجرائم بحق المدنيين، إلى محكمة الجنايات الدولية، لمحاكمتهم ومحاسبتهم عن الجرائم التي ارتكبوها، وإلا فأن الوضع في سورية يتجه إلى المزيد من الخطورة والتصعيد.

* الإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا  / العدد (442)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…