حج كبه
“احذروا أن تدوسوا على أحلامي الوردية المكدسة على الطريق فأنا نائم تحت ظلالها”
الشاعر الإيراني موسى بيدج
إذن فإن المظلة التي طال انتظارنا لها والتي حلم بفيئها أغلب أبناء الملة والتي كانت للكثيرين بمثابة المعجزة، في أن يرى يوماً كل هؤلاء المختلفين من الحلفاء والأضداد وهم يعملون معاً تحت ظلالها، لا لشيء سوى تحقيق هدفٍ واحد يجمعهم كافة في مسارٍ واحد وعلى موقفٍ مصيريًّ واحد، فكم كبرت المظلة وقتئذٍ في أعين الغيورين على المصلحة العليا والخائفين معاً على مصير القضية من مكائد وأحابيل الأعداء، لذلك انتابتهم مشاعر الطمأنينة يوم إعلان المظلة كواقية آمالهم وحاضنة أحلامهم أجمعين، فأيقنوا حينها بأن هناك ما يركنون إليه في الأزمات ويعتمدون عليه في الملمات، وبأن هناك من سيحميهم من سهام الألداء أو ساعة تُجحف بحقهم تقلبات السماء، ومن يلوذون به يوم تخونهم الوقائع ودوائر السياسة، وها نحن على أبواب الجلسة المصيرية لامتحان النوايا وتبيان المخفيات من المواقف والمشاريع المبطنة، في محفلٍ يضم كل الذين جاءوا محبةً، أو مكرهين، أو خجلاً، للعمل معاً تحت غطاءٍ سامٍ وغايةٍ نبيلة، مع أن بوادر التقاعس بدأت بالظهور تدريجياً منذ الأشهر الأخيرة من عمر المظلة، من خلال تصريحات بعض الجهات والتصرفات الميدانية لبعضها الآخر، أو من خلال رمي المظلة بنبال التثعلب وقصفها بتأويلاتٍ تدفعها للإرتكاس، تُرى هل كانت المقذوفات من سهو الخواطر تُطلق؟ أم أن القاذف يروم التصويب ولكن الشجاعة تنقصه للجهر بما يضمر، لذا جاء يرمي في الخفاء، بما أنه أُجبر على السير في دربٍ لا يستطيع الفرار من شقاء المسير عليه، لأنه غير مقتنع تماماً بالعمل مع الذين من المفضل لديه أن لا يعمل معهم في خندقٍ واحد وتحت مظلةٍ واحدة، إلا أن عدم وجوده على الخط العام معهم قد يكون بالنسبة له ولأمثاله بمثابة انتحار سياسي على يد قواعده الحزبية أو السقوط في نظر الجماهير، لذا انضم للجموع لا للتفعيل إنما حفاظاً على ماء الوجه إضافة لدوره أو دورهم المميز في العرقلة، ولأجل التخلص من عبء المحمول جاءت المحاولات لتعطيلها، لأن حمل ماهيتها يُثقل كاهل من أُرغموا في وقتٍ ما، وظرفٍ ما، على تبني ما أُقر في ظلها، وتمثُل استحقاقاتها لا عن قناعةٍ إنما خشيةً من خروج الرعية آنئذٍ عليهم، أو مخافة أن يتهمهم أحد بجريمة الخروج عن الإجماع وقتذاك، إلا أن المرء ليس بمقدوره إخفاء نواياه إلى الأبد تأكيداً لمقولة عليّ بن أبي طالب: (ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه) وها هي نياتهم وقناعاتهم وتوجهاتهم تظهر من خلال ما يكتبونه ويتفوهون به ويمارسونه على أرض الواقع، وأملنا في أن لا تنصاع الأطراف الأخرى في المجلس لمآرب الأطراف الزئبقية فيه، وأن لا يسمح الشارع الكردي لهؤلاء الذين باشروا بإعلان تقاعسهم عن الأهداف التي أجمعوا يوماً واتفقوا عليها مع نظرائهم من باقي الكتل الحزبية إضافة إلى أطياف المستقلين، وعلى الشارع الكردي أن يُعري هذه الجهات التي تحاول أن تساوم على حقه من داخل المجلس، من خلال محاولاتهم الدؤوبة في خفض سقف مطالب الشعب الكردي إلى ما يتناسب مع أجنداتٍ تتناغم مع توجهاتهم ومن تتقاطع مصالحه مع مصالحهم، لذا على الأحرار في المجلس بوجهٍ خاص عدم التراجع عما تعاهدوا عليه، وعلى الشعب الكردي في سوريا عامةً، أن يكون عامل ضغطٍ على تلك الجهات ويمسك بقوة يد من يحاول إطلاق السهام على المظلة من الداخل، بما أنها مظلةُ آماله وتطلعاته، مظلةُ أحلامه، مظلةً تتعهد بأن تكون محراب صلواته القومية، وتتكفل بأن تحميه من حرارة التيارات العنصرية، التي قد تمنعه مستقبلاً من المكوث في ظلال الحرية والانشراح.