سوريا إلى أين؟

  بقلم : إبراهيم اليوسف
 
مجدداً، يطرح السؤال نفسه: سوريا إلى أين؟، كما استهللنا به العنوان، أعلاه، لاسيما في ظل هذا التواطؤ العربي والأممي، ليس ضد الثورة السورية، فحسب، بل ضد أرواح ما يقارب خمسة عشرألف شهيد، و عشرات آلاف الجرحى،  والمعتقلين، ناهيك عن أن الشعب السوري، بملايينه، قد صارملاحقاً، مطلوباً، بل أن الوطن السوري برمته مطلوب الرأس.

والثورة السورية، التي يؤرخ لانطلاقتها، بالخامس عشرمن آذار، قد انتصرت في لحظة بدئها، بيد أن التآمر العام عليها، رافق الثورة، تنفيذاً للمؤامرة التي ترجمت على حساب أرواح ودماء وحياة، ومستقبل أبناء سوريا، جميعاً، حيث من لم يدفع ضريبة الدم الآن، سيكون شريكاً في الضريبة التي ستترتب على الوطن خلال عشر السنوات المقبلة، في أقل تقدير، اقتصادياً، وأمنياً، واجتماعياً، بل ثمة آثارجراح ستظل في ذاكرة سوريا والسوريين..!.
لابد من الاعتراف، أن النظام  الدموي المجرم، نجح في وضع سوريا على درب الفتنة، من خلال اللعب على كل الأوراق، داخلياً، وخارجياً، مؤكداً بذلك لا انتماءه إلا للفساد والاستبداد، ووهم ديمومة عرش السلطة، غير عارف أن كل ما ارتكبه من دماء غالية، إنما يفصم أي ارتباط بينه وكرسي السلطة، لاسيما وأن السوريين سائرون لصناعة مستقبلهم، بالرغم من أنف كل المؤامرات التي تتم.
وإذا كان السوريون قد اكتشفوا أن بلدانا كثيرة، قامرت عليهم،وأن هناك أمثلة صارخة للقمار، مقابل المثال التركي الذي يتقن اللعب على الحبال، فإن هذه الحكومات قد انكشف أمرها، إلا أن الحكومات التي لا تزال تدعي المنافحة عن السوريين، فكانت الأشد خطراً عليهم.
كما أن بعض المعارضة الخارجية-وللأسف- قد بين من خلال العقل القاصر المتحكم به، أنه مضعضع، مفكك، لاسيما في ظل هرولات بعضهم مؤتمراً مؤتمراً وراء بريق الكراسي الوهمية، ولعل ما يصلح كمثال هنا، هو أن هناك من يشتم المجلس الفلاني إلى أن يحقق ما يريد منه، فيتحول إلى مدافع صلب عنه، ناهيك عن أن من لم يحقق ذلك، فهو يطلق عنان شتائمه، وسمومه ضده، ودافع هؤلاء لا يختلف عن دوافع بعضهم في هذا المجلس للتفكير بالذات، على حساب الثورة، ودمائها، بل أن من يسجل على هذا المجلس مثلباً، تكرره بأسوأ الهيئة التي ينافح عنها، بالرغم أن المجلس الوطني يبقى -كما قلت الحالة الأمثل لتجسيد الثورة- وإن كنت أعترف بأنه مبتل بعقلل وبائي-وأعني بعض القادة الزائفين -غيرالمؤهلين لقيادة فريق كرة قدم.
  وما يؤلم بأكثر، بالنسبة إلينا كردياً، هو أننا لم نحقق الوحدة المنشودة، وما زلنا في حالة شذر مذر، بل أننا فوتنا على أنفسنا لعب الدور المركزي في المعارضة، على غرار ما فعله أهلنا في كردستان العراق، في الوقت الذي كان النظام والمعارضة ينظران على نحو خاص لقوة الكرد، التي كان من الممكن أن تترجم سلمياً، على أفضل نحو، إلا أن النظام قد نجح حقاً في تشتيت هذه القوة، بأساليبه الخاصة، من دون أن يعطينا دستوره المزعوم أي حق و اعتبار، ومن هنا، فإن أي إنجاز هامشي، في ظل العقل الدموي الاستبدادي، لاقيمة له، ما لم يكن ضمن معادلة الثورة، بل إنه يضر بمصلحة شعبنا الكردي، مادام أنه ليس في الأفق أية بوادر بديلة.

ولابد من الإشارة – هنا – أن الشباب الكردي، كان جزءاً رئيساً في ثورتهم السورية، وكان لشباب قامشلو – على سبيل المثال – مشاركتهم، منذ شهر شباط، بل في الرابع من آذار، في النزول إلى الشارع، وإن خريطة الثورة السورية، وحتى الآن، تؤكد ترجمة الشباب الكردي العالية، في هذه الثورة الباسلة، من خلال دمهم الطاهر.
 ولعلَّ تلك المعارضة المزيفة التي تزعم أن الكرد، لامكان لسؤالهم في سوريا مابعد الثورة – أو أنهم كما يزعم د.برهان غليون- غواة الوهم،  من دون أن يتخلص بعض رموزها من عقلهم الشوفيني، هي وباء على نفسها، وعلى الثورة التي أزال أبناؤها الحقيقيون كثيراً من التصورات المشوهة عن الكردي، من جراء سياسات النظام الشوفييني، وإن كانت صورة المعارضة الحقيقية التي تفهم حق الكردي، كما أنها تضع نفسها، في خدمة الثورة، هي وحدها التي تكون واجهة سوريا الجديدة.
أجل،إن الثورة السورية، التي تآمر عليها هذا التواطؤ الأممي، ساعياً إلى إطالة عمر النظام المجرم فيها، إلى حين، لايمكن لها إلا وأن تحقق هدفها الذي من أجله سال كل هذا الدم السوري الثمين.

وإن أية استعراضات ملفَّقة من قبل النظام، لإدِّعاء استعادة قوته، إنّما هي مجرد تمثيل فاشل، وإن خريطة سوريا، من عين ديوار إلى نوى، على موعد أكيد مع فجرها العظيم، المقبل….!.

* الجريدة الرسمية لاتحاد تنسيقيات شباب الكورد في سوريا / العدد (22)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

النقل عن الفرنسية إبراهيم محمود باريس – أكد البروفيسور حميد بوزأرسلان على ضرورة تحقيق الكُرد للاندماج الداخلي، وشدد على أن المسألة الكردية، بسبب الاستعمار فوق الوطني لكردستان، لا تقتصر على دولة واحدة بل هي شأن إقليمي. وتحدثت وكالة الأنباء ANF عن المسألة الكردية مع حميد بوزأرسلان، مؤرخ وعالم سياسي متخصص في الشرق الأوسط وتركيا والمسألة الكردية، يقوم بالتدريس في كلية…

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…