كردستان سورية كمصطلح تاريخي جغرافي يشير إلى أرض الكرد التي اقتطعت والحقت بسورية الكيان السياسي الذي برز إلى النور عام 1920.
وذلك بموجب الاتفاقيات الاستعمارية التي كانت بين فرنسا وتركيا، وخاصة اتفاقية فرانكلين بويون.
ومع مرور الوقت ادرك الكرد انه قد باتوا جزءا من الوطن الجديد وعملوا بكل امكانياتهم في سبيل الدفاع عنه وحمايته.
ولكن أن يأتي السيد غليون ويقول لا وجود لشيء أسمه كردستان فهذا إما يعكس جهلا فاضحا بحقائق التاريخ والجغرافيا، أو أنه يكشف عن تجاهل مقصود، الأمر الذي لا يعد مقبولا على الإطلاق.
إن مثل هذه الآراء لم تناقش في المكتب التنفيذي، ولا تمثل رأي المجلس، لأنها تعكر الأجواء، وتطلق العنان لردود الأفعال الغاضبة والردود المقابلة، الأمر الذي سيستفيد منه النظام من دون شك.
لقد سبق للدكتور برهان أن أطلق تصريحا آخر بخصوص وضع الكرد في سورية.
سرعان ما تراجع عنه.
وقد ارسلت في ذلك الحين احتجاجا إلى الأخ الدكتور برهان وسائر أعضاء الأمانة العامة في المجلس الوطني السوري، مبينا أن المشروع الوطني الذي نعمل من أجله يستوجب التزام الموقف الوطني العام الذي يقر بكل الخصوصيات المجتمعية السورية من دون أي تمييز.
وباعتبار ان الغلطة ذاتها تتكرر من جديد وإن باسلوب آخر وجدت ان الضرورة تقتضي نشر رسالتي تلك من أجل وضع الحقائق أمام شعبنا ليكون مطلعا على الموضوع من مختلف جوانبه.
الأخ العزيز الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري
الأخوة الأعزاء في الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري
تحية طيبة وبعد
لقد تعاهدنا منذ اللحظة الأولى في لقاء التنسيق الديمقراطي (مجموعة الأكاديميين المستقلين إذا صح التعبير) على الالتزام بالمشروع الوطني السوري الذي يكون بجميع ولجميع السوريين على أساس احترام الحقوق والخصوصيات ضمن إطار وحدة البلاد.
وقد تم التأكيد على هذه المسألة في وثيقة التوافق الوطني التي تشكل على أساسها المجلس الوطني في صيغته الأولى وقد جاء فيها بخصوص المكون الكردي ما يلي: الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكردية، وحل المسألة الكردية حلا ديمقراطيا عادلاً ضمن إطار وحدة الوطن.
والمسألة الكردية في سورية – كما تعلمون- لها تاريخها الطويل الذي يعود إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى حيث تم اقتطاع جزء من كردستان من تركيا – وريثة الأمبراطورية العثمانية- وإلحاقه بالدولة السورية الحديثة التي تشكلت بموجب اتفاقيات سايكس –بيكو، ورسمت حدودها الشمالية بناء على اتفاقيات بين فرنسا وتركيا في ذلك الحين، خاصة اتفاقية (فرانكلين- بويون 1921)، وقد تم بموجب تلك الاتفاقية إلحاق الكرد مع أرضهم ومدنهم وقراهم ومواشيهم بالدولة الحديثة.
وقد كان من المفروض أن تقوم الدولة الحديثة حينئذ (سورية) بإتباع سياسة إدماج وطنية تستطيع استيعاب جميع مكوناتها على قاعدة احترام الخصوصيات القومية والمذهبية، والالتزام بعقد المواطنة الذي لابد وأن يأخذ الخصوصيات المعنية بعين الاعتبار ( والأمثلة في هذا السياق عديدة على الصعيد الدولي: سويسرة، بلجيكا، كندا، العديد من دول أمريكا اللاتينية، فنلندا، السويد).
لكن الذي حصل هو أن حزب البعث رسخ منذ بدايات الستينات عقلية عنصرية تمييزية، شددت على ضرورة إنكار الخصوصية القومية الكردية، متبعا في ذلك سياسة مبرمجة تمثلت في حرمان الكرد من سائر حقوقهم القومية الديمقراطية المشروعة، وفرض جملة من الإجراءات التمييزية الاضطهادية التي تجسدت في مصادرة الأراضي، وسحب الجنسية، وفرض التعريب القسري، والحرمان من الوظائف، وسد أبواب المعاهد والكليات الخاصة بالشرطة والجيش أمام الطلبة الكرد، وحرمان الطلبة الكرد من البعثات الدراسية، وفرض التخلف والإهمال والنهب على المناطق الكردية.
