محمود عباس
ثورة فلاسفتها وإيديولوجييها من الأرض قاطبة، مفكرين ومنورين مغمورين في أروقة مخفية أو معتمة، طوت صفحات التاريخ البعض منهم، ثورات شبابية لا تحتاج إلى فلاسفة يقفون في المقدمة لإلقاء الخطب والمفاهيم والأفكار اليومية.
في الثورات الحالية الكل مدرك للمفاهيم، والأفكار التنويرية في متناول الجميع، متى ما أرادوا.
فلسفة الثورات والمفاهيم ملقاة في زوايا النت، وسائل التلاقي والتلقين أختلفت وتنوعت، والقائد الملهم لا يتطلب حضوره.
ما بين التيارات الإسلامية ورواد الثورات، الشباب منهم، هوة مترامية الأطراف، المسيرة معاً شكلية في النضال، بحكم الضرورة، إجتمعا ضد الطغاة في ساحات الوطن، غطاء لمصلحة آنية مشتركة، إلى حد ما، بين جميع القوى التي ترفض الموجود سلطة، وأكثرهم تكالباً على التغييرات الآنية هم التيارات الإسلامية، باحثين عن إشباع ذاتي، بالطغي على السلطة، والتحكم بشمولية إلهية، سوف لن تقل عن الحاضر دكتاتورية.
الخلاف والإختلاف كامن في كل الجوانب، الثورة تعتنق المفاهيم الإنسانية الحضارية، من ثنايا الإنترنيت، والحركات الإسلامية يعتنقون المطلق الديني الذي قلما يسمحون بالتأويل مجازاً.
الصراع كان طامراً بينهما، حتى قبل بداية الثورة السورية، لذلك استطاعت القوى الدينية الإسلامية أن يبينوا للبشرية بشكل ما بأنهم أصحابها وروادها، بهتاناً، وهم سارقوها لزمن ما، بينهم وبين الرواد الشباب، صراع خفي، سينبثق ويتفاقم في القادم من الزمن، بدايتها هي بداية الثورة الحقيقية، تنطلق منذ لحظة سقوط السلطة، كما هي الآن في مصر وتونس وليبيا واليمن، بروز الصراع بينهما سيكون بدايات سقوط النظام بكليته، الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية، هكذا ستكون سوريا القادمة.
نقاط الإختلاف عديدة، ونقطة التغييرات في المنظومة الفكرية والتعامل مع التقنية إحدى أهم المرتكزات التي يعتمد عليها الثوار، وستقف في وجهها يوماً، وبشكل صارخ، الحركات الدينية، كما وقفت الأنظمة الشمولية أمام الحريات بأنواعها، وتحت شعارات متنوعة.
إنهما يتبنيان العقليتين اللتين يقبلان أو يرفضان التعامل مع الحضارة الإنسانية، ومع التكنلوجية، والتطور البشري العام.
صراع يتجاوز المدارك الإيديولوجية، كما ويتجاوز العلمانية والروحانية، إنه صراع بين التجسيد المطلق للقوة الإلهية، وفرض الروحانيات بدون تأويل بشري، وبين مدارك لا تكل عن البحث في التغييرات والتأويلات من الماضي إلى الآفاق العلمية القادمة، التي تؤثر في تغيير الإنسان بكليته على الأرض، منعزلاً عن القوة الإلهية، باحثين عن الذات الإنسانية، ونسبية الوجود في المفاهيم البشرية، والتي أدت إلى خلق الإله جدلاً.
لا شك، نحن أمام موجة دينية، فيها قوى لا ترى قيمة ووجود للحراك الإجتماعي إلا من خلال سيطرة الفكر المطلق لمبادئ الدين الإسلامي التجسيدي، المدبلج على مدى قرون ليتلائم والطغيان السياسي، والذي يتساوى في كثيره الطغيان الأيديولوجي للأحزاب القومية الشوفينية كالبعث أو الحزب الناصري، والشمولية كالأحزاب الشيوعية.
هذا هو المنطلق الخاطئ الذي تعتمد عليه القوى اليسارية والتيارات الإشتراكية والطوائف الدينية الأخرى، لخلق هوة بينهم وبين الثورات، إما لإدراك متلكئ لماهية الثورات الجوهرية حتى اللحظة، وإما لقصر نظر في التأويلات، أو أنهم يرضخون للقوى الإنتهازية السياسية التي تشترك في بعضها مع السلطة الحالية…
تفرض هذه الجدلية سؤالها التأويلي على المجتمع ” من يجرنا إلى عالم مليء بالشكوك، حول القادم، بعد سقوط السلطات الحالية، ومستقبل الثورات التي تجتاح ساحات الشرق؟ من هم هؤلاء الذين سيقبلون بالرحيل من طغيان شمولي إلى طغيان شمولي آخر؟ هل هم القوى الإسلامية التي تود العودة بالأوطان قرون إلى الوراء؟ وهل هناك قوى أخرى ستنافسهم في هذه المرحلة الإنتقالية، ومن يمثلون؟ هذه الأسئلة وغيرها يجرفنا إلى أسئلة أخرى، لماذا التيارات الإسلامية تملك هذه القوة، ولها هذه السيطرة على الشارع؟ ونحن نعلم بأن عواصف التيارات اليسارية المتعددة أجتاحت أوطانناً وعلى مدى أكثر من نصف قرن، ماذا كانت النتيجة؟ ظهور الفكر المعاكس! ما هي الأسباب؟ هل الخطأ في الفكر اليساري، أم الخطأ في الرواد الذين أفسدوا الأفكار بأساليبهم الخاطئة؟ لكن ويبقى السؤال لماذا التيار السلامي هو الذي يسيطر ويحاول أمتطاء هذه الثورات؟ هل السلطات الفاشية التي سيطرت على الوطن هم من دعموهم، أم بسبب الفراغ الفكري الناتج عن ثقافة مشوهة نشرتها السلطات الشمولية بين المجتمع؟ أم كانت بسبب الخلفية الإقتصادية للمجتمع الذي دمر ونهب وترك يعاني الضياع المادي إلى جانب الضياع الثقافي؟ ربما كل هذا شاركت في خلق الإشمئزاز من التيارات القومية والإشتراكية، وأدت لأن تجد التيارات الإسلامية البيئة الملائمة لإنتشارها وتملئ الفقر والفراغ الإيديولوجي؟!.
يتبع …
د.
محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية