إبراهيم محمود
نعم، أنا سوري، أعني: كردي سوري، قبل أن أكون كردستانياً، والذين يسخطون لسماع النقيض، هم بدورهم كردٌ سوريون، قبل أن يكونوا كردستانيين في وضعهم، وأن الإصرار على كردستانية الهوية، يعني التحول في طرفة عين، أو جرَّة قلم، كما هو الانتقال الزئبقي، من جغرافيا قائمة، لها تاريخها الحديث، إلى جغرافيا مدمَّاة تاريخياً، كما لو أنهم غير معنيين بعامل النضج التاريخي، أو التمهيد لتحولات مفصلية، بقدر ما يطالبون مَن يسكنون إطار التاريخ القائم، وتآلفوا طويلاً مع جغرافيا قائمة، في أن يعيشوا نقلة نوعية فورية، إلى ما لم يتهيأوا له كلياً، كما لو أنهم يطبّقون على أنفسهم وعلى خصومهم الجغرافيين قاعدة: ما لا يدرَك كله، لا يدرَك جُلُّه!
إن الوعي الجغرافي الذي يستقر في ذاكرة شعبية ما، لا يعني أن التاريخ الذي لم يؤخذ به، وقد بَعدت بينهما المسافة، يمكن أن يتبناه داخل أرشيفه الكبير سريعاً.
ثمة حاجة إلى قوة نابذة مقابل هذا الجذب التاريخي الطويل.
نعم، لكَم أخطأ ويخطئ الذين تحدثوا ويتحدثون عن كردستان سوريا من أكرادنا المأخوذين بهوس الكردستانية، عبر بيانات وتصريحات ومقالات في المهاد الجغرافي الكردي وخارجه، إذ دون ذلك: قولاً وسلوكاً، لا مبرر، كما يبدو، لبقائهم ككرد، غير عابئين بثقل التاريخ العام، والاستعداد للتاريخ المنشود، بينما أصاب برهان غليون أكثر، وهو ينفي، منطلقاً من راهنه الجغرافي، وجود شيء اسمه كردستان سوريا، بقدر ما اعترف بكرد سوريين.
وفي المسافة الفاصلة مجدداً بين وجود كرد سوريين حتى بالمعنى القومي، والكردستانية المنفية، يمكن النظر إلى مدى اختلاف زاوية النظر بين كردستانية الناطقين باسم جغرافيا قائمة بمساحتها الخمسمائة ألف كيلومتر مربعاً، وكردية الذين يقيمون في أوطان تحوز كل منها بعضاً من هذه الجغرافيا.
إن الرهان هو في الوعي الذي يطابق بين وعيين بينهما غاية التباعد راهناً: الوعي الديموغرافي في شتاته، والوعي التاريخي الذي يجلوه في سباته.
كان المطلوب من غليون وفق المقدَّر في الكتابات الكردية المختلفة حتى الآن، أن يكون على دراية تامة بحقيقة التاريخ الكردي والجغرافيا الكردية كما هي راسخة في واعية الكردي تماماً، دونما نظر في موقعه أو ما يمثّله أو ما هو مطلوب منه، وليس ما يجب عليه القيام به جهة تصحيح مسار التاريخ والجغرافياً كلياً بضربة واحدة!
إنه الخلاف الأكبر بين غواية كردنا الذين يرفعون رايات كردستانية، دون أي اعتبار لسياق تاريخ مثقَل بالصعاب والتحديات، وكيفية انتظار الزمن المناسب الذي يجعل اسماً حقيقة قائمة، ورواية غير الكرد الذين يطوون صفحة الجغرافيا الكردية بمعناها القومي الفسيح، استناداً إلى تاريخ محلّي، دون التفكير كما يجب في شمولية تاريخ كان.
في العراك الكلامي، وهو أكثر من كلامي، والدائر بين برهان غليون وما يتمثله من ثقافة تسمّي الكردية، دون أن تتوقف عندها، حيث ثمة تربية ثقافية وقومية تتطلب المزيد من الوقت للإفصاح عنها بدقة أكثر، والذين يقفون على الخلاف التام من تصريحه، ثمة افتقاد لبوصلة التوجه المشتركة ليكون في مقدور الجميع التقابل الودي أكثر.
والذين” شقوا هدومهم” من كردنا، أو استهجنوا تصريح غليون التاريخي، كانوا في غفلة عن تاريخ لم يزل قائماً بعورته الكبرى، التاريخ الذي يتقدم الجغرافيا، والذي يلزمه وقت إضافي لتجاوز التشنجات القومية!
تُرى ما الضير في أكون سورياً، وأن أبقى سورياً، وأعزّز مكاني سورياً، بعيداً عن هذا الاقتتال السجالي أو هذا الاستنفار الجغرافي، دون أن أمحو كردستانياً، لأن التسمية الجغرافية حديث مغاير لحديث التاريخ القائم.
ما الضير في أن أعلي من شأن هويتي السورية بعلامتي الكردية؟ إلى جانب آخرين من اثنيات أخرى، لأن عملية التحول إلى النطاق الذي يعنيه ساخطونا الكرد، يستوجب مخاضاً تاريخياً ومقاومة لازمة لتثبيت وضع مغاير.
وفق المقولة الماركسية: المطلوب كيفية تحويل الصلب إلى سائل، أي تحول الكم إلى كيف، وكأني بهؤلاء الذين استاثروا لأنفسهم قيماً في التعبير عن كرديتهم، ودون أن أطعن في كرديتهم طبعاً، كأني بهم، ضاربون عرض الحائض كل ما يخص حيثيات هذه المقولة، أي ما يتعلق بزمن منشود، هو أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع حالياً!
هذه اليوتوبيا في المسلك والقول، تعكس الأزمة الخانقة التي يعيشها مخاصمو غليون بالكامل: أزمة الوعي التاريخي، كما هي أزمة وعي الجغرافيا التي تشكلت في ذاكرة شعبية تتطلب مجاهدة طويلة لإحقاقها عملياً.
وهي الأزمة التي عُبَر عنها بطرق مختلفة، حيث إنها تقود إلى أزمة أخرى وتعمّقها، وأظنها أفصحت عنها، جهة التصادم مع آخرين اعتادوا الجغرافيا في طورها القائم، وليس التاريخ المحمول في الذاكرة الخاصة كردياً.
كأني بكردنا الشعبويين، وحملة الشعارات البرَّاقة، يريدون بين ليلة وضحاها، أن يضعوا خارطتهم، ويزيحوا الخارطة المعتمدة منذ مئات السنين وأكثر، انطلاقاً من تصور لما يزل وهماً أكثر منه واقعاً وهو: لقد واتتنا الفرصة، فلندخل معركة التفاوض مع شريكنا المستقبلي وباعتباره، كما يُزعَم، مالكاً للحل السحري جغرافياً، ولنعْلِمه بما نريد استناداً إلى تقدير خاطئ وهو أن في وسع غليون وحده أن يحل جغرافيتهم محل تاريخه..
بوسعي القول: إنني أكثر وعياً كردستانياً من مجمل هؤلاء الذين يحزّبون كرداً، أو يشحنون كرداً بأهداف، ويعدون كرداً بآمال، في ترجمة غير محلَّفة لمشاعرهم وأفكارهم، إنما لرغبات لا يصادَق عليها واقعاً، كما لو أن ثمة جهوزية كاملة ومعدَّة لدى الكردي السوري والكردي التركي والكردي العراقي والكردي الإيراني، في أن يطووا حدوداً باعدتهم عن بعضهم بعضاً، وينتقلوا دفعة واحدة إلى نطاق جغرافيا هي ذاتها بحاجة إلى تمهيد من قبل الكرد أنفسهم، من خلال تفاوت وعيهم، وارتباطاتهم المحلية، وضمن دولة كردية كاملة هي بدورها حلم..
في بنية ما طرِح حتى الآن من أفكار أو تصورات من منطلق نسف مفهوم غليون عن حقيقة كردستانية داخل المحيط الجغرافي السوري، يمكن استقراء الخلل البنيوي لوعي لا يتحرك تبعاً للتحديات وكيفية تجاوزها، حيث إن الجغرافيا الكردية في صورتها المعلَن عنها، لم تكن يوماً حقيقة موحدة، حيث إن الجغرافيا هذه كانت متنقلة في وعي أبنائها الكرد إنما من خلال حدود قائمة فاصلة فيما بينها، وأن القوى التي أسهمت في تفعيلها سياسياً وعلى الأرض، قوى لما تزل رابضة حدودياً، ومجوقلة، ومراقبة قارياً، إن راعينا ثقل الاتفاقيات الدولية، وقد مر عليها زمن طويل، وكيف أن إحلال أخرى سواها على نقيضها، ليست بالسهولة المتصورة، سهولة الوعي الشقي الذي عرَّف بالذين ثاروا وما زالوا يثورون أو ينتفضون بأقلامهم وبياناتهم وسلوكياتهم، وما هو منتظَر من عداء إضافي من جهة الذين يتطلب تغييرَ موقفهم زمنٌ كاف، فتكون لدينا تحديات مضاعفة وصراعات بانورامية..
ثمة حاجة إلى قوة نابذة مقابل هذا الجذب التاريخي الطويل.
نعم، لكَم أخطأ ويخطئ الذين تحدثوا ويتحدثون عن كردستان سوريا من أكرادنا المأخوذين بهوس الكردستانية، عبر بيانات وتصريحات ومقالات في المهاد الجغرافي الكردي وخارجه، إذ دون ذلك: قولاً وسلوكاً، لا مبرر، كما يبدو، لبقائهم ككرد، غير عابئين بثقل التاريخ العام، والاستعداد للتاريخ المنشود، بينما أصاب برهان غليون أكثر، وهو ينفي، منطلقاً من راهنه الجغرافي، وجود شيء اسمه كردستان سوريا، بقدر ما اعترف بكرد سوريين.
وفي المسافة الفاصلة مجدداً بين وجود كرد سوريين حتى بالمعنى القومي، والكردستانية المنفية، يمكن النظر إلى مدى اختلاف زاوية النظر بين كردستانية الناطقين باسم جغرافيا قائمة بمساحتها الخمسمائة ألف كيلومتر مربعاً، وكردية الذين يقيمون في أوطان تحوز كل منها بعضاً من هذه الجغرافيا.
إن الرهان هو في الوعي الذي يطابق بين وعيين بينهما غاية التباعد راهناً: الوعي الديموغرافي في شتاته، والوعي التاريخي الذي يجلوه في سباته.
كان المطلوب من غليون وفق المقدَّر في الكتابات الكردية المختلفة حتى الآن، أن يكون على دراية تامة بحقيقة التاريخ الكردي والجغرافيا الكردية كما هي راسخة في واعية الكردي تماماً، دونما نظر في موقعه أو ما يمثّله أو ما هو مطلوب منه، وليس ما يجب عليه القيام به جهة تصحيح مسار التاريخ والجغرافياً كلياً بضربة واحدة!
إنه الخلاف الأكبر بين غواية كردنا الذين يرفعون رايات كردستانية، دون أي اعتبار لسياق تاريخ مثقَل بالصعاب والتحديات، وكيفية انتظار الزمن المناسب الذي يجعل اسماً حقيقة قائمة، ورواية غير الكرد الذين يطوون صفحة الجغرافيا الكردية بمعناها القومي الفسيح، استناداً إلى تاريخ محلّي، دون التفكير كما يجب في شمولية تاريخ كان.
في العراك الكلامي، وهو أكثر من كلامي، والدائر بين برهان غليون وما يتمثله من ثقافة تسمّي الكردية، دون أن تتوقف عندها، حيث ثمة تربية ثقافية وقومية تتطلب المزيد من الوقت للإفصاح عنها بدقة أكثر، والذين يقفون على الخلاف التام من تصريحه، ثمة افتقاد لبوصلة التوجه المشتركة ليكون في مقدور الجميع التقابل الودي أكثر.
والذين” شقوا هدومهم” من كردنا، أو استهجنوا تصريح غليون التاريخي، كانوا في غفلة عن تاريخ لم يزل قائماً بعورته الكبرى، التاريخ الذي يتقدم الجغرافيا، والذي يلزمه وقت إضافي لتجاوز التشنجات القومية!
تُرى ما الضير في أكون سورياً، وأن أبقى سورياً، وأعزّز مكاني سورياً، بعيداً عن هذا الاقتتال السجالي أو هذا الاستنفار الجغرافي، دون أن أمحو كردستانياً، لأن التسمية الجغرافية حديث مغاير لحديث التاريخ القائم.
ما الضير في أن أعلي من شأن هويتي السورية بعلامتي الكردية؟ إلى جانب آخرين من اثنيات أخرى، لأن عملية التحول إلى النطاق الذي يعنيه ساخطونا الكرد، يستوجب مخاضاً تاريخياً ومقاومة لازمة لتثبيت وضع مغاير.