هذه الأمور تعرفونها جيدا، ولا بد أن ندعو إلى القطع معها في سياق سعينا للقطع مع سلطة الاستبداد والإفساد؛ فالتخلص من الاستبداد لا يمكن أن يتم من دون التخلص من أدوات تفكير الاستبداد، ونحن لا نسعى من أجل التخلص من النظام الاستبدادي القائم حاليا من أجل التمهيد لاستبداد آخر محتمل قد يتخذ هذا الشكل أو ذاك؛ وبناء على ذلك أرجو من الأخوة أن يأخذوا في حسابهم أن المسألة الكردية التي تخص أكثر من ثلاثة ملايين كردي، وربما يصل العدد إلى أربعة – لا توجد إحصائيات في هذا المجال وإنما هي التقديرات- حيث في دمشق وحدها أكثر من مليون كردي، وفي حلب أكثر من نصف مليون كردي، هذا ناهيك عن المناطق الكردية بدءا من ديريك (المالكية) وصولاً إلى عفرين، مروراً بقامشلي وعامودة والدرباسية وسري كانيي (رأس العين) والحسكة المدينة وكوباني (عين العرب) ألخ…
المسألة الكردية في سورية تختلف عن المسألة الآثورية أو التركمانية أو الأرمنية ( هذا مع العلم أن المسألة الآثورية هي الأخرى لها خصوصية تميزها عن هاتين الأخيرتين)، مع احترامنا للجميع وإقرارنا بحقوق الجميع.
المسألة الكردية هي أعمق وأكبر من جهة الحجم والتأثير والتفاعل مع الجوار الإقليمي حيث لدينا أكثر من 30 مليون كردي مجاورين لسورية في كل من تركيا والعراق، وهذه أمور لا بد من أن نأخذها بعين الاعتبار لمصلحة سورية المستقبل.
إن أي تصريح من أي عضو من أعضاء الأمانة العامة أو من المحسوبين عليها يؤخذ على محمل الجد من قبل الكرد في الداخل السوري وخارجه؛ لذلك لابد من أن نكون دقيقين إلى أقصى الحدود، وإذا طرحت أسئلة خلافية نترك البحث فيها لاحقا إلى ما بعد سقوط النظام.
.
الكرد في سورية أيها الأخوة لا يريدون إبعاد سورية عن محيطها العربي والإسلامي وليس لهم مصلحة في ذلك، ولكن لا بد أن نعطي الاعتبار والقيمة لشركاء الوطن والمصير، نشعرهم بقيمتهم ونعترف بحقوقهم، وندعو إلى رفع الظلم عنهم، لأن ذلك كله من مصلحة الوطن والمشروع الوطني الذي يعد من دون غيره الحاضنة الدافئة المطمئنة لجميع السوريين.
بناء على ما تقدم لابد من دراسة التصريحات الإعلامية بدقة ومسؤولية، حتى نبين فعلا ً لا قولاً بأننا نعمل لسورية ديمقراطية مدنية تعددية توافقية، تكون بكل أبنائها ولكل أبنائها.
أما أن نعمل منذ الآن من أجل التأسيس لتكتلات حزبية أو تكتيكات عفا عليها الزمن، فهذا فحواه أننا لم نرتق بعد إلى مستوى تضحيات شعبنا، ولم ندرك بعد ماهية ما ينبغي أن نعمل من أجله احتراما لدماء الشهداء، كما أنني لا اخفي عليكم بأن عدم التزام الدقة والمسؤولية الوطنية العالية سيؤدي إلى إلحاق الضرر والأذى الكبيرين بما عملنا ونعمل من أجله باستمرار.
لذلك أرجو من الجميع أن يعمل بروح المسؤولية الوطنية السامية، ويتجاوز عقد المنظومة المفهومية التي رسخها حزب البعث عبر عقود طويلة من الاستبداد .
ومن هنا فإن الإشارة إلى النموذج الأسوأ في أوربا (فرنسا) من جهة التعامل مع المسألة القومية، أو إلصاق تهمة الإرهاب بهذه المجموعة الكردية أو تلك – رغم اختلافنا معها- من قبلنا نحن سواء من كان في المجلس أم كان من أنصار المجلس لا يخدم المشروع الوطني الذي يجمعنا، وسيساهم في بعثرة الجهود التي نعمل على تركيزها في مواجهة سلطة الاستبداد والإفساد.
تحياتي لكم جميعا مرة أخرى، آملاً أن يتم التمعن بروح المسؤولية فيما تقدم، ولكم جميعا كل التقدير والاحترام.
عبدا لباسط سيدا
عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري
27-10-2011