وفق المقولة الماركسية: المطلوب كيفية تحويل الصلب إلى سائل، أي تحول الكم إلى كيف، وكأني بهؤلاء الذين استاثروا لأنفسهم قيماً في التعبير عن كرديتهم، ودون أن أطعن في كرديتهم طبعاً، كأني بهم، ضاربون عرض الحائض كل ما يخص حيثيات هذه المقولة، أي ما يتعلق بزمن منشود، هو أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع حالياً!
هذه اليوتوبيا في المسلك والقول، تعكس الأزمة الخانقة التي يعيشها مخاصمو غليون بالكامل: أزمة الوعي التاريخي، كما هي أزمة وعي الجغرافيا التي تشكلت في ذاكرة شعبية تتطلب مجاهدة طويلة لإحقاقها عملياً.
وهي الأزمة التي عُبَر عنها بطرق مختلفة، حيث إنها تقود إلى أزمة أخرى وتعمّقها، وأظنها أفصحت عنها، جهة التصادم مع آخرين اعتادوا الجغرافيا في طورها القائم، وليس التاريخ المحمول في الذاكرة الخاصة كردياً.
كأني بكردنا الشعبويين، وحملة الشعارات البرَّاقة، يريدون بين ليلة وضحاها، أن يضعوا خارطتهم، ويزيحوا الخارطة المعتمدة منذ مئات السنين وأكثر، انطلاقاً من تصور لما يزل وهماً أكثر منه واقعاً وهو: لقد واتتنا الفرصة، فلندخل معركة التفاوض مع شريكنا المستقبلي وباعتباره، كما يُزعَم، مالكاً للحل السحري جغرافياً، ولنعْلِمه بما نريد استناداً إلى تقدير خاطئ وهو أن في وسع غليون وحده أن يحل جغرافيتهم محل تاريخه..
بوسعي القول: إنني أكثر وعياً كردستانياً من مجمل هؤلاء الذين يحزّبون كرداً، أو يشحنون كرداً بأهداف، ويعدون كرداً بآمال، في ترجمة غير محلَّفة لمشاعرهم وأفكارهم، إنما لرغبات لا يصادَق عليها واقعاً، كما لو أن ثمة جهوزية كاملة ومعدَّة لدى الكردي السوري والكردي التركي والكردي العراقي والكردي الإيراني، في أن يطووا حدوداً باعدتهم عن بعضهم بعضاً، وينتقلوا دفعة واحدة إلى نطاق جغرافيا هي ذاتها بحاجة إلى تمهيد من قبل الكرد أنفسهم، من خلال تفاوت وعيهم، وارتباطاتهم المحلية، وضمن دولة كردية كاملة هي بدورها حلم..
في بنية ما طرِح حتى الآن من أفكار أو تصورات من منطلق نسف مفهوم غليون عن حقيقة كردستانية داخل المحيط الجغرافي السوري، يمكن استقراء الخلل البنيوي لوعي لا يتحرك تبعاً للتحديات وكيفية تجاوزها، حيث إن الجغرافيا الكردية في صورتها المعلَن عنها، لم تكن يوماً حقيقة موحدة، حيث إن الجغرافيا هذه كانت متنقلة في وعي أبنائها الكرد إنما من خلال حدود قائمة فاصلة فيما بينها، وأن القوى التي أسهمت في تفعيلها سياسياً وعلى الأرض، قوى لما تزل رابضة حدودياً، ومجوقلة، ومراقبة قارياً، إن راعينا ثقل الاتفاقيات الدولية، وقد مر عليها زمن طويل، وكيف أن إحلال أخرى سواها على نقيضها، ليست بالسهولة المتصورة، سهولة الوعي الشقي الذي عرَّف بالذين ثاروا وما زالوا يثورون أو ينتفضون بأقلامهم وبياناتهم وسلوكياتهم، وما هو منتظَر من عداء إضافي من جهة الذين يتطلب تغييرَ موقفهم زمنٌ كاف، فتكون لدينا تحديات مضاعفة وصراعات بانورامية..
جميل أن يحلم الإنسان، إنما أن يجعل ما يحلمه واقعاً بالجملة، ودون تقدير الظروف فذلك هو الانتحار المريع..